بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

هان كانغ لا تقول وداعا للمفقودين

الروائية الكورية هان كانغ
AvaToday caption
يواجه قارئ رواية "النباتية" طبقات عدة عند تلقيها، ولا يمكن التعامل مع هذا النص من منظور الأحداث فقط، إذ نجد مواجهات مباشرة مع العنف البشري في مقابل التشكيك بوجود البراءة الإنسانية
posted onOctober 18, 2021
noبۆچوون

ابتعدت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ - أكثر الكتاب شُهرةً في بلدها - خمسة أعوام عن الساحة الثقافية، ثم عادت برواية "لا أقول وداعاً"، التي صدرت حديثاً باللغة الكورية، ولم تترجم إلى الإنجليزية بعد. وقد تحدثت الكاتبة عن هذه الرواية في مؤتمر صحافي، ثم بثه عبر "يوتيوب" قبل أيام.

لا يبدو على كانغ أنها من فئة الكتاب غزيري الإنتاج، بل من الذين يحتاجون إلى وقت كافٍ للتأمل في كتابتهم، كما أنها من الممكن أن تنشغل في أكثر من عمل إبداعي في وقت واحد. بدأت كانغ روايتها الجديدة في 2014، وعملت عليها بجهد وجدية خلال الحجر الصحي لجائحة كورونا. ووصفت حالتها بأنها أحست بالرغبة في أن تكون على تواصل مع الآخرين، وأرادت فعل هذا عن طريق الكتابة.

تنشغل المؤلفة ذات الـ51 عاماً في هذه الرواية بقضايا إنسانية منها مذبحة المدنيين التي وقعت في جزيرة "جيجو" في الثالث من أبريل (نيسان) 1948، وتقدم الحدث في سرد شاعري للنضال الطويل والصامت للناجين من المذبحة، بهدف العثور على أفراد أسرتهم المفقودين، لكن الحب يظل في جوهره الحقيقي محور هذا العمل. تقول كانغ، "لقد أخذت مني هذه الرواية وقتاً طويلاً للكتابة، وعندما سُئلت عن نوع الرواية التي أكتبها، شعرت بالحيرة بشأن التفسيرات التي يجب أن أجيب عنها، في بعض الأحيان قلت إن الأمر يتعلق بالحب المطلق، وفي أحيان أخرى قلت إن الأمر يتعلق بالعبور من الموت إلى الحياة. تحديداً تناولت أحداث الثالث من أبريل في جزيرة "جيجو". لقد كنت صادقة عندما قلت كل هذه الأشياء، لكن إذا كان عليّ أن أختار، فأختار العبارة التي تقول إنها رواية عن الحب المطلق".

كشفت هان كانغ عن مصدر إلهامها للرواية بأنه وليد حادثتين في حياتها: حلم رأته في يونيو (حزيران) 2014، ثم المشي مع صاحبة المنزل الذي أقامت فيه لمدة شهر في جزيرة "جيجو" في أواخر التسعينيات. تأثرها بالحلم الذي شاهدته حضر في أول صفحتين من الكتاب مع استرسالها في وصف الحلم، حيث كانت تسير في حقل مغطى بالثلج، ثم يتحول إلى مقبرة على وشك الانجراف بسبب ارتفاع المد.

الحدث الآخر الذي ألهمها الرواية لحظة سيرها مع مالكة البيت الذي سكنت فيه لحظة، تقف السيدة العجوز في الشارع، وتشير نحو جدار طويل، وهي تقول، "هنا تم قتل الناس". وتصف كانغ تلك اللحظة قائلة، "كان صباحاً رائعاً وصافياً جداً، لكنه حمل إليّ إحساساً مخيفاً حقاً".

تسافر بطلة الرواية "جيونغ ها" إلى جزيرة جيجو، بناءً على طلب صديقتها "إن - سيون"، وبعد هبوب عاصفة ثلجية حادة تصل جيونغ ها إلى منزل صديقتها. وهناك تواجه ماضي العائلة المؤلم، بخاصة مع جونغسيم والدة "إن – سيون"، التي أمضت سنوات عمرها في محاولة العثور على ابنها الذي فقدته في أعقاب مذبحة "جيجو".

الحب الذي تتحدث عنه كانغ يتجلى في عدة علاقات داخل النص، وأهمها علاقة الأم مع واقعها المؤلم، وإيمانها حتى النهاية بالحياة والناس، ومحاولة إبقاء جذوة الأمل في داخلها.

تنتقل البطولة في الرواية بين شخوص عدة، في البداية "جيونغ ها"، ثم صديقتها "إن - سيون" وحكايتها الشخصية، سواء في قصة حبها، أو في ارتباطها بوالدتها، وإحساسها المستمر بالأسى بسبب ما تعرضت له الأم. ثم والدة "إن – سيون"، وما لديها من عذابات مخزونة عن المذبحة وإحساسها المستمر بمن رحلوا. وبين الشخصيات النسائية الثلاث ثمة خيط متصل يربطهن جميعاً، وهو إيمانهن بجوهر الحب، وبأن الحب الحقيقي يمنح الإنسان قدرة على الحياة أكثر من مرة، بل إنه يمنح المحب قدرات خارقة للطبيعة.

تصف كانغ علاقتها مع هذا العمل قائلة، "لم يكن في نيتي الكتابة عن المذبحة، وكان عليّ أن أقرأ الكثير من المواد لكتابة هذه الرواية للحصول على معلومات، لكن وقت كتابة العمل تم إغلاق المكتبات بسبب جائحة (كوفيد-19)، لذا استعنت بالإنترنت، وبما لديّ من كتب منشورة".

روايتها الشهيرة "النباتية" لم تصل إلى يد القارئ العربي إلا بعد أكثر من عقد على صدورها في كوريا عام 2007، إذ ترجمت إلى العربية عام 2018، بعد فوزها بجائزة "مان بوكر" عام 2016، منحيةً من أمامها الروائية الإيطالية إيليا فيرانتي، والروائي التركي أورهان باموق، لتحقق كانغ العالمية عبر بطلتها "النباتية".

وكما يتضح من عنوان الرواية ثمة تركيز على البحث عن الصلة بين المرأة والنباتات، فالرواية عن امرأة تستيقظ ذات نهار، وتقرر أن تصبح نباتية. وبقدر ما يبدو هذا الأمر مجرد اختيار شخصي، فإنه يتحول بمرور الوقت إلى حدث كاشف للبطلة ولجميع الموجودين في حياتها، زوجها، ووالدها، وأختها، وزوج أختها.

"النباتية" هي صدى لقصة قصيرة كتبتها كانغ من قبل تحت عنوان "ثمرة سيدتي" استلهمتها من لوحة لامرأة تتحول إلى نبتة، ويبدو أن هذه الصورة ظلت تلاحقها وتدفعها للكتابة عنها من جديد، لكن في شكل أوسع، وبصورة أشد قتامة وشراسة هذه المرة.

يواجه قارئ رواية "النباتية" طبقات عدة عند تلقيها، ولا يمكن التعامل مع هذا النص من منظور الأحداث فقط، إذ نجد مواجهات مباشرة مع العنف البشري في مقابل التشكيك بوجود البراءة الإنسانية.

تفاجئ رواية "النباتية" القارئ في توقفها أمام تصادمات فكرية ترتبط بالمرأة، سواء من جانب قلقها الوجودي وتراكم الذكريات السلبية داخلها، أو عبر سيطرة النظام البطريركي على حياتها، والذي يتجلى في النص عبر الأذى الجسدي والجنسي الذي تواجهه البطلة. وهناك أيضاً الهجر وإيذاء الذات، إلى جانب النظر إلى دونية المرأة من قبل الزوج والأب، والإحساس الغامر عند كليهما بلزومية قيامها بالطاعة، كأن يصفها زوجها قائلاً: "كانت قليلة الكلام، فمن النادر أن تطلب مني شيئاً، ولا تعترض وتثير المشكلات، مهما تأخرت في عودتي إلى المنزل".

لا ترى الكاتبة أن النظام البطريركي في كوريا هو الذي أجّج في داخلها الرغبة للكتابة عن وضع المرأة، بل أسئلة كثيرة أخرى في داخلها تقول: "هذه الرواية ليست لائحة اتهام فردية للنظام الأبوي الكوري. كنت أرغب في التعامل مع أسئلتي طويلة الأمد حول إمكانية أو استحالة وجود البراءة في هذا العالم، الذي يمتزج فيه العنف والجمال، إنها أسئلة أرّقتني خلال الكتابة".

تنشغل كانغ في كتابتها باستمرار في اكتشاف العنف البشري وما يسببه من جروح، والطبيعة المأساوية للحياة، إلى جانب حساسية التواصل في إدراك العالم الحسي، مع محاولة عرض الواقع كما يبدو لأبطالها، كما تكشف كتابتها عن علاقتها بالبيئة واهتمامها بها من خلال تشريح علاقة الإنسان مع الأرض والطبيعة والنبات.

تتحدث هان كانغ دائماً عن علاقتها المبكرة مع الكتب، فهي ابنة الروائي سونغ وون هان، لذا اعتادت أن تكون محاطة بالكتب، تقرأ بنهم منذ الطفولة، وتصف نفسها بأنها "تضحك وتبكي مع الكتب"، وأنها في الرابعة عشرة من عمرها قررت أن تصبح كاتبة، وهذا ما فعلته. كتبت الشعر في بدايتها، وأصدرت قصائد "الشتاء في سيول"، ثم كتبت قصصاً قصيرة، قبل أن تنتقل إلى كتابة الرواية، وتصدر عدة أعمال مثل: "غزال أسود"، و"يداك باردتان"، و"الصبي قادم"، و"أفعال إنسانية"، وغيرها من الأعمال الروائية. حصلت هان كانغ على العديد من الجوائز في كوريا، ثم حالفها الحظ مع رواية "النباتية" التي نقلتها من المحلية إلى العالمية.