قبل عامين تنفس أهالي السويداء السورية الصعداء بعد نقل رئيس شعبة الأمن العسكري العميد وفيق ناصر إلى محافظة حماة، والذي كان يعرف بسطوته الأمنية حتى بات يلقب بـ"حاكم المنطقة الجنوبية لسوريا"، لكن من جاء مكانه في ذلك الوقت لم يختلف كثيرا عنه، من ناحية إدارة الملف الأمني للجنوب أو طريقة التعامل مع الحاضنة الشعبية سواء في السويداء أو جارتها محافظة درعا.
وفي التوقيت ذاته الذي غادر فيه وفيق ناصر من جنوب سوريا اتجه خلفه لؤي العلي لإشعال نارٍ ما يزال جمرها متقدا حتى الآن، وبالأخص في السويداء التي تشهد ومنذ ثلاثة أيام توترا كبيرا وغضبا شعبيا بين أبناء الطائفة الدرزية، ذلك بعد إهانة لفظية وجهها العلي لرئيس مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في أثناء اتصال هاتفي من الأخير طلب فيه الإفراج عن أحد المعتقلين من أبناء السويداء.
الإهانة التي جاءت على شكل شتيمة حسب ما قالت مصادر إعلامية من السويداء في تصريحات صحفية دفعت الأطياف الاجتماعية في المحافظة ومشايخ العقل بمجملهم للتضامن مع الهجري، والذي ورغم دعمه لنظام الأسد منذ بداية أحداث الثورة، إلا أن ما تلقاه من العلي اعتبر وكأنه إهانة موجهة لـ"أهالي جبل الدروز بكاملهم".
وتضيف المصادر أن أطياف محافظة السويداء، وعلى رأسها قادة الفصائل المحلية كـ"قوات الفهد" و"قوات بيرق سلطان باشا الأطرش" تصر على تلقي اعتذار رسمي من قبل "القيادات العليا في الدولة السورية" المتمثلة برئيس النظام، بشار الأسد، كما تطالب بإقالة العلي من منصبه، على خلفية الإهانة التي وجهها من جهة، ولممارساته الأمنية التي ولّدت حالة من الرعب والخوف بين أبناء المنطقة الجنوبية في العامين الماضيين من جهة أخرى.
منذ الأربعاء شهد منزل الشيخ الهجري في بلدة قنوات عدة زيارات من وفود رسمية تتبع لنظام الأسد، في مسعى لـ"تهدئة النفوس" ورد الاعتبار بعد "الإهانة" التي تلقاها من العلي، حسب ما قالت المصادر مطلعة.
وكانت أولى الزيارات من قبل محافظ السويداء وأمين فرع حزب "البعث" إلى جانب قائد الشرطة في المحافظة، وشخصيات أخرى من مسؤولي المحافظة، ويقول المصدر إن عدد من ممثلي الفصائل المحلية وعائلات المحافظة اعتبرت أن زيارة الشخصيات المذكورة ليست كافية، وطالبت باعتذار رسمي من "السلطة في دمشق".
وحذر ممثلو الفصائل المحلية من اللجوء لتصعيد الموقف، في حال لم تتداركه السلطة بشكل فوري، وتتخذ الإجراءات المناسبة لتهدئة حالة التوتر في المحافظة، مؤكدين على أن الإساءة اللفظية التي وجهها العلي أثارت غضب شريحة واسعة من أبناء المحافظة.
وإلى جانب الشخصيات المذكورة التي أجرت الزيارة الأولى شهد منزل الهجري الخميس زيارة ثانية الخميس من قبل عضو القيادة المركزية في حزب "البعث"، اللواء ياسر الشوفي وشخصيات أخرى من "القيادة القطرية للحزب في سوريا"، لكنها لم تفلح أيضا بتهدئة الشارع في السويداء، مع إصرار ممثلي الفصائل وعائلات المحافظة على تلقي اعتذار رسمي من السلطة الحاكمة في دمشق.
ووفق ما نقلته المصادر الإعلامية، فإن "الإهانة" التي تلقاها الهجري بدت وكأنها موجهة للطائفة الدرزية بكاملها، مشيرةً إلى إصرار مجتمع السويداء وتمسكه حتى الآن على تلقي اعتذار رسمي يمثل "أهالي الجبل" ككل.
عندما يتردد اسم العميد لؤي العلي فلا يقتصر صداه على محافظة السويداء بل ينسحب إلى محافظة درعا، والتي ترك فيها عدة بصمات أمنية على مدار العاميين الماضيين، ولاسيما أنه كان عراب اتفاق "التسوية" الذي شهدته المنطقة، في عام 2018، وأفضى بسيطرة كاملة لقوات الأسد على المناطق التي كانت تخضع لسيطرة فصائل المعارضة.
وينحدر العلي من مدينة طرطوس الساحلية، وكان قد شغل عدة مناصب قبل رئاسة شعبة الأمن العسكري في الجنوب السوري، بينها رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء في عام 2018، ورئيس قسم الأمن العسكري بدرعا (245) في عام 2011، أي في أثناء انطلاقة الثورة السورية.
وحسب ما قالت مصادر عسكرية من محافظة درعا فإن العلي يعتبر من أبرز المقربين لعلي مملوك نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية، حتى أنه بات يلقب في أثناء عمله الأمني مطلع عام 2011 بـ"تلميذ علي مملوك".
وتضيف المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها أن العلي يعتبر أحد المتورطين في إعطاء الأوامر بقمع الاحتجاجات الشعبية في مدينة درعا مطلع 2011، ويحظى في الوقت الحالي بسلطة أمنية أكبر من تلك التي عليها الجهات الأمنية والعسكرية الأخرى التابعة للنظام السوري.
وكان اسم العميد لؤي العلي قد ورد في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في يونيو 2011 والمعنون تحت اسم "لم نر مثل هذا الرعب من قبل"، حيث اتهم بالاشتراك في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في درعا، والقيام بعمليات القتل والتعذيب الممنهجة من قبل القوات التي اقتحمت درعا، حيث أشرف على كافة العمليات التي قام بها عناصر قسم المخابرات العسكرية في درعا.
إلى جانب عمله الأمني في شعبة الأمن العسكري يحظى العلي أيضا بتواصل وتنسيق مع الجانب الإيراني، والذي يحاول ومنذ سنوات إيجاد أرضية عسكرية له على حدود الجولان، وهو الأمر الذي حذرت منه إسرائيل مرارا، واتجهت لأكثر من مرة إلى توجيه ضربات جوية، قالت إنها لمواقع ميليشيات تدعمها طهران.
سالم ناصيف محامٍ ينحدر من مدينة السويداء يقول إن العلي لا يختلف من حيث الجوهر عن وفيق ناصر الذي شكّل حالة من الرعب عند أهالي المنطقة الجنوبية لسوريا، لكنه "مارس سياسة أقل فجاجة".
ويضيف ناصيف: "العلي شخصية خطيرة بالنسبة للجنوب السوري، ويعتبر عراب المشروع الإيراني في السويداء وفي درعا والقنيطرة، ويتهم بالوقوف وراء عصابات تهريب الحبوب المخدرة التي تتوجه وتعبر على الأردن".
ويشير ناصيف إلى أن إقالة العلي هو مطلب أساسي للفصائل المحلية في السويداء في الوقت الحالي، وأيضا الفصائل المحلية التي تنتشر في درعا، متوقعا أن تقبل السلطة في دمشق هذا الطلب لكن ليس في الوقت الحالي، حتى لا ينسحب عليها أنها "انصاعت لطلبات أهالي السويداء".
وتتّبع إيران في الجنوب السوري استراتيجية خاصة للتمدد من خلال الاعتماد على شخصيات عسكرية وأمنية، يأتي على رأسها لؤي العلي، ويتابع ناصيف: "لذلك أعتقد أن الرئاسة السورية بدمشق ستحاول امتصاص الموقف الغاضب في السويداء، من خلال نقل لؤي العلي.
من الممكن أن نشهد تحركا عن طريق منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية العربية السورية، لكن لن نرى أي اعتذار من بشار الأسد".
ما تحدث به المحامي ناصيف يؤكده الناشط السياسي ابن مدينة السويداء، شادي عزام، ويقول في تصريحات لموقع "الحرة": "اليوم يمكننا القول إن إيران تضغط بطريقة قذرة على درعا والسويداء لبث الفوضى".
ويضيف عزام: "ما تعمل عليه إيران يوازيه محاولات من روسيا، والتي تسير باتجاه تجنيد الشبان لنقلهم كمرتزقة إلى جبهات بعيدة عن سوريا. لكل طرف أجندات خاصة".
ويعتبر الهجري من مشايخ العقل المحسوبين على طرف النظام السوري، وكانت له عدة مواقف مؤيدة للأخير، لذلك وعلى الرغم من تلقيه "الإهانة" إلا أنه حاول تهدئة الشارع في الأيام الثلاثة الماضية، خوفا من أي تصعيد كبير، لاسيما مع انتشار كتابات مناهضة لرأس النظام بشار الأسد على جدران عدد من أحياء السويداء.
وفي المقابل كانت "الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين" قد أصدرت بيانا قالت فيه: "نحن نؤكد على أي مسؤول أيا كان موقعه أن يعمل في سبيل الوطن والمواطنين، وأن يدرك أنه خادم للجماهير لا سيد عليها، وألا ينشر بشاعته وتسلطه".
وأوضحت "الرئاسة الروحية": "لن نقبل أمثال هؤلاء في صفوف المسؤولين، بما يبثونه من كره وبغضاء للدولة والقانون بسبب تصرفاتهم الظالمة الخاطئة غير المسؤولة".
ويرى المحامي سالم ناصيف أن الجموع الشعبية التي تقف في منزل الهجري بقنوات في الوقت الحالي تنحصر في ثلاث فئات، أولها تطالب بالتصعيد والاعتذار من المستويات العليا، واتخاذ إجراءات لنقل لؤي العلي من المنطقة الجنوبية.
أما الفئة الثانية، يتابع المحامي: "فإنها تطلب بالتهدئة، إلى جانب فئة ثالثة لم تبد أي موقف".
ويشير ناصيف إلى أنه يجب التركيز على الفئتين الأولى التي تطالب بالاعتذار، والأخرى التي تدعو إلى التهدئة، الأمر يمثل "شرخا وانقسام" كان الهجري قد عمل عليه في السنوات الماضية، بالتوازي مع مسايرته لنظام الأسد، والتيار الأقرب للنفوذ الإيراني في الجنوب السوري.
وسبق وأن التقى الهجري بوفود محسوبة على الجانب الإيراني، بينها وفد من "حركة النجباء العراقية"، في مايو 2017، وحينها ذكرت الأخيرة أن وفدها زار مقام عين الزمان في السويداء، والتقى المتحدث باسمها هاشم الموسوي، بالهجري شيخ عقل طائفة الموحدين في المحافظة.
وأشارت "النجباء" في ذلك الوقت إلى أن زيارة وفدها جاءت بـ"توجيه من الأمين العام الشيخ المجاهد أكرم الكعبي".
وتحظى السويداء برمزية وموقع حساس في سوريا، والمسماة بـ "حاضرة بني معروف"، وكانت قد شهدت في الأشهر الماضية خروج مظاهرات شعبية، طالبت بإسقاط نظام الأسد وحكومته، على خلفية تردي الأوضاع المعيشية أيضا، وهتف المحتجون في ذلك الوقت: "سورية حرة حرة إيران وروسيا برا، ويرحم روحك يا سلطان. البلد صارت لإيران".