جاء الهجوم الذي نفذته مسيّرات يُعتقد أنها إسرائيلية على مجمع عسكري إيراني فيما اصطلح عليه إعلامياً بـ"هجوم أصفهان"؛ ليؤشر لاختراق إسرائيلي خطير للأمن القومي الإيراني، ويؤشر بانتقال الضربات المتبادلة بين البلدين لمرحلة أخطر، وسط مخاوف أن يؤدي التوتر حول برنامج طهران النووي وأجندة حكومة نتنياهو المتطرفة لإشعال نزاع في المنطقة.
وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أن 3 طائرات مسيرة، تحمل كميات صغيرة من المتفجرات، هاجمت مجمعاً عسكرياً في مدينة أصفهان بوسط إيران يوم السبت، 28 يناير/كانون الثاني 2023، مما تسبب في بعض الأضرار بالمنشأة.
وصرح مسؤولون أمريكيون أن "إسرائيل" هي الني نفذت الضربة؛ رداً على ما وصفوه بمخاوف تتعلق بالأمن القومي بشأن الأنشطة العسكرية الإيرانية، كما حملت إيران رسمياً "إسرائيل" المسؤولية عن هجوم أصفهان، بينما لم تؤكد إسرائيل أو تنفي بشكل رسمي صلتها بالحادث.
وأدى الهجوم إلى سلسلة من الانفجارات القوية بمصنع أسلحة حكومي إيراني في مدينة أصفهان بوسط البلاد، وفقاً لشهود ولقطات من الموقع.
ومدينة أصفهان، التي شهدت الهجمة الأخيرة، تستضيف 4 مفاعلات نووية تُستخدم للأغراض المدنية في الوقت الحالي.
ويأتي هجوم أصفهان في سياق تكثيف إسرائيل هجماتها على أهداف في الداخل الإيراني في السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، في مقابل ردود انتقامية إيرانية لا يشترط أن تحدث عقب الهجمات الإسرائيلية.
ولكن هناك مؤشرات على توسيع إسرائيل هجماتها منذ عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، وهو توجه قد يتزايد في ظل قيادة بنيامين نتنياهو أشد الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الهجمات على البرنامج النووي الإيراني، وكيف سترد إيران، وهل تتطور الأمور لحرب مفتوحة بين الطرفين.
ويزيد الهجوم من إحراج الأجهزة الأمنية الإيرانية التي فشلت طوال العامين الماضيين في وقف الاستهداف الإسرائيلي لأهداف نوعية في الداخل الإيراني، خاصة أن الطائرات التي نفذت الهجوم انطلقت من داخل إيران، حسبما ورد في تقرير لمركز أسباب للدراسات.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن المسيّرات الرباعية المستخدمة في الهجوم، وتسمى "كوادكوبتر" لأن لديها 4 دوارات، وهي ذات مدى طيران قصير، ولذا يُعتقد أنها أقلعت من داخل إيران.
وسبق أن استخدمت تل أبيب هذا التكتيك.
كما هو الحال مع العمليات المستهدفة الأخرى التي نفذتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، يبدو أن إسرائيل تريد إظهار أن لديها القدرة والجرأة لتنفيذ هجمات تهدف إلى منع التهديدات النووية أو التقليدية لأمن إسرائيل، حسبما ورد في تقرير للمجلس الأطلسي Atlantic Council.
على الرغم من عدم وجود معلومات كافية حول مقدار الضرر الذي لحق بالموقع، فمن الواضح أن إيران تحاول حفظ ماء الوجه من خلال التقليل من شأن الحادث والأضرار حتى من خلال الاستهزاء بقدرات الطائرة من دون طيار.
وقالت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان "أصيبت إحدى الطائرات المسيرة من الدفاع الجوي الإيراني، ووقعت الطائرتان الأخريان في فخاخ دفاعية وانفجرتا".
وأضافت"لحسن الحظ، لم يتسبب هذا الهجوم الفاشل في خسائر في الأرواح، وألحق أضراراً طفيفة بسقف المصنع".
وأظهر تحليل لصور الأقمار الصناعية الأضرار التي لحقت بالمنشأة العسكرية، بما في ذلك ثقوب في سقف المبنى، وفقاً لوكالة أنباء أسوشيتد برس.
ويؤكد هجوم أصفهان أن إيران ستظل أولوية قصوى للسياسة الإسرائيلية، لاسيما مع وجود حكومة بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة، الذي أكد خلال كلمته أثناء أداء اليمين أمام الكنيست أن "مواجهة إيران وحماية المصالح الإسرائيلية من التهديدات الإيرانية تأتي ضمن الأولويات القصوى لحكومته"، وبهذا الهجوم يرسل "نتنياهو" رسالة واضحة حول مواصلة حكومته نهج "الحرب بين الحروب"، والذي يستهدف توجيه ضربات مؤثرة ومتراكمة دون أن يرتقي بالمواجهة إلى مستوى الحرب الشاملة.
بصفة عامة؛ وبالإضافة للقدرات النووية، تستهدف الهجمات الإسرائيلية أيضا تعطيل صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية وصناعة الطائرات من دون طيار، وهو أمر يحظى حالياً بأهمية متزايدة لديها لمنع طهران من تطوير تعاونها العسكري مع روسيا في أوكرانيا، حيث تخشى إسرائيل من أن تعميق التعاون العسكري بين روسيا وإيران قد يهدد مصالحها في سوريا، مما يجعل ردع هذا التعاون أمراً استراتيجياً.
ويزيد قلق إسرائيل تزايد التعاون الروسي الإيراني، ما تردد عن أنه مقابل المسيرات التي قدمتها طهران لموسكو سوف تزود الأخيرة إيران بمقاتلات سوخوي 30 أو سوخوي 35، ما يعني لو تحقق تقليل قدرة الطيران الحربي الإسرائيلي على قصف إيران.
ونفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات ضد إيران بما في ذلك اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زادة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والهجوم الإلكتروني على منشأة "نطنز" لتخصيب اليورانيوم في أبريل/نيسان 2021، والتي ألحقت بعض الأضرار بأجهزة الطرد المركزي النووية المتطورة، وكذلك الهجمات التي شهدها عام 2022، والتي تشمل استهداف قاعدة للطائرات من دون طيار في "كرمانشاه" غربي إيران، والهجوم على منشأة إيرانية للبحوث النووية والطائرات من دون طيار في "بارشين".
وتقول مجلة the National Interest الأمريكية إن هناك علاقة بين التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وخطر التصعيد الإسرائيلي الإيراني، في ظل المحاولات الإسرائيلية الدائمة لإبعاد اللوم والاهتمام الدولي بأي شيء يتعلق بإسرائيل من خلال قيامه باستخدام إيران مبرراً لكل حالات عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وهذا سبب رئيسي لإذكاء التوتر والمواجهة الإسرائيلية مع إيران، ورفض تل أبيب وتقويضها للدبلوماسية الهادفة إلى تخفيف التوتر مع إيران.
فبقدر ما يجذب تصاعد إراقة دماء الفلسطينيين المزيد من الاهتمام الدولي غير المرغوب فيه لاحتلال الضفة الغربية، فإن الدافع الإسرائيلي لإذكاء مزيد من التوتر مع إيران سيكون أقوى، حسب المجلة الأمريكية.
الارتباط الآخر هو أن إسرائيل يمكن أن تشير إلى الدعم الإيراني لجماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، على الرغم من أن هذا الدعم بالكاد هو ما يدفع المقاومة للتحرك.
وتقول المجلة الأمريكية "لقد تقصت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لدوافع المقاومين الفلسطينيين، ووجدت أن القاسم المشترك بين أولئك الذين لجأوا إلى المقاومة العنيفة لم يكن الدين أو أي خاصية ديموغرافية أخرى، ناهيك عن أي دعم أجنبي، ولكن يكون السبب هو الانتقام الشخصي؛ لأن المقاوم قد التعرض شخص مقرب منه (صديق أو أحد أفراد العائلة) للقتل على يد إسرائيل.
ومع ذلك، ستستخدم إسرائيل علاقة إيران بالجماعات الفلسطينية كمبرر لعمليات مثل هجوم أصفهان، على الرغم من أن طهران لا تنفذ أي هجمات سرية مماثلة داخل إسرائيل.
ووصول الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل إلى السلطة يضخم من آثار كل من هذه الروابط. وقد أدى هذا التطرف، إلى جانب الإجراءات المختلفة التي اتخذتها حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، مثل إضعاف السلطة القضائية الإسرائيلية، إلى زيادة القلق من قبل بعض أبرز مؤيدي إسرائيل التقليديين، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
إن حاجة إسرائيل المتزايدة لتحويل الانتباه الدولي، وخاصة الأمريكي، عن هذا التطرف وإبقاء الدعم الخارجي تزيد من دوافع نتنياهو لمواصلة إعادة التركيز على إيران ومواصلة تعزيز العداء تجاهها، تماماً كما فعل في مؤتمره الصحفي المشترك الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حسب the National Interest.
لم يكن الغرض من المنشأة التي أصيبت في الهجوم الإسرائيلي بأصفهان واضحاً، وكذلك حجم الضرر الذي تسببت فيه الضربة. لكن أصفهان هي مركز رئيسي للبحث وتطوير وإنتاج الصواريخ في إيران، بما في ذلك تجميع العديد من صواريخ شهاب متوسطة المدى، والتي يمكن أن تصل إلى إسرائيل وخارجها.
وكان لافتاً في هذا الصدد قول ميخايلو بودولياك، المستشار بارز للرئيس الأوكراني إن ما حدث في إيران له صلة مباشرة بالحرب في بلاده.
وإذا ثبت أن هذا الهجوم يستهدف مصنعاً للصواريخ التي تعتزم طهران إرسالها لروسيا، فسيكون نقطة تقاطع نادرة بين مصالح إسرائيل الرافضة للتورط في النزاع الأوكراني ومخاصمة روسيا، وبين كل الولايات المتحدة وأوكرانيا الغاضبتين بدرجات متفاوتة من الحياد الإسرائيلي في الأزمة الأوكرانية.
وكان لافتاً أن توقيت هجوم أصفهان جاء مباشرة بعد انتهاء أمريكا و"إسرائيل" من المناورة الشاملة التي سميت "جونيبر أوك 2023″، وهي المناورة الأكبر تاريخياً بين الجانبين، والتي امتدت لأسبوع، وشملت استخدام القاذفات بعيدة المدى، والاستهداف الدقيق، والتزود بالوقود في الجو، كما شملت التدريب على تطوير القدرات الهجومية ذات الصلة بالبنية التحتية النووية لإيران.
بينما تمثل التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي أقيمت مؤخراً أقوى تعاون عسكري بين الجانبين على الإطلاق، لكن نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية أخبر موقع Al-Monitor الأمريكي أن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربات الأخيرة المنسوبة إلى إسرائيل في أصفهان وإيران وشرق سوريا.
ومع ذلك، فإن العديد من القدرات التي تم عرضها في المناورات كانت مشابهة بشكل لافت للنظر لتلك التي قد تحتاجها إسرائيل لشن ضربات بعيدة المدى على المواقع النووية الإيرانية، كما أشار محللون عسكريون ومسؤولون أمريكيون سابقون.
احتمال وقوع هجوم واسع على إيران، الذي لطالما اعتبره صانعو السياسة في واشنطن متهوراً، دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال فترة ولايته السابقة كبديل للتواصل الدبلوماسي الأمريكي مع إيران حول الملف النووي، والذي اعتبره غير كافٍ.
وكان لافتاً أنه تم إرسال المناورات بشكل نشط على جميع قنوات التواصل الاجتماعي، حسب تقرير للمجلس الأطلسي Atlantic Council.
وبدأ التنسيق العسكري الإسرائيلي الأمريكي في هذا الملف يتصاعد في عهد حكومة بينيت السابقة.
المثير للانتباه أيضاً أن المناورات الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة جاءت في وقت تتأزم فيه المحادثات مع إيران في فيينا، وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لخيارات لإقناع المفاوضين الإيرانيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
في يوليو/تموز 2022، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستكون على استعداد لاستخدام القوة العسكرية "كملاذ أخير" لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وقال السناتور الأمريكي الديمقراطي، كريس فان هولين، لموقع Al-Monitor: "من الواضح أن تدخل الولايات المتحدة في صراع آخر في الشرق الأوسط سيكون وضعاً رهيباً".
وأضاف أعتقد أن الإيرانيين يعرفون جيداً ذلك – وقد قال الرئيس – إن القوة هي الخيار الأخير، ولكنه قال إنه "خيار".
وتتناقض موافقة البيت الأبيض بشأن التدريبات الهجومية مع الإسرائيليين، مع التركيز على التخطيط العسكري الدفاعي عندما كانت إسرائيل تحت القيادة الأمريكية الأوروبية خلال إدارة أوباما.
يؤشر ذلك إلى رضا أمريكي أو على الأقل عدم ممانعة أمريكية بشأن هذا الهجوم وغيره من الهجمات الإسرائيلية، فقد تراها وسيلة للضغط على إيران.
بسبب الصعوبات التي تواجهها طهران في منع هذا النوع من الهجمات، لجأت إيران إلى استراتيجية تعتمد على اتخاذ مجموعة من التدابير لتقليل آثار الضربات على منشآتها العسكرية الحيوية؛ حيث اعتمدت على إنشاء مواقع موازية يمكنها تبديل عملياتها بسرعة لتعويض المنشآت المتضررة من الضربات، وكذلك توزيع وإخفاء البنية التحتية لسلاسل التوريد الخاصة بالإمدادات اللوجستية والمعدات والآلات العسكرية على نطاق واسع جغرافياً.
كما تعمل إيران على تطوير البنية التحتية العسكرية الاستراتيجية تحت الأرض، حيث كشفت خلال الشهر الجاري النقاب عن قاعدة جوية تحمل اسم "عقاب 44″، وهي الأولى من نوعها التي تكفي مساحتها الكبيرة للتعامل مع طائرات مقاتلة.
وفي مايو/أيار الماضي، كشفت إيران عن قاعدة طائرات من دون طيار "لم يسبق لها مثيل تحت الأرض" في مكان غير معروف في جبال زاغروس غرب البلاد، تضم أسطولاً من المسيرات والصواريخ الاستراتيجية.
والضربات الإسرائيلية خلال العامين الماضيين لم تشكل عامل ضغط على القيادة الإيرانية، لدفعها إلى تغيير أو مراجعة سياستها النووية. بدلاً من ذلك، واصلت طهران تطوير برنامجها النووي، إذ قامت بتخصيب نحو 70 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة نقاء 60%، وهي كمية تؤهلها لامتلاك العديد من الأسلحة النووية إذا ما شرعت في ذلك، كما قلصت أيضاً من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أزالت 27 من كاميرات المراقبة للمواقع النووية الإيرانية.
كما ردت إيران على الهجمات الإسرائيلية بطرق مختلفة وفي مناطق متعددة، والتي منها على سبيل المثال استهداف ما قالت إنه قاعدة استخبارات إسرائيلية في أربيل، عاصمة كردستان العراق في عام 2022، فضلاً عن مخططات جرى إحباطها لاستهداف إسرائيليين في تركيا وغيرها.
لكن يظل الرد الإيراني محدوداً وغامضاً، ويهدف بشكل واضح لتحقيق خليط من الانتقام الجزئي وعدم التوجه للتصعيد في الوقت ذاته.
رغم أن إسرائيل تشن سراً عمليات هجومية ضد إيران منذ سنوات، لكن تزايد وتيرتها واحتمالات أن تكون مؤثرة على قدرات طهران، يفاقم خطر الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، ومن النذر لذلك هجوم أصفهان الأخير، حسبما ورد في تقرير لمجلة the National Interest.
لكن تشير طبيعة المناورة الأمريكية الإسرائيلية، وتزامنها مع هجوم أصفهان، إلى معضلة إسرائيل الحقيقية، حيث لا يمكن لدولة الاحتلال، من الناحية العسكرية، أن تمضي إلى خيار الحرب ضد إيران لتقويض قدراتها النووية دون اشتراك كامل من الولايات المتحدة، حسب تقرير لمركز أسباب.
وعلى الرغم من أن واشنطن لا تستثني الخيار العسكري ضمن بدائل منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن إدارة بايدن ما زالت تفضل التوصل لاتفاق مع طهران، وليس للحرب معها، ومن ثم فإن التفويض الذي تمتلكه إسرائيل، والذي يمكنها القيام به منفردة، هو تنفيذ عمليات نوعية محدودة لا ترقى للحرب، والمعضلة بالنسبة لإسرائيل أن هذه العمليات، فيما يبدو، ليست كافية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وتراهن حكومة نتنياهو على أن الخيار العسكري لم يعد مستبعداً غربياً، في ظل التعثر الراهن للمسار الدبلوماسي، ووصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود، وتأزم العلاقات الإيرانية الأوروبية على خلفية إمداد طهران روسيا بمسيرات في حرب أوكرانيا، وقمع المظاهرات المحلية في إيران، ومن ثم تميل أوروبا حالياً لإعطاء الأولوية لمعاقبة طهران، وليس للعودة لطاولة المفاوضات النووية؛ حيث لم تكتفِ الكتلة الأوروبية بالإعلان عن حزمة عقوبات على إيران في نهاية يناير/كانون الثاني، ولكنها تدرس بالفعل إدراج الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وهي خطوة تلقى دعماً من ألمانيا وفرنسا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في حال تنفيذه إلى تعقيد المفاوضات النووية، وتعزيز فرص الخيار العسكري.
وكان البرلمان الأوروبي طالب في قرار صدر مؤخراً مجلس الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بإضافة الحرس الثوري والقوات التابعة له إلى قائمة "الإرهاب"، بما في ذلك قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) وفيلق القدس.
ولذا من المرجح أن تعمل إيران على رد انتقامي "متناسب" على هجوم أصفهان، في حين ستواصل إسرائيل هجماتها التكتيكية بهدف تعطيل قدرات إيران النووية وبرامج الصواريخ والطائرات من دون طيار القتالية.
وفي حين أن من غير المرجح حدوث صراع عسكري واسع النطاق بين إيران وإسرائيل، فإن استمرار تبادل الهجمات المحدودة لن يؤدي فقط إلى إطالة أمد التوترات بين الجانبين، ولكن يمكن أيضاً لتلك الهجمات أن تخرج عن نطاق السيطرة، خاصة في ظل الطبيعة المتشددة لكلتا الحكومتين، حسب تقرير لمركز أسباب.
ولا يختلف هجوم أصفهان تكتيكياً عن الهجمات الإسرائيلية السابقة؛ لكنه يأتي في سياق دولي مغاير يميل إلى تشديد العقوبات على إيران، الأمر الذي يجعل هجوم أصفهان بمثابة رسالة سياسية من الغرب إلى القيادة الإيرانية، تفيد بأن مواصلة طهران تطوير برنامجها النووي وتمسكها بشروط متشددة لاستعادة الاتفاق النووي (مثل موافقة الكونغرس على الاتفاق)، وكذلك سياستها المحلية وموقفها إزاء دعم روسيا، ستشكل العوامل الرئيسية لتحديد سيناريوهات التعامل الغربي مع إيران، والذي لا يقتصر فقط على الخيار الدبلوماسي، وإن كان ما زال هو الخيار المفضل.
ويزيد الهجوم من الضغط على النظام الإيراني؛ لأنه يظهر قصور الأجهزة الأمنية على وقف الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني، كما أنه يتزامن مع تشديد العقوبات الغربية وتوقع تصاعدها، وبالتالي مفاقمة الضغوط الاقتصادية التي تزيد من الغضب الاجتماعي ضد الحكومة.
فالهجوم لن يمثل انقلاباً استراتيجياً في الصراع الإسرائيلي الإيراني، بقدر ما يكون نقطة إضافية تدفع لمزيد من التوتر.