اعتبرت مصادر سياسية لبنانية أن الهدف من زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي إلى العراق هو تأكيد التميّز بين حركة أمل التي يرأسها من جهة وحزب الله من جهة أخرى.
وأوضحت أن حرص برّي على مقابلة المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف يندرج في سياق تأكيد هذا التميّز من منطلق أن مناصري أمل وأعضاء الحركة، في أكثريتهم، يقلّدون السيستاني وليس علي خامنئي مرشد الثورة في إيران والوليّ الفقيه أيضا.
وأشارت هذه المصادر إلى أن رئيس مجلس النوّاب اللبناني المتحالف مع حزب الله وجد أنه من الضروري الذهاب إلى العراق، وإلى النجف تحديدا، من أجل إيجاد مسافة بينه وبين حزب الله.
وترى المصادر ذاتها أن برّي اتخذ قراره في ضوء الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى لبنان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وترك بومبيو انطباعا بأن عقوبات أميركية قاسية تنتظر لبنان في حال لم يفصل نفسه عن حزب الله نهائيا.
وذكرت أن ما علق في ذهن رئيس مجلس النواب، من خلال لقاء بومبيو، هو أن الأميركيين في غاية الجدية في التعاطي مع إيران من أجل حملها على تغيير سلوكها خارج حدودها، في العراق أو في سوريا أو في لبنان، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على حزب الله خصوصا وشيعة لبنان عموما.
وقالت المصادر إن برّي الحريص على حماية المتموّلين اللبنانيين الشيعة يسعى، عبر لقائه مع السيستاني، إلى حماية هؤلاء من العقوبات الأميركية.
ولم تستبعد أن يكون بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية نصحوا رئيس مجلس النواب بالإقدام على خطوته الأخيرة بعدما أفهمه بومبيو صراحة أن الإدارة في واشنطن قررت الذهاب إلى النهاية في عقوباتها على إيران وعلى كلّ أدواتها في المنطقة، خصوصا حزب الله.
وكشفت هذه المصادر أن برّي حمى نفسه من أي أسئلة يمكن أن يوجهها حزب الله أو المعترضون على زيارته إلى العراق ومقابلته السيستاني بقوله إن الرئيس الإيراني نفسه سبقه قبل أيّام إلى مقابلة السيستاني، فإذا كان رئيس “الجمهورية الإسلامية” حرص على لقاء المرجع الشيعي الأعلى في النجف، فأين المشكلة إذا أقدم رئيس مجلس النواب اللبناني على مثل هذه الخطوة.
وقال بري إن المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني ما زال “يقاتل من أجل العراق والعراقيين ومن أجل محاربة الفساد”، مؤكدا أن “المرجع هو مرجعنا جميعا”.
وأدلى بري بهذه التعليقات، عقب زيارته السيستاني في مقره بمدينة النجف المقدسة لدى المسلمين الشيعة، واصفا المرجع الديني بأنه “نعمة ونفحة سماوية في سمائنا”.
وقال مكتب السيستاني في النجف، إن المرجع استقبل في مكتبه (قبل ظهر الاثنين) رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والوفد المرافق له”، إذ هنأ الضيف “السيستاني على ما حققه العراقيون من انتصار باهر في حربهم على داعش وتمكنهم من تحرير أراضيهم من سيطرة هذا التنظيم الإرهابي”.
وشكر السيستاني بري على “تهنئته، وأشار إلى التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي لتحقيق هذا الانتصار التاريخي”، مؤكدا “أهمية تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين العراق ولبنان في مختلف المجالات”.
وأشار السيستاني، إلى “أهمية أن يعمل الجميع على تثبيت قيم التعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين مختلف المكونات الدينية والإثنية في منطقتنا في سبيل توفير الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار لشعوبها”.
ويعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله صراحة أن حزبه يقلد دينيا المرشد الأعلى في إيران، ما يفسر تطابق مواقفه مع طهران.
ويحاول بري أن ينأى بنفسه في هذه اللحظة الفارقة عن حزب الله، الذي تصنفه دول عدة على أنه منظمة إرهابية، ويتعرض لعقوبات اقتصادية تفرضها بعض العواصم.
ويمثل السيستاني في هذه المرحلة رمزا للاعتدال الشيعي، في مواجهة النموذج المتشدد الذي يقدمه خامنئي، فيما يشير مراقبون إلى صراع خفي بين المرجعين على توجيه المسار الشيعي في المنطقة. وبينما اختار السيستاني الجنوح نحو التهدئة والحث على العمل السياسي المشترك بين الفرقاء العراقيين، يشجع خامئني تيارا شيعيا متشددا في العراق ولبنان للقبض على السلطة، وهو ما يستفز أطرافا عديدة في داخل البلدين وخارجهما.