Ana içeriğe atla

نوري المالكي يستخدم إيران لإنقاذ نفسه سياسياً

نوري المالكي
AvaToday caption
المالكي نفسه، كزعيم لحزب الدعوة، لا يتبع منظومة ولاية الفقيه وبالتالي فهو ليس بحاجة لنصح أو إرشاد من "الولي الفقيه،" بعكس معظم شركائه في الإطار الذين يتبعون هذه المنظومة وسيكون صعباً عليهم جداً تجاهل وصية سياسية من مرجعهم الديني
posted onFebruary 13, 2022
noyorum

عقيل عباس

يعتقد معظم العراقيين، ومعهم ربما معظم العرب، أن نفوذ إيران في العراق مطلق، ولا يحدّه حد، ولا يمكن الوقوف بوجهه. رغم شيوع هذه الفكرة الاختزالية التي تُسهِّل على الكثيرين التملص من محاولة فهم ظاهرة معقدة والركون، بدلاً من ذلك، إلى إصدار أحكام أخلاقية و"وطنية" جاهزة وقاطعة، فإنها ليست صحيحة على الإطلاق.

الأمثلة على خطأ هذه الفكرة كثيرة الأهم بينها هو رفض العراق، في ظل حكومة السيد نوري المالكي الأولى، الضغط َ الإيراني الكبير عليه في عام 2008 لمنع توقيع البلد على اتفاق الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية. حتى بعد توقيع الحكومة على الاتفاق، صوتَّ عليه بالموافقة أغلبيةُ أعضاء مجلس النواب حينها، وكثيرون منهم من حلفاء إيران وأصدقائها.

وحتى القدر الصحيح من هذه الفكرة يمر بتراجع الآن في إطار الانتخابات الأخيرة التي خسر فيها أشد حلفاء إيران ولم يستطيعوا، لا هم ولا إيران، تداركَ الخسارة أو الالتفاف عليها. تأكد هذا التراجعُ في عملية شدّ الحبل الصعبة والمتواصلة بين التيار الصدري ألمُصِّر على تشكيل حكومة أغلبية سياسية تستثني بعض أطراف الإطار التنسيقي، خصوصاً كتلة المالكي، والإطار التنسيقي الذي يريد حكومةً توافقية تضم الجميع ككل حكومات ما بعد 2003. حاولت إيران إقناع التيار الصدري بالتحالف مع كامل الإطار، لكن بإزاء ثبات التيار في رفضه لذلك، تغيرَ الموقف الإيراني تدريجياً واتجه لإقناع المالكي بالذهاب إلى المعارضة، مع الحصول على ضمانات صدرية بعدم تعقبه على قضايا فساد كثيرة تعود لسنوات الحكومتين اللتين قادهما بين عامي 2006 و2014. هذا التعقب القانوني المحتمل بعد تشكيل حكومة الأغلبية هو أشد ما يثير القلق لدى المالكي.

فشلَ هذا السعي الإيراني أيضاً، إلى أن جاءت خطوة المالكي الأخيرة، بحسب مصادر مختلفة، ببعث رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، السيد علي خامنئي، يستفسر فيها من الأخير بوصفه زعيماً دينياً عن دخول أطراف من الإطار التنسيقي متفرقةً أو مجتمعةً في التحالف الثلاثي الذي يقوده التيار الصدري لتشكيل الحكومة ويضم أحزاباً كوردية وسنية. نقل جوابَ خامنئي على استفسار المالكي قائدُ فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، في زيارة سابقة له للعراق. نصَّ الجوابُ على أنه ليس من المصلحة أن تدخل أطراف دون أخرى من الإطار في الحكومة، فإما الدخول جميعاً فيها او الذهاب جميعاً إلى معارضتها في البرلمان.

ولأن القوى الأساسية في الإطار التنسيقي تتبع دينياً منظومة ولاية الفقيه، فإنها تجد نفسها ملزمةً أخلاقياً وسياسياً بإتباع الإرشادات السياسية والوصايا الدينية الصادرة من خامنئي بوصفه رسمياً الولي الفقيه (في حالة الفتاوى الدينية يصبح هذا الالتزام واجباً). شَكَلَ هذا الجواب انتصارا للمالكي وإحراجاً لشركائه في الإطار الذين كان بعضهم ينسق مع التيار الصدري للانضمام لحكومة الأغلبية ومغادرة الإطار، إذ سلبهم الجوابُ حريةَ التحرك السياسي وأفسد عليهم خططهم. من هنا كان تراجعُ زعيم كتلة الفتح هادي العامري، الفائزة بـ17 مقعداً، عن وعد سابق له للتيار الصدري بالدخول في التحالف الحكومي معه. رغم تراجع العامري عن وعده، أبقى الصدرُ الباب مفتوحاً أمامه للتحالف مستقبلاً.

تمثل خطوة المالكي ببعث الرسالة لخامنئي مع الجواب الذي تلقاه عليها ضربةً بارعةً لسياسي محترف يجيد اللعب حتى بالأوراق القليلة المتوفرة لديه، في وقت صعب يبدو هو فيه محاصر سياسياً. يكمن جزء أساسي من هذه البراعة في إلزام المالكي الآخرين بموقف هو نفسه ليس مُطالباً بالالتزام به فالمالكي نفسه، كزعيم لحزب الدعوة، لا يتبع منظومة ولاية الفقيه وبالتالي فهو ليس بحاجة لنصح أو إرشاد من "الولي الفقيه،" بعكس معظم شركائه في الإطار الذين يتبعون هذه المنظومة وسيكون صعباً عليهم جداً تجاهل وصية سياسية من مرجعهم الديني.

تكمن معضلة المالكي، التي يحاول الخروج منها بفرض تماسك قسري، لكنه غير حقيقي، على الإطار التنسيقي، في أن نقطة قوته الأساسية ليست بيده برغم حصول كتلته على عدد المقاعد الأعلى ضمن الإطار (33 مقعداً)، بل بيد الآخرين في الإطار عبر التزامهم بالبقاء سويةً معه وممارستهم جميعاً ضغطاً جماعياً على التيار الصدري من أجل دفعه للقبول بكل الإطار كشريك في الحكومة. على هذا النحو، يستطيع المالكي زيادة فرص دخوله في الحكومة وهو ما يريده بشدة، أو، في أسوأ الأحوال، الذهاب مع قوى الإطار الأخرى نحو المعارضة وهو ما قد يوفر له بعض الحماية السياسية والبرلمانية من التعقب القانوني له.

ليس واضحاً لحد الآن إذا ستقود استراتيجية المالكي الى تحقيق هدفه، فما يزال بمقدور الصدريين تشكيل حكومة الأغلبية عبر التحالف الثلاثي الشيعي- الكوردي- السني من دون الحاجة إلى التحالف مع أي من أطراف الإطار التنسيقي. التحدي الذي يواجهه الصدريون هو توسيع التمثيل الشيعي في هذا التحالف كما يطالبهم شركاؤهم السنة والكورد، ومن أجل الرد على التهم التي توجه للتيار الصدري أنه يحتكر تمثيل الشيعة وإن ذهابه وحيداً، كطرف شيعي، في هذا التحالف سيؤدي إلى التفريط بحقوق الشيعة. رغم الطابع الطائفي لهذه الحجة التي يُكثر الإطار التنسيقي استخدامها، فإنها تشكل بعض القلق في أوساط شعبية وسياسية شيعية ما تزال تفكر هوياتياً وتعتبر أن تمثيلاً شيعياً أوسع في حكومة الاغلبية هو ضمان على ان السلطة لن تفلت من يد الشيعة. لكن هذا تحد نفسي يمكن تجاوزه ببعض الاعتياد الذي يفضي الى الاطمئنان بعد تشكيل حكومة الاغلبية، وليس تحدياً واقعياً يحتاج إعادة ترتيب وقائع السياسة والدولة لتوفير مثل هذا الاطمئنان. إذا أصرَ التيار الصدري على الذهاب وحيداً في حكومة الأغلبية السياسية، فإنه يستطيع فعل ذلك بالرغم من الضغوط الايرانية ومناورات المالكي السياسية.

لكن الأمر الكاشف الآخر في خطوة المالكي هو أن الدولة الإيرانية ما تزال بدون استراتيجية واضحة باتجاه العراق، تستوعب التطورات المهمة فيه بعد احتجاجات تشرين 2019 ونتائج الانتخابات الأخيرة التي خسرها حلفاء إيران. فبعد صمت إيران ورفضها الدخول في الشأن الانتخابي العراقي وصولاً إلى تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات في ديسمبر الماضي، بدأت تبذل جهودها المعتادة لجمع الشيعة المختلفين سياسياً في ترتيبة واحدة تَضمن تشكيلهم الحكومة وحضورهم في الحكم بأغلبية واضحة تساعد على تأمين مصالحها في البلد. هذه المرة، فشلت إيران في هذا، على الأقل لحد الآن، ولم يتبقَ لها إلا محاولة جمع المعترضين منهم في إطار المعارضة.