بالتزامن مع مبادرات عربية ودولية لمساعدة لبنان في الخروج من واقعه والتوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، فتحت ملفات عديدة على الساحة اللبنانية تتشابك فيها بشكل معقد مصالح عديد من الدول، وفي كل هذه الملفات يلعب "حزب الله" دوراً أساسياً في إيجاد الحلول أو تعقيد المشكلات أكثر. ففي ملف النزوح السوري عززت دعوة أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله الدولة اللبنانية إلى فسح المجال للنازحين السوريين بالهجرة غير الشرعية من لبنان نحو السواحل الأوروبية رأي شريحة واسعة من اللبنانية تعتبر أن الحزب يستغل الملفات الإنسانية في ابتزاز المجتمع الدولي والحصول على أثمان سياسية تعزز تحكمه بالدولة اللبنانية، وأن ذلك يؤكد أن الشعب اللبناني والمقيمين هم رهائن بيده.
نصر الله اعتبر قبل يومين أن "النزوح السوري" نزوح اقتصادي بسبب الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات قانون "قيصر" على النظام السوري، وطالب "أن تسمح الدولة اللبنانية للنازحين بالسفر إلى أوروبا عبر البحر، مما سيؤدي إلى أن تأتي الدول الأوروبية خاضعة إلى بيروت لتقول ماذا تريدون لإيقاف هذه الهجرة، على أن يسمح لهؤلاء بالسفر في سفن مجهزة".
وأثارت تلك التصريحات موجة انتقادات واسعة في الأوساط اللبنانية، التي تعتبر أن نصر الله هو أحد أبرز أسباب النزوح السوري إلى لبنان، وأن "حزب الله" كان شريك النظام في تهجير السوريين وتغيير الديمغرافيا بعديد من المناطق والمدن.
وتشير الأرقام إلى أن حوالى 35 في المئة من السوريين المهجرين إلى لبنان هم من مناطق حدودية يحتلها الحزب لاسيما في القصير والقلمون والزبداني ومضايا وقارة وريف دمشق الغربي، وتحولت منازلهم إلى مراكز عسكرية ومخازن، كذلك تحولت الأراضي إلى زراعة الحشيشة، ويمنع أهاليها من العودة لها.
من جهة أخرى، وفي حديث مع جريدة "لوريان لو جور" التي تصدر بالفرنسية رد رئيس حزب "القوات اللبنانية" على مواقف نصرالله الداعية إلى تسهيل هجرة النازحين، وقال "الكلمات لم تعد كافية، فالحزب يشكّل مع حلفائه، بما في ذلك "التيار الوطني الحر" حكومة تصريف الأعمال بأكملها، من هنا، بإمكان هذه الحكومة أن تجتمع لمناقشة هذا الموضوع العاجل لخطورته، وأن تتخذ قرارين أساسيين". الأول كما يقترح جعجع "وقف أعمال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، ولا سيما أننا لسنا من ضمن الموقعين على الاتفاقيات المتعلقة باللاجئين، وهنا أذكّر بأن الحكومة اللبنانية أصدرت قراراً في عام 2002 يؤكد أن لبنان ليس بلداً للاجئين، فكيف تواصل المفوضية تقديم المساعدات والخدمات لأكثر من مليون لاجئ في لبنان"؟
أما القرار الثاني أضاف جعجع "على الحكومة أن تصدر الأوامر إلى الأجهزة الأمنية كافة، بغية التأكد من تطبيق القوانين المعمول بها في هذا المجال، خصوصاً بما يتعلق بتصاريح العمل والإقامات الممنوحة للأجانب المقيمين في لبنان، وفي مقدمهم السوريون".
وفي السياق يعتبر الصحافي أسعد بشارة أن الحزب هو المسؤول عن ملف اللاجئين السوريين ولاسيما الهجرة المتجددة، كونه يسيطر بالشراكة مع قوات الفرقة الرابعة السورية على جانبي الحدود، إضافة الى أن الحكومة التي كانت تدير النزوح عام 2011 يترأسها ميقاتي هي نفسها اليوم أيضاً، وهي كانت حينها ولا تزال محصورة بـ"حزب الله" وحلفائه.
واعتبر أن ادعاءات نصر الله بأن الولايات المتحدة هي سبب اللجوء هي كاذبة، وأن طرح فكرة تهجير السوريين في البحر تعزز ما بات شبه مؤكد برفض النظام وحزب الله إعادتهم لمدنهم وقراهم بعد التغييرات الديمغرافية التي حصلت في سوريا ولناحية الحدود مع لبنان.
وأشار إلى أن نصر الله يدرك بأن نسبة وصول القوارب إلى المهاجرة عبر البحر بطرق غير شرعية هي ضئيلة، إذ يغرق حوالى 80 في المئة من تلك الرحلات التي باتت تعرف بقوارب الموت، لافتاً إلى أنها دعوة علنية إلى الموت في البحر لكل من نجى من الموت بالحرب في سوريا.
وسأل لماذا لا يطالب نصر الله حليفه النظام السوري بفتح البحر السوري من اللاذقية إلى طرطوس للهجرة غير الشرعية بدل توريط لبنان وتحويله إلى دولة مارقة، خارجة عن النظام العالمي والقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.
في المقابل أيد المحلل السياسي المقرب من "حزب الله" داوود رمال، فتح الساحل اللبناني لهجرة السوريين إلى أوروبا، كون النزوح بات يشكل تهديداً وخطراً وجودياً، مستنداً على إجراءات اتخذتها سابقاً تركيا عندما أبعدت 600 ألف نازح سوري عن أراضيها ودفعت بهم إلى الأراضي السورية، وقبلها فتحت حدودها لعبور اللاجئين باتجاه اليونان ودول أخرى في أوروبا.
ويرى أن هذا لا يلغي أن تقوم الحكومة اللبنانية على أعلى المستويات بواجبها ودورها في بحث السبل الكفيلة كخطوة أولى، بوقف عملية تسرب السوريين باتجاه الأراضي اللبنانية. فلبنان برأي رمال لم يعد يحتمل ووصل إلى مرحلة الانفجار جراء النزوح السوري، وغير قادر على تحمل هذا العدد الهائل اقتصادياً ومالياً ومعيشياً وأمنياً، أما الخطوة الثانية "فتتمثل في البحث بإمكان اعتماد الخيار الأردني والتركي والمتمثل في وضع النازحين السوريين في المنطقة العازلة بين لبنان وسوريا".
ويرى رئيس "حركة التغيير" إيلي محفوض أن إثارة تلك الملفات في هذه المرحلة ومحاولات الحزب استعراض قدراته العسكرية، وكان آخرها إنشاء مدرج عسكري في جنوب لبنان للإيحاء بأنه انتقل من مرحلة "الميليشيات" إلى ما يشبه الجيش النظامي، تهدف إلى توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي بأن "الحلول" بيده وليست بيد الدولة اللبنانية، وأن "أية معالجة لتلك الملفات الاستراتيجية والمرتبطة باستقرار لبنان والمنطقة لا تمر إلا من خلال التفاوض معه وتقديم الثمن".
وبرأيه "حزب الله" كان العامل الحاسم بنجاح الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، إذ كان المفاوض الأساسي في وقت كانت "الدولة" مجرد واجهة فقط، معتبراً أن الإفراج عن المليارات في حسابات إيرانية مجمدة في دول عدة هو ثمن الترسيم في لبنان وإن كان ظاهره صفقة تحرير أسرى أميركيين في إيران.
وفي السياق يعتبر مدير مركز "المشرق للأبحاث" سامي نادر أن الدولة في لبنان لا تملك قدرة الاستجابة للمطالب الدولية أو الشعبية، كونها ليست الطرف الأقوى، إذ يمسك "حزب الله" فعلياً وليس نظرياً بالقرار اللبناني، وهو ما يؤدي إلى "الانسداد" الذي وصلت إليه الأمور التي تمنع إنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية والسياسية.
ورأى أن بعض تصريحات المسؤولين اللبنانيين المناوئة بالشكل لـ"حزب الله"، ليست سوى محاولات لـ"إرضاء" المجتمع العربي والدولي، لكن على أرض الواقع ليس هناك مؤشرات عن أي خرق يمكن تحقيقه.
وأشار إلى أن المعضلة الأساسية تكمن في سلاح "حزب الله"، سواء على الصعيد الداخلي أم العربي أم حتى على المستوى الدولي، لافتاً إلى أن دولًا أساسية صنفت "حزب الله" منظمة "إرهابية"، في حين أن الحزب هو الطرف الأقوى في لبنان، وهذا هو "الانسداد الحقيقي"، مشدداً على أن نصف الشعب اللبناني في الأقل يرفض السلاح ويطالب بحصره بيد الجيش اللبناني، ويرفض تصرفات الحزب وهيمنته على المؤسسات الشرعية.
وبرأيه يستغل الحزب الانهيار الاقتصادي للتمدد في المكونات الطائفية المختلفة، كونها تعطيه فرصة لتحقيق هدفه لأن الناس بحاجة للمساعدة في غياب الدولة، في وقت يمتلك رافعات اقتصادية من خلال الاقتصاد الموازي.
من ناحيته يعتبر الكاتب السياسي علي الأمين أن "حزب الله" لا يريد حلولاً في لبنان، إنما يسعى إلى تنفيذ مشروعه الإيديولوجي الديني والسياسي وبالتالي يستفيد من تداعي المؤسسات الشرعية في مقابل توسيع مؤسساته والبنى التحتية التابعة له، في وقت لا تستطيع الأحزاب والمكونات الأخرى منافسته ببناء مؤسسات رديفة للدولة لمنافسته.
وكشف عن أن الحزب يسعى أيضاً لترسيخ وجوده في الطوائف الأخرى من خلال تعيين موظفين كبار في الدولة ولاسيما في المواقع التي يعتبرها "حساسة" في الأمن والقضاء، إضافة إلى تخصيص مبالغ ضخمة لإنشاء مجموعات مسلحة مثل "سرايا المقاومة"، كاشفاً عن أنه "على سبيل المثال يدفع شهرياً أكثر من 500 ألف دولار في عكار لصالح شخصيات سياسية ومشايخ، إضافة إلى تأمين معونات ومساعدات لجمعيات محلية".