علي قاسم
النفوذ الإيراني في المنطقة بدأ في الانهيار، حسب تقرير أعده المعهد الأميركي للدفاع عن الديمقراطية، ويعزو التقرير أسباب الانهيار إلى الضغوطات التي تمارسها واشنطن ضد إيران، والتي حولتها إلى دولة ضعيفة وسحبت منها عناصر القوة.
قبل القبول بالنتائج التي أطلقها التقرير أو التشكيك بها، لا بد من تحديد العوامل التي أدت إلى توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة وأن الثورة الإيرانية واجهت العديد من التحديات، كان أولها الحرب مع العراق، بين عامي 1980 و1988. تلتها الثورة الخضراء احتجاجا على تزوير الانتخابات التي جرت في 12 يونيو 2009، وأدت إلى فوز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. وكان آخر تلك التحديات احتجاجات شعبية اندلعت آخر عام 2017، لتستمر بشكل متقطع خلال العام 2018.
تجاوزت إيران هذه التحديات بفعل عوامل داخلية وخارجية، وقد تكون النقطة الأفضل للانطلاق هي عام 2003. في هذا العام شكّل إسقاط الأميركيين النظام في العراق المكسب الأول لحكام طهران؛ قدموا لهم العراق على طبق من ذهب.
المكسب الثاني والأهم، هو فوز باراك أوباما؛ تعاملت إدارة الرئيس الأميركي السابق بسذاجة منقطعة النظير مع حكام طهران، خاصة في فترة ولاية أوباما الثانية.
وسواء حدث ذلك بوعي، أو دون وعي، ساهمت تلك الإدارة في توسيع نفوذ إيران في المنطقة، والأسوأ أنها منحتها “غطاء شرعيا” تعمل من خلاله.
الخطأ القاتل لأوباما أنه أراد الوصول إلى اتفاق مع طهران حول الملف النووي بأي ثمن. وهذا ما جاء على لسانه، وكتب على صفحته على موقع فيسبوك، مؤكدا أن أي انتشار محتمل للسلاح النووي هو من أكثر المسائل أهمية بالنسبة للأمن الأميركي. لهذا السبب يقول “تفاوضت الولايات المتحدة مع إيران في المقام الأول”.
ويرجع البعض عدم تنفيذ أوباما تهديداته ضد سوريا، بعد أن اعتبرت إدارته استخدام دمشق السلاح الكيميائي في الغوطة تجاوزا لخط أحمر، إلى حرصه على عدم إغضاب طهران. وكان اتصال أوباما هاتفيا بالرئيس الإيراني حسن روحاني، في سبتمبر 2013، الاتصال الأول الذي يجري على هذا المستوى بين واشنطن وطهران منذ ثورة 1979. بلغة أوضح، قدم أوباما سوريا هدية إلى آيات الله، كما سبق وقدم أسلافه العراق إليهم.
ساهم الاتفاق النووي في توفير أموال طائلة دخلت الخزانة الإيرانية. إضافة إلى صفقة جرت في السر، لتبادل رهائن، تم على إثرها تحويل مبلغ 1.7 مليار دولار إلى طهران. أما الفائدة الأكبر فكانت في تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي.
لهذا كله، وُصفت الطريقة التي تعامل بها أوباما مع إيران بـ”الإغواء الاقتصادي”. مقدما لآيات الله حوافز تشجعهم على الاعتدال. فإستراتيجية الإغواء هذه سبق أن جُرّبت وثبت فشلها مع حكام بكين وموسكو، وهي ستفشل بالتأكيد مع حكام طهران.
اعتمدت الإدارة الأميركية في تعاملها مع إيران على نظرية إعادة تنظيم المنطقة بشكل شامل، وهي نظرية روج لها، روبرت مالي، وهو محام أميركي مختص في فض النزاعات، ومدير برنامج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. كان مالي يظن أن بالإمكان إعادة تنظيم الشرق الأوسط من خلال دعم إيران كنفوذ معتدل.
وكانت النتيجة أن كل ما فعلته الإدارات الأميركية هو تمهيد الطريق لإعادة إيران إلى حضن الشرعية، دون أن يكلف ذلك طهران شيئا سوى اتفاق نووي خدعت العالم به.
كل الأدلة في ما بعد تشير إلى فشل تلك السياسات، بل على العكس انفتحت شهية آيات الله، وسارعوا للتمدد في المنطقة، وعملوا بدأب على تسليح ودعم جماعاتهم في اليمن والعراق ولبنان وغزة. فرضوا أنفسهم في أربع عواصم عربية، وحاربوا مع الحوثيين في اليمن، ومع حكام دمشق في سوريا، ومع حيدر العبادي في العراق، ومع طفلهم المدلل “حزب الله” في لبنان.
دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض في لحظة كانت فيها شهية حكام طهران قد انفتحت على أشدها. وحاولوا ابتلاع لقمة عجزوا عن هضمها. استفاد ترامب من التمدد الإيراني ليقلب الطاولة فوق رؤوسهم. كل ما كان يحتاجه هو إعلان حالة حصار ضدهم، لتشح الأموال في خزائنهم وتجوع كلابهم.
تواجه إيران حاليا ضغوطًا اقتصادية وسياسية هائلة، وخرج ملايين من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين إلى الشوارع احتجاجا على نظام آيات الله، إلا أن الاستجابة الإيرانية كانت تمتاز بالقمع حينا والمراوغة أحيانا.
أمام حكام طهران اليوم عامان، يمارسون خلالهما هوايتهم في مراوغة المجتمع الدولي، في انتظار حدوث معجزة، تخرج فيها الانتخابات الأميركية دونالد ترامب من البيت الأبيض، وتعيد الديمقراطيين إلى الحكم.
كاتب سوري مقيم في تونس