رفتن به محتوای اصلی

قراءة في دراسة هولندية عن زيادة نسبة الإلحاد في إيران

إيرانيات ترفضن الحجاب
AvaToday caption
التحالف ما بين هذه العائلات والحرس ومؤسسة الإرشاد والمقربين منهم من رجال الدين قد جعل الثروة تقتصر فقط عليهم في ظل انتشار الفقر والبطالة داخل المجتمع الإيراني
posted onAugust 30, 2020
noدیدگاه

علي عاطف

في استطلاع مثير للرأي بعنوان “نظرة الإيرانيين تجاه الدين”(1) أجرته مؤخرًا مؤسسة جمان (گمان) الإيرانية المتخصصة في الدراسات الاستقصائية للإيرانيين، والتي تتخذ من هولندا مقرًا لها، اتضح أن أكثر من 50% من الإيرانيين تحولوا خلال السنوات الماضية بشكل أو بآخر من التدين إلى الإلحاد.

وتُعد هذه الدراسة كاشفة لتطورات كثيرة وجوهرية داخل إيران خلال العقود القليلة الماضية، والتي يسيطر فيها رجالُ الدين على الحكم منذ عام 1979؛ إذ إنها تكشف الآثار التي خلفتها سياسات هذا النظام على المجتمع في إيران من إحدى جوانبه، ألا وهو التحول بعيدًا عن التدين، على الرغم من محاولات النظام فرض ما يراه صحيحًا، وبعضه بالقوة. فالمجتمع الإيراني يشهد بالفعل تحولات عديدة أشارت إليها العديد من الدراسات خلال الفترة الماضية والتي أكدت أن نسبة اللادينية في ارتفاع.

وقد جاءت دراسة مؤسسة جمان الإيرانية لتؤكد وجود هذه التحولات. ولمّا كانت هذه التغيرات جديرة بالاهتمام، فإن البحث في أسبابها وعواملها، خاصة في الوقت الذي يسيطر فيه رجال الدين بزعامة علي خامنئي على إيران، بات أمرًا لا يقل أهمية عن إحصاءاتها. وفيما يلي نتطرق لأهم الأسباب التي أدت لظهور هذه التغيرات داخل المجتمع الإيراني، وذلك بعد استعراض أهم نتائج استطلاع الرأي الذي قامت به المؤسسة الإيرانية.

أجرت مؤسسة جمان الدراسة خلال الفترة من (6 يونيو- 21 يونيو 2020)، أي أنها استغرقت حوالي 15 يومًا لإتمامها، وشارك بها أكثر من 50 ألف شخص، 90% منهم يقيمون داخل إيران، وأكدت المؤسسة أن مستوى الثقة في نتائجها يبلغ 95% وأنها قابلة للتعميم على جميع سكان إيران. وجاءت نتائج هذه الدراسة كما يلي:

22% من الإيرانيين لا ينتمون لأي دين

أظهرت نتائج الدراسة التي قامت بها المؤسسة أن 78% من الإيرانيين يؤمنون بوجود الله، 37% يقرون بوجود حياة بعد الموت، 30% يؤمنون بالجنة والنار، 26% يؤمنون بظهور “منجي البشرية”، وهو اعتقاد رئيسي لدى الشيعة الإثنى عشرية. ويصف 32% من الإيرانيين أنفسهم بأنهم شيعة من حيث المذهب، 9% يعتبرون أنفسهم ملحدين بشكل لا لبس فيه، 8% روحانيون، 7.5% زرادشتيون، 7% لاأدريين، بينما لا ينتمي 22% من الإيرانيين لأي دين.

50% من الإيرانيين تحولوا من التدين إلى الإلحاد

أكدت الدراسة أن حوالي 50% من المجتمع الإيراني يصرّحون بأنهم تحولوا من التدين إلى الإلحاد بشكل أو بآخر، وأن 6% منهم يميلون لتغيير عقيدتهم التي هم عليها، بينما لا يؤدي 60% من الإيرانيين الصلوات اليومية، و40% لا يؤدونها بشكل منتظم، بينما يلتزم 27% منهم بأداء الصلوات الخمس يوميًا.

73% من الإيرانيين يرفضون الحجاب الإجباري 

كشفت الدراسة عن أن 73% من الإيرانيين يرفضون فكرة الحجاب الإجباري، وأن 12% فقط يرون ضرورة فرضه، بينما لا يعتقد بالأساس 58% منهم في فكرة الحجاب نفسها. ومن حيث التعليم الديني، يفضل 42% منع الدعاية الدينية في وسائل الإعلام، ويرفض 57% تلقين أبنائهم في المدارس التعاليم الدينية. وأظهرت الدراسة أن 37% من الإيرانيين يتناولون المشروبات الكحولية بشكل منتظم أو من حين لآخر،  بينما لا يتناولها 55%، ولا يتناولها 8% لعدم قدرتهم على شرائها

تتعدد الأسباب والدوافع التي جعلت نسبة اللادينية ترتفع بشكل عام داخل إيران، على الرغم مرة أخرى من أن النظام القائم داخلها نظام ديني ثيوقراطي. فهذا الاتجاه الجديد يُعد ردة فعل عكسية من الناحية النظرية، كما أنه تطور جديد يشهده المجتمع الإيراني الذي لعب فيه رجال الدين قبل مجيء حكومة الخميني عام 1979 أدوارًا متعددة سواء خلال الثورة الدستورية عام 1906، حركة تأميم النفط بين عاميّ (1951 و1953)، أو حتى أثناء وقوع الثورة نفسها التي جاءت بالخميني عام 1979.

شعار ملحدين الإيرانيين

 وعليه، يمكن القول إن أبرز هذه الأسباب ما يلي:

الانهيار الاقتصادي في إيران

كان من أول القضايا التي تحدث عنها الخميني حين عودته إلى إيران في فبراير 1979 هي الرفاهية الاقتصادية الكبيرة التي ينوي توفيرها للشعب الإيراني، ولكن سُرعان ما تدمرت إيران وتدمر الاقتصاد الإيراني بعد اندلاع الحرب مع العراق في العام التالي والتي استمرت ثماني سنوات (1980-1988)، خرجت منها إيران بخسارات مادية تُقدَّرُ بمليارات الدولارات وانهيار اقتصادي شامل. وعندما جاءت حكومة هاشمي رفسنجاني في العام 1989 بعد انتهاء الحرب ومن بعده محمد خاتمي 1997، حاولت إيران إعادة الإعمار وتحقيق النمو الاقتصادي، إلا أن هذا النمو لم يستكمل بسبب الخطاب والسلوك العدواني الإيراني الخارجي، خاصة منذ مجيء أحمدي نجاد إلى السلطة عام 2005.

فقد انتهج، ولا يزال، النظام الإيراني هذه السياسة، منذ العام الأول لمجيئه، مما دفع المجتمع الدولي دولًا ومنظماتٍ إلى محاولة كبح هذه الجماح التي تهدد أمن المنطقة والعالم، وكان ذلك عن طريق البدء في فرض القيود والعقوبات الاقتصادية على إيران بدءًا من أزمة احتجاز الرهائن عام 1979 وحتى اليوم، ما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم في إيران لتصل الأخيرة العام الماضي إلى 52%(2). ولذا، لا يمكن الفصل بين الانهيار الاقتصادي في إيران وسياستها الخارجية. وإلى جانب ذلك، لا يجد العديد من الإيرانيين بعض المستلزمات الأساسية للحياة كالأدوية في أسواقهم؛ نتيجة للعقوبات، بل إن كثيرين منهم لا يتقاضون رواتبهم الشهرية عن عملهم.

نتج عن هذه العوامل الاقتصادية إيمان الإيرانيين بفشل نظامهم وخلق جبهة معارضة كبيرة له تتجلى كل يوم في مظاهرات يختلف حجمها، وتتجلى كذلك كل عام في مظاهرات كبيرة للغاية تناهض نظام طهران نفسه. وينبغي هنا القول إن المواطن الإيراني يربط ما بين السياسات الاقتصادية للنظام الإيراني والأساس الديني أو المذهبي الذي يقوم عليه، بما أن النظام يعتبر نفسه ممثلًا لهذا الأساس. ولذا فإن العامل الاقتصادي كان من أهم الأسباب.

فساد رجال الدين وسيطرتهم على مقدرات الشعب الإيراني:

يُعد هذا العامل من أبرز وأحد الأسباب القوية التي يناهض من أجلها الإيرانيون نظام حكم رجال الدين. ففي إيران، يسيطر الحرس الثوري والمقربون منه ومن خامنئي على معظم ثروات البلاد، وهناك ما يشبه التحالف المتداخل بينهم. فحوالي 60% من الثروة الحكومية في إيران تسيطر عليها 4 شركات فقط تتبع للحرس أو خامنئي والمقربين منه، وهم “خاتم الأنبياء” و”منظمة تنفيذ أمر الخميني” و”مؤسسة المحرومين”، و”عتبة الإمام الرضا”.(3) وإلى جانب التكتلات، هناك العائلات الإيرانية التي يُعد أفرادُها من أقوى المتنفذين في إيران، كعائلة لاريجاني التي ينتمي إليها علي وصادق لاريجاني، اللذين يُعدّا من أقوى أركان النظام الإيراني.

لذا يمكن القول إن التحالف ما بين هذه العائلات والحرس ومؤسسة الإرشاد والمقربين منهم من رجال الدين قد جعل الثروة تقتصر فقط عليهم في ظل انتشار الفقر والبطالة داخل المجتمع الإيراني. ولا ينبغي علينا تجاهل مسألة كالخمس الذي يتقاضاه رجال الدين في إيران والذي جعل منهم أثرياء وبعضهم ذا ثراء فاحش، ما جعل العديد من الإيرانيين يتندرون في وسائل التواصل الاجتماعي على هذه المسألة.

توظيف الدين سياسيًا

يؤكد الدستور الإيراني في مادتيه الأولى والثانية على أن نظام الحكم إسلامي وأن المرشد نائب عن الإمام الغائب المهدي وفق الاعتقاد الشيعي، ما يعني أن سلطات المرشد إلهية لا يمكن الشك فيها. وبناءً على ذلك، يستخدم نظام طهران هذه الأداة في نزاعه مع خصومه. فعلى سبيل المثال، وخلال تظاهرات عام 2009، استخدام النظام الإيراني القوة المفرطة في إنهاء الاحتجاجات التي اندلعت آنذاك، وأكد خامنئي آنذاك في خطبته الشهيرة عقب الاحتجاجات أن النظام الإيراني “سيتعامل بحزم ضد الذين استلوا سيوفهم لمحاربته”(4)، وأشار إلى أن محاربة النظام تعني محاربة الدين وأن “الانتخابات أثبتت الديمقراطية الدينية وحاكمية الشعب الدينية”.(5)

لذا يربط النظام الإيراني حتى في تعامله مع المعارضين سواء دينيًا أو سياسيًا بين الدين والسلطة الإلهية حسب تصويره من جانب وبين سياساته على الأرض من جانب آخر، ولذا فإنه يشرع استخدام القوة المفرطة في الداخل ويدعم الميليشيات في الخارج، حتى وإن كانت الأخيرة تتداخل معها أسباب سياسية أخرى. وعليه، فإن هذا التوظيف السياسي للدين من قِبل النظام الإيراني ساهم في عدول البعض عن الإيمان بفكرته أو التشكيك فيها. ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الأخيرة ترسخت أكثر في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد (2005- 2013)، الذي كان يُعد من المتشددين وأثارت آراؤه العديد من التساؤلات محليًا ودوليًا.

د- جائحة كورونا وتعميق أزمة رجال الدين

أثّرت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بشكل كبير على الصورة التي رغب رجال الدين في إيران في رسمها لدى العامة. ففي ظل أوج انتشار الفيروس خلال الأشهر الأولى في فبراير ومارس الماضيين، دعا رجال الدين في إيران إلى عدم غلق أماكن العبادة والمزارات الدينية وإلى النزول والذهاب إليهما والتبرك بهما للشفاء من فيروس كورونا. واتخذ رجال الدين موقفًا مضادًا لإجراءات السلامة من المرض، وقال بعضهم إنه ينبغي ترك القضية لأنه تمهيد لظهور المهدي. ورفض إمام مدينة مشهد “أحمد علم الهدى” إلغاء صلاة الجمعة كإجراء لمنع انتشار العدوي بين المصلين وقال إن “إلغاءها ليس له ما يبرره”.(6)

اهتزت مكانة رجال الدين في إيران مؤخرًا نتيجة لهذه التوجيهات والنصائح التي خالفت هي نفسها إرشادات وزارة الصحة الإيرانية، وبات الكثيرون يشككون فيما يقولونه، وبات البعض يطرح قضية مصير رجال الدين في إيران بعد جائحة كورونا، بل وربما تمثل الجائحة بداية لتوجه الكثيرين داخل إيران ممن كانوا من مؤيدي نظام طهران نحو الخروج من هذه العباءة.

انفصال الجيل الجديد من الشباب الإيراني عن النظام فكريًا

يتمتع الجيل الجديد من الشباب الإيراني بالتوق إلى الاتصال بالخارج ورفض التقيّد بالداخل، وذلك في ظل ما يشهده القرن الحالي من تطورات تكنولوجية كبيرة في وسائل الاتصال والعلوم والثقافة. فجيل الشباب الإيراني الحالي غير مرتبط فكريًا بالجيل السابق الذي شهد تأسيس النظام الحالي والحرب مع العراق، بل إنه جيل لا يمت كثيرون منه بصلة لسالفه، جيلٌ يرغب في الانفتاح على العالم ويرفض الإيديولوجية السياسية للنظام. وبعد التراكمات السياسية والاقتصادية السلبية للنظام الإيراني خلال السنوات والعقود الماضية، لا يجد الكثيرون أملًا في هذا النظام بل يرغبون في استبداله بنظام غير ثيوقراطي يخلصهم من سطوة رجال الدين.

مما سبق نستنتج أن جميع هذه العوامل السابقة ساهمت بشكل أو آخر في رفض المجتمع الإيراني لإيديولوجية النظام الإيراني، وأدى بعضها إلى اتجاه جزء من الإيرانيين إلى البعد التدريجي عن التدين وليصل عند البعض إلى الإلحاد، كما أوضحته الدراسة الاستقصائية التي قامت بها مؤسسة “جمان”. ولعل أشد هذه العوامل هو اعتبار النظام الإيراني نفسه “حاكمًا بأمر بالله” وأن سياساته وأفكاره إلهية، وهو ما كان له النصيب الأكبر في هذا الاتجاه. وعليه فإن هذه العوامل وغيرها باتت تحدد مصير النظام الإيراني مستقبلًا، وتبشر بأن يقلص القادة الإيرانيون في المستقبل القريب بعد وفاة خامنئي ذي الـ 81 عامًا من اعتمادهم على إيديولوجية الثورة والاتجاه أكثر نحو التخيف من التشدد في جميع النواحي.

المصادر والمراجع:

1: “گزارش نظرسنجی درباره نگرش ایرانیان به دین”، موسسه پژوهشی گمان، يونيو 2020.

https://cutt.us/BHsaW

2:  إيران نظرة عامة”، موقع البنك الدولي على شبكة الانترنت.

https://cutt.us/XtXSb

3: “ تحليل: الملالي والحرس الثوري وكفاح إيران من أجل العملة الصعبة”، دويتشه فله، 9 يناير 2020.

https://cutt.us/gqRZs

4:  خامنئي ينذر المعارضين بإجراءات حازمة”، بي بي سي، 11 سبتمبر 2009.

https://cutt.us/MRq4C

5: “خامنئي يرفض الانتخابات”، بي بي سي، 19 يونيو 2009.

https://cutt.us/M9Hjq

6: علي عاطف، “تداعيات جائحة كورونا على إيران: قراءة في الأسباب والنتائج”، ذات مصر.