ماريا معلوف
منذ سنوات لا يمر يوم لا نسمع به خبرا أو تصريحا عن ملف إيران النووي، الذي بات يشكل مادة أساسية في جميع أخبار مختلف وسائل الإعلام والصحافة، خصوصا بعد أن تحول الموضوع إلى ما يشبه لعبة القط والفار، عقب تسرب معلومات عن الوصول إلى اتفاق بين الدول الغربية وإيران بخصوص الملف، لكن سرعان ما تبددت آمال الإيرانيين لتظهر مسألة أخرى في الوسط.
ففي عام 2015 تم توقيع اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، لكن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 إيقاف الاتفاق الإيراني، ليعود في العام الذي يليه ويضع الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب الدولي، وسط مطالبة إيران برفعه من القائمة لأن ذلك يعرقل أي اتفاق ممكن حدوثه الآن.
الكونغرس الأميركي، وبالأخص الأقلية الجمهورية، يرفضان فكرة رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب لعدة أسباب، أهمها العمليات العسكرية للحرس الثوري عبر فيلق القدس ضد القوات الأميركية في العراق، وأيضا حفاظا على أمن أصدقاء واشنطن في الشرق الأوسط.
بينما يحاول الرئيس جو بايدن كسب إيران بطريقة ما ليجعل روسيا تخسر أحد أهم حلفائها في الشرق الأوسط، وهذا قد يشكل ضغطا جديدا على موسكو في ظل الأزمة الأوكرانية، لكن الكونغرس يدرك جيدا مدى خطورة تنفيذ مطالب إيران لذلك لا يقبل بأي خطوة دون علمه.
يدرك الكونغرس جيدا معنى رفع العقوبات عن إيران ورفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، بما قد يكون له توابع أمنية واقتصادية خطيرة ستؤثر على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وحلفائها وخاصة إسرائيل.
فتح الباب أمام الحرس الثوري الإيراني لأن يكون خارج قوائم الإرهاب يعني فتح الباب أمامه للحصول على أموال ودعم مادي من عمليات اقتصادية مشبوهة، حيث سترفع العقوبات عن البنوك التي تمول هذا التنظيم، وفي نفس الوقت سيسمح له بزيادة نفوذه في العديد من الدول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن، وهذا يعني أن إيران ستشكل خطر حقيقي على إسرائيل والمصالح الأميركية في الخليج.
نشرت مجلة "بوليتيكو" تقريرا تحت عنوان "الكونغرس يطلق أول تحذير بشأن اتفاق بايدن مع إيران"، ورد فيه أن محاولة الرئيس لإحياء الاتفاق النووي الإيراني فشلت في أول تجربة لها في مجلس الشيوخ الأميركي، إذ صوتت الأغلبية العظمى من كلا الحزبين مساء الأربعاء الماضي لتأييد إجراء بقيادة الجمهوريين، ينص على أن أي اتفاق نووي مع طهران يجب أن يتناول أيضا دعم إيران للإرهاب في المنطقة، وأنه لا ينبغي أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن الحرس الثوري.
ورغم أن الإجراء نفسه كان غير ملزم، جرى الترحيب بالتصويت باعتباره انتصارا متواضعا للجمهوريين الذين يضغطون على إدارة بايدن للانسحاب من محادثات فيينا، حيث استعصى التوصل إلى اتفاق نهائي بين المفاوضين.
وفي لقاءاتي هنا في واشنطن مع بعض المشرعين من كلا الحزبين، فهم يعتبرون أن التصويت كان طلقة تحذيرية لفريق بايدن المفاوض، الذي أقر سرا أن إبرام اتفاق يتجاوز الحد من برنامج إيران النووي الإيراني لم يعد ممكنا، وفقا للعديد من الأشخاص المطلعين على إحاطات الكونغرس السرية حول هذا الموضوع.
وكان التصويت أيضا تجربة مسبقة للتوبيخ الذي من المرجح أن يصدر عن كلا الحزبين إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق لا يعالج أنشطة إيران غير النووية، ويزيل تصنيف الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية، أو "تصويت تجريبي" على حد تعبير أحد أعضاء مجلس الشيوخ.
أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب مينينديز (ديمقراطي من نيوجيرسي)، فلم يكن حاضرا في تصويت الأربعاء لكنه قال إنه كان ليؤيد الإجراء، واعتبر التصويت "تعبيرا قوي عن مشاعرنا إزاء موقفنا مع إيران والقلق الذي يساور أعضاء مجلس الشيوخ من مسار إيران فيما يتعلق بمسيرتها نحو امتلاك سلاح نووي، وما نحاول القيام به لمنع ذلك".
تجدر الإشارة إلى أن تصويت الأربعاء هو المرة الأولى التي يجبر فيها المشرعون على تسليط الضوء علنا على النقاط الشائكة الرئيسية في جهود إدارة بايدن المستمرة منذ عام لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وقد أوضح أن معظم المشرعين متشككون بشأن بنود الاتفاق ولن يدعموا إلا اتفاقا أكثر شمولا يتناول دعم طهران للإرهاب في المنطقة أيضا.
وبالعودة إلى جهود أعضاء الكونغرس في الماضي، ففي شهر فبراير وجه 200 نائبا جمهوريا خطابا لبايدن، يحذروه من أن أي اتفاق نووي مع إيران من دون العودة للكونغرس سيواجه نفس مصير الاتفاق الأول، وهنا تظهر جدية الكونغرس في عدم السماح لإتمام اتفاق يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، وكذلك يعطي المجال لإيران لتكون نقطة تهديد لها أو أن تكون نسخة كوريا الشمالية أخرى في الشرق الأوسط.
وهنا يبحث الكونغرس عن قيام إيران بخطوة تثبت نواياها السليمة، ويعتقد الكونغرس أن على إيران تدمير الصواريخ البالستية القادرة على حمل الرؤوس النووية التي تشكل خطرا على تواجد القوات الأميركية في المنطقة والخليج وإسرائيل، وهذا ما ترفضه إيران، وهذا يؤكد شكوك أعضاء الكونغرس بأن إيران تماطل لحين الحصول على أسلحة نووية، وبالتالي ستكون خطرا حقيقيا ودائما لا يمكن استهدافه، ويبحث أعضاء الكونغرس عن تحرك أميركي سريع للحد من ذلك.
وقصف الحرس الثوري الإيراني لمدينة أربيل العراقية في مارس الماضي بصواريخ بالستية عقد المشهد أكثر من قبل، واعتبره العديد من أعضاء الكونغرس رسالة تهديد واضحة تؤكد نوايا إيران في استهداف المصالح الأميركية في أي وقت كان، وكذلك على حليف أميركا الرئيسي في المنطقة وهو إسرائيل، ورافق الهجوم المحادثات الرسمية لإعادة الاتفاق النووي، وهذا الأمر جعل المحادثات تتوقف.
وقبل ذلك بشهر واحد هددت إيران بتقليص صلاحيات مفتشي الوكالة الدولية للوكالة الدولية بعد أن أنتجت إيران 3.6 غرام من اليورانيوم، وهذا يعني شيئا خطيرا وقد يكون سببا في تدمير المنطقة، وهو أن إيران أصبحت قريبا من امتلاك القنبلة النووية، ويمكن اعتبار ذلك أيضا رسالة ضغط على أميركا بموضوع الاتفاق، وهنا يدرك الكونغرس أنه لا يمكن لبايدن أخذ قرار بالتوقيع على أي اتفاق من دون الرجوع لهم لأنها مسألة تخص الأمن القومي الأميركي.
في الختام سيبقى الكونغرس يماطل في مسألة الملف النووي الإيراني إلى أن يتم إلغاء الاتفاق نهائيا، فهم لن يسمحوا بتعريض مصالح الولايات المتحدة للخطر وخاصة مع وجود قوى لا يستهان بها في المنطقة، يمكن أن تشكل حلفا عسكريا واقتصاديا من دون أميركا في حال الذهاب بعيدا عنهم، وهنا يلزم الكونغرس الأميركي إدارة بايدن بأخذ الاعتبارات التي تحفظ أمن أصدقاء واشنطن، الذين كانوا ولا زالوا العمود الفقري لها في المنطقة.