تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

روسيا متمسكة بإيران.. والعراق لن يخلصه إلا 'إنقلاب عسكري'

روسيا تضع إيران خط الصد الاول
AvaToday caption
أن روسيا تسعى لإقامة تشابك قوة عسكرية إقليمية تمتد من إيران وتركيا وحتى الهند والصين وجنوب شرق أسيا والكوريتين، لتكون قوة شرقية (بديلة) تقف بوجه المحاولات الأميركية
posted onJune 13, 2021
noتعليق

حامد شهاب

السؤال الذي يطرحه الكثير من المتابعين لتطورات المنطقة هذه الأيام: هل بمقدور الولايات المتحدة إلحاق هزيمة بإيران أو تركيعها، ومن يحول دون تحقيق هذه الرغبة، وكيف يكون بمقدور العراق أن يتخلص من أزماته الطاحنة، وهم، أي المتابعون للشأن العراقي، يرون أن " الإنقلاب العسكري" هو الضامن الوحيد لعودة دولتهم الى مسارها الصحيح، وإن صناديق الإقتراع وآليات الديمقراطية الزائفة، هي الأكذوبة الكبرى التي صدقها العراقيون، وعادت عليهم بفواجع ونكبات.

ومن خلال التمعن في مجريات ما آلت اليه أحداث المنطقة، فإن من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة صعوبات بالغة في ترويض إيران أو إلحاق هزيمة بها في مستقبل قريب.

وما يؤكد تلك القناعات هو هذا التشابك في علاقات إيران ومنطلقات قوتها العسكرية وثقلها الإقليمي في المنطقة وأذرعها وجماعاتها التي تدين لها بالولاء في العراق واليمن ولبنان وحتى في دول الخليج، حتى يمكن التوصل الى قناعة بأنه من الصعوبة بمكان أن يكون بمقدور الولايات المتحدة إلحاق هزيمة بإيران أو تركيعها، والظفر بتوقيع إتفاق نووي معها، دون أن تكون إيران هي من تحصل على "مكاسب كبيرة" من مفاوضاتها بشأن برنامجها النووي في نهاية المطاف، بل وستعد نفسها الرابح الأكبر من أي إتفاق يتم التوصل إليه مع الإدارة الأميركية، وبالتالي تجد إيران نفسها وقد بقيت هي المهيمنة في كل الأحوال.

والسبب في أن إيران ستكون هي الرابحة، هي روسيا، وبوتين على وجه التحديد، إضافة الى مواقف الصين وبعض دول أوروبا الغربية المترددة في أية مواجهة مع إيران، بل ولديها الآن علاقات أكثر تطورا معها،  كما أن روسيا هي الدولة الكبرى التي ساندت إيران بكل الخبرات والتقنيات العسكرية والنووية والاقتصادية الاستراتيجية، وهي من منحت إيران قوة صاروخية ونووية وعسكرية وتحالفا غير منظور يصعب تفكيكه، وبالتالي فهي الوحيدة التي تحول دون تحقيق الرغبة الأميركية بإضعاف إيران، أو إنهاكها بحرب وعقوبات أميركية، راحت تتفكك شيئا فشيئا، كما أن روسيا تعتقد أن إيران ستبقى خط الصد الأول الذي يحول دون تمدد الولايات المتحدة بإتجاه تكثيف الضغوط الأميركية على روسيا، وإن إيران هي من تسهم بتخفيف تلك الضغوط، كونها بالمقابل هي المستفيد الأول من روسيا، ومن عدائها للولايات المتحدة.

والأبعد من ذلك كه أن روسيا تسعى لإقامة تشابك قوة عسكرية إقليمية تمتد من إيران وتركيا وحتى الهند والصين وجنوب شرق أسيا والكوريتين، لتكون قوة شرقية (بديلة) تقف بوجه المحاولات الأميركية لإستهداف تلك الدول مجتمعة، والتي لديها صراعات وتوترات مع الولايات المتحدة، لهذا وضعت روسيا كل ثقلها ووقوفها مع إيران، وكأنها الحليف الاستراتيجي غير المعلن رسميا، وهو (حلف) أو (تحالف) يمكن أن يعوض روسيا عن خسارتها لحلف وارسو في مواجهة الناتو الذي عمل على خنق روسيا، وهو الذي يسعى ويحول دون بلوغها مرتبة تكون بمقدورها أن تقف بوجه التطلعات الأميركية للتواجد العسكري في المنطقة.

كما أن دول الخليج التي كانت تعد مركز إهتمام الإدارة الأميركية، لم تعد هكذا الآن، وخفت أو لنقل خفتت تلك العلاقة وطبيعة المصالح التجارية بينهما في الفترة الأخيرة، بعد أن شهدت علاقاتها مع دول الخليج والسعودية بعض حالات الفتور، بل وإثارت الولايات المتحدة معها توترات في تلك العلاقات التي كانت قوية لأزمنة طويلة، ما يؤكد أن مديات التحالفات الحالية قد تغيرت، وأن الولايات المتحدة تتراجع الآن على أكثر من صعيد، وهي لن تغامر على طول الخط بتحالفها مع دول الخليج، ولن تضيع فرصة مد خيوط علاقة أقوى مع إيران، حتى وإن أعلنت وقوفها بوجه أطماعها في المنطقة، برغم كل خلافاتها ومخاوفها منها، وهي تستخدم سياسة الخطوة خطوة مع إيران، بهدف كسب ودها، وتجنب حصول مواجهة عسكرية أو إندلاع حالة صدام معها، ونعتقد أن الولايات المتحدة لن تورط نفسها في تدخل عسكري على شاكلة ما جرى في العراق، كونه درسا مريرا لن يتكرر، وستجد في إقامة علاقات أفضل مع إيران، في وقت قريب، هو أفضل سبيل لتجنب أي إصطدام محتمل معها في المستقبل.

يدرك الروس أن سياسات العراق السابقة في نهاية السبعينات، وفي عهد الإتحاد السوفيتي السابق، حيث كانت ترتبط معه بعلاقات صداقة وتعاون ومعاهدات تحالف دفاعي مشترك، هي من ساعدت بطريقة وبأخرى في تفكيك الاتحاد السوفيتي بعد الولايات المتحدة، وضيع العراق في منتصف السبعينات وما بعدها، فرصة ذهبية كبيرة لو أبقى على تحالفه الاستراتيجي مع الإتحاد السوفيتي السابق حتى بعد إنهياره، ولم يقف موقفا عنيدا تجاه التدخل السوفيتي عام 1979 في أفغانستان، وإختلق في وقتها مشاكل مع الحزب الشيوعي العراقي، واتهمه بالتآمر على نظام الحكم، وراح يعقد معاهدات مع فرنسا ودول غربية وأدار ظهره للروس، شعرت روسيا عندها أن العراق هو من سعى للإخلال بالتزامات معاهدة الصداقة والتعاون وفرط بها، ما أضاع على شعبه تحالفا مهما مع الإتحاد السوفيتي، وهو من أدى الى إنهيار بلده، بعد شنه الحرب ضد إيران، إضطرت روسيا بالمقابل أن تبحث مع حليف آخر ووقفت مع إيران في الحرب ضد العراق، ومدتها بكل ما تحتاجه من أسلحة وطائرات وصواريخ بعيدة المدى، وصناعات دفاعية تقطف إيران اليوم ثمارها، لأن العراق من وجهة نظر روسيا، هو فرط بتلك العلاقة قبل سنوات، وخسر حليفا ليس بالإمكان تعويضه، أما سوريا فبقيت ثابتة على هذا التحالف مع روسيا، وهي من أنقذته في المواجهة الاخيرة مع شعبه، وأبقت الاسد صامدا كل هذه الفترة العصيبة من تاريخ سوريا، بالتعاون مع إيران، ولولاهما لكان مصير الأسد في خبر كان.

ولو كانت إيران تواجه الولايات المتحدة لوحدها، لإنهارت منذ سنين طويلة، لكن وقوف روسيا بكل ما تمتلكه من وسائل الدعم وتعزيز قدرات الردع العسكري الإيراني، هو من أوقف إيران على رجليها، وهي أي روسيا، تعد تحالفها مع ايران وسوريا ونفوذها الحالي الذي يتزايد في العراق وتركيا التي لديها هي الأخرى علاقات قوية مع كل من ايران وروسيا، هو الضامن لبقاء قوة ايران المهيمنة لسنوات مقبلة، ومن مصلحة روسيا أن تبقى إيران هي خط الصد الاول ضد الولايات المتحدة حتى تخفف عنها خسارات أية واجهات محتملة تكلف روسيا الكثير لو واجهتها بمفردها، كما أن الصين بقيت مساندة لإيران ورفضت أية محاولات لتوجيه ضربات عسكرية أميركية لإيران، وزودت هي الأخرى إيران بصناعات عسكرية وتقنية أسهمت في تقوية دفاعاتها وموقفها السياسي.

 ويدرك الأميركيون خطورة التحالف الروسي الإيراني وحتى التركي والصيني والهندي غير المنظور ضد التوجهات الأميركية التي تريد إبقاء نفسها هي المهيمنة، وليس هناك من قوة عظمى بمقدورها أن تثني الولايات المتحدة عن سياسة الهيمنة على مستقبل العالم، وهي تهتم بأن يبقى لها نفوذ قوي في تلك المنطقة، وتدرك واشنطن أكثر من أي وقت مضى صعوبة تفكيك العلاقة بين طهران وموسكو، لأن تعقيد المصالح وتشابكها بينهما، وصل حدودا من  التكامل والتشابك يصعب خلق إختراق أو تفكيك في منظومتيهما الدفاعيتين!!

أما العراق، فلن يكون له إهتمام يذكر لدى الولايات المتحدة بعد اليوم، سوى أن يبقى العراق مركز التصادم وساحة الصراع التي ستبقى تحتدم لسنوات بين الولايات المتحدة وايران، بعد خطأ كبير إرتكبته الولايات المتحدة، وهي تدرك أنها سلمت خطأ مقادير العراق لإيران، منذ عام 2003، ظنا منها أنها ستخفف عبء الخسائر الباهظة عن الولايات المتحدة في ترويض شعب العراق وكسر ظهره، والمكسب الوحيد للولايات المتحدة من وجهة نظرها، هو أنها إستطاعت إخراج العراق  من ساحة المواجهة مع إسرائيل، بعد ان وصل العراق الى حالات من التدهور والإنحلال والضعف والتمزق والإنقسام بين مكونات شعبه وتصارعهم الطائفي والعرقي، بما يجعل العراق غير قادر على النهوض على قدميه لسنوات طوال، ولن يكون بمقدوره أن يكون عنصر تهديد للمنطقة مرة أخرى.

ربما لن يكون مصير دول الخليج في عقود مقبلة بأكثر حظا من العراق، برغم أن دول الخليج، تدرك قوة كل من إيران والولايات المتحدة، وهي لا تريد أن تكون أرضها مسرحا لحرب محتملة بين أميركا وإيران، وهي تبذل جهدها لتحافظ على بقايا مصدر قوتها وانجازاتها الكبرى الاقتصادية والتنموية التي حققتها طوال سنين، وهي ليست مستعدة للتضحية بها وأمن شعوبها وتقدمها المتسارع، وستضطر لعقد أي إتفاق مع إيران، حتى وإن كان شكليا، لتجنب شرور الإصطدام بها في المستقبل، كما أن إيران، سيرضيها أي إتفاق مع دول الخليج يضمن الا تكون أرضها منطلقا لأي عدوان ضدها في المستقبل.

ومن وجهة نظر متابعين للشأن العراقي فإن مشكلات العراق وخلاصه من الهيمنة الإيرانية لا يمكن أن تحدث، دون وجود زعامة أميركية جديدة بعد بايدن، تمهد لـ "إنقلاب عسكري" في العراق، وهي من تساعده على التخلص من تعقيدات وضعه الحالي، وإنقاذه من تشابك علاقاته المتشعبة مع إيران حد الهيمنة على مقدراته، وبطلب من قيادات عراقية، والولايات المتحدة لو خلصت نياتها من وجهة نظر هؤلاء المتابعين، هي المؤهلة للقيام بتلك الخطوة. أما الإرتهان الى الإسلوب الديمقراطي وحرية الاحزاب الفاسدة للتخلص من أزماته وتدخلات إيران، في وقت لا يزال السلاح المنفلت وجماعاته المسلحة هي المسيطرة، فلن يكتب لها النجاح، إلا بإنقلاب عسكري، يفرض سلطة الدولة ويجمد النشاط الحزبي والميلشياوي بكل أشكاله، ويقوم الجيش وقوات مكافحة الإرهاب، ويفرض حالة الطوارئ، ومن ثم تسلم الراية بعد فترة إستتباب الأمن، وإكتمال صورة الدولة وعودة مؤسساتها، الى قادة وطنيين عراقيين يديرون مقدرات البلاد، وتقام دولة مدنية قوية، تؤمن بحقيقة مفادها أن العراق لن يكون بعد الآن مصدر تهديد لأي أحد من دول المنطقة والعالم، ولن يكون مصدرا للفوضى والإضطراب، عندها سيعود العراق الى دوره الحضاري، وستعود للشعب العراقي كرامته وإستقلاله وهيبته، وبدون ذلك، لن يكون بمقدور العراق أن يكون عراقا كما يتمنى شعبه، وسيعاني من أزمات مستفحلة تلاحقه لسنوات طويلة مقبلة، وتبقى إرادة الله هي الأقوى في كل الأحوال، وهي القادرة إن أحسن العراقيون التعامل مع رسم صورة أفضل وأكثر تطورا، مع الدول الأقليمية والمجتمع الدولي، عندها يمكن أن يكون بمقدور شعبهم أن يرى النور في مستقبل قريب، وتتحقق أمنيات العراقيين في أن يروا بلدهم، وقد تخلص من شرنقة التبعية والإرتهان لإرادة الأجنبي وحروب الطائفية التي تستعر نيرانها هذه الايام، وتتجدد فصولها كل يوم، لينهوا مترتبات تلك الحقبة الأليمة القاسية في جورها وظلامها ووطأتها الثقيلة، وتنتهي صور الإحتلال بكل أشكاله، ليعيد العراقيون بناء وطنهم ويمسحون عن عيون شعبهم تلك الدموع ومعالم الحزن التي إرتسمت على محياهم، منذ 18 عاما أو يزيد، وتعود لهم ثروتهم، ويكون بمقدورهم بناء دولتهم، ويعيدوا لها هيبتها ووقارها، عندها يكون بمقدورهم أن يودعوا زمن الإذلال والمهانة، الى غير رجعة.