تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

غزو العراق خدم طهران أكثر مما خدم واشنطن

 المواطن الشيعي
AvaToday caption
دخل لاعبون جدد إلى المشهد برعاية طهران، هم فصائل الحشد الشعبي وهي فصائل شيعية مسلحة ضمّت إلى القوات الرسمية، ولها تمثيل في الحكومة والبرلمان
posted onMarch 18, 2023
noتعليق

يقول الباحث المتخصص في شؤون العراق في جامعة كوبنهاغن فنر حداد إنه "لم يخدم أي حدث المصالح الإيرانية بقدر غزو العراق عام 2003".

وتتبع الطبقة السياسية الطريقة نفسها في العمل: على النخبة التي تتقاسم السلطة، الاتفاق في ما بينها، وسط مفاوضات شاقة وعقبات لا نهاية لها، بل وحتى مواجهات مسلحة.

وبعد عقدين من الزمن على غزو العراق وإطاحة تحالف تقوده الولايات المتحدة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، لم تتغير تركيبة السلطة في بغداد كثيرا وهو النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، فيما يهيمن صانعوه من نخبة المنفى وغالبيتهم من الشيعة وكثير منهم نشأ في إيران وحظي برعايتها.

ومنذ العام 2003، هيمنت الأسماء نفسها على "البيت الشيعي" وهي التسمية التي أطلقها المراقبون على الطبقة السياسية التقليدية، من نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم، والقائمة تطول.

وفي كثير من الأحيان، كان بعضهم معارضون للنظام في المنفى خلفيتهم من أحزاب محافظة وإسلامية، لجؤوا لفترة طويلة في إيران المجاورة أو أوروبا هربا مما يصفونها بـ"القمع الدموي الذي مارسه صدام حسين".

وترى مرسين الشمري الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط في جامعة هارفارد الأميركية أن هذه "النخبة السياسية تمكنت من ترسيخ نفسها". وفي حين أن هؤلاء السياسيين قد ضمنوا سلطتهم في الأصل قد ضمنوا سلطتهم في البداية عبر توليهم مقاعد نيابية أو وزارات أو رئاسة حكومة، لكن ها الشرط لم يعد اليوم ضروريا.

وأضافت أن "ما حدث في العشرين عاما الماضية هو أنهم تحولوا من مسؤولين في الدولة إلى زعماء أحزاب، لا يزالون ممسكين بمقاليد السلطة حتى لو لم يكن لديهم من الناحية العملية منصبا رسميا".

ودخل لاعبون جدد إلى المشهد برعاية طهران، هم فصائل الحشد الشعبي وهي فصائل شيعية مسلحة ضمّت إلى القوات الرسمية، ولها تمثيل في الحكومة والبرلمان.

واعتبر حداد أن "أساسيات النظام لم تتغير إلى حد كبير"، مشيرا إلى أن "القواعد التي أرستها النخبة في 2003-2005 ما زالت تحكم الحياة السياسية" حتى الآن. ومع ذلك ، فإن "البيت الشيعي" ليس بمنأى عن الخلاف.

واشتّد الخلاف في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2021 بين المعسكر الموالي لإيران ورجل الدين صاحب المواقف المتقلبة مقتدى الصدر وبلغت ذروتها في أغسطس/اب 2022 بيوم من القتال الدامي في قلب بغداد.

وتواجه هذه النخبة التي تُتهم بالانفصال المتزايد عن ناخبيها اليوم تحديا من الشارع أكثر من أي وقت مضى، كما ظهر في موجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة وغير المسبوقة ضد السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتي نددت بالفساد المستشري وبطالة الشباب والبنية التحتية المتداعية.

وحينها هزت التظاهرات العاصمة بغداد وجنوب البلاد خصوصا، حيث غالبية السكان هم من الشيعة ويعانون من الفقر والنقص في التنمية، على الرغم من الثروة النفطية الهائلة.

وتتحدّث الشمري عن "تغيير في الأجيال" والابتعاد عن الرغبة في التصويت "على أساس الهوية" الذي استفادت منه الأحزاب الشيعية منذ عام 2005.

وقالت "في الوقت الحاضر، إذا سألت المواطن الشيعي العادي عما إذا كان قلقا من احتمال أّلا تكون الدولة بيد الشيعة بعد اليوم، فربّما سيكون ذلك آخر ما يقلقهم"، مضيفة أن "معظم العراقيين الذين ولدوا بعد 2003 نشؤوا في دولة يسودها عدم المساواة في الدخل والفساد المستشري وهم يكافحون ضدّ ذلك".

ويعدّ الشيعة أبرز من حقق مكاسب من بعد سقوط نظام صدّام حسين منذ عشرين عاما حتى اليوم، إذ تمكّنوا من الإمساك بالمشهد السياسي في البلاد وسط توازن سياسي هشّ ومتقلّب لكن لا ينهار أبدا.

وفي بلد متعدد الطوائف والاثنيات، حيث تراقب الحليفة طهران النافذة عن كثب أروقة السلطة في بغداد، تهيمن الطبقة السياسية الشيعية على الحياة العامة، بعدما حُرمت لفترة طويلة من التمثيل السياسي في ظل النظام القديم الذي أطاحت به واشنطن في عام 2003.

وتتجلى هذه الصورة في الفضاء العام سواء بصور الإمام الحسين المنتشرة في كل الشوارع، أو خلال إحياء المناسبات الدينية الكبرى التي كانت تجري بالسر قبل عام 2003، لكن يتم إحياؤها الآن بقوّة في العلن تعبيرا عن هذه الهوية الشيعية، كما في مناسبة عاشوراء والأربعين.

وتقول الباحثة السياسية مرسين الشمري "هل الشيعة هم أكبر الرابحين من نظام ما بعد 2003؟ هم كذلك لناحية أنهم أكبر طوائف البلاد وبالتالي التمثيل الأكبر في الحكومة".

وبعد سقوط صدام حسين، شرعت السلطات المؤقتة التي نصبتها واشنطن في بناء نظام سياسي جديد مع حلفائها وإقامة توازن هش للسلطة قائم على المحاصصة وتوزيع المناصب بشكل رئيسي بين الشيعة والأكراد والسنّة، مع نسب صغيرة لبعض الأقليات.

ويقول فنر حداد "كان متوقعا أن يكون المحاورون العراقيون الرئيسيون للولايات المتحدة في الموقع الأفضل للاستفادة من تغيير للنظام تقوده الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن "المعارضة في المنفى" ضد صدام حسين جمعت الحركات الشيعية والكردية بشكل رئيسي.