رفتن به محتوای اصلی

انتخابات إيران و«نظرية الشبهيّة»

رئيسي
AvaToday caption
في 2009 قامت احتجاجات شعبية واسعة من الشعب الإيراني ضد التزوير الواسع الذي مارسه النظام ليفوز أحمدي نجاد المتشدد بها، فطور النظام أجهزته الأمنية وأدواته القمعية، وأخضع الشعب بالحديد والنار
posted onJune 20, 2021
noدیدگاه

عبدالله بن بجاد العتيبي

هل الانتخابات الإيرانية مهمة؟ هل تعني شيئاً ديمقراطياً وحقيقياً؟ هل توقع أحد أن يحدث انقلاب في السياسة الإيرانية إذا فاز أحد المرشحين، مثلما جرى في الانتخابات الأميركية الأخيرة بين ترمب وبايدن؟ الجواب بكل بساطة هو لا، لم تعن الانتخابات الإيرانية أي شيء ديمقراطي وحقيقي، ولم يتوقع أحد منها أي تغيير في بنية ورؤية واستراتيجية النظام الإيراني.

في ظل الغموض الذي يكتنف مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي يبدو أن المرشد خامنئي الهرم المريض يريد نقل خبرته لجيل متشدد يحافظ على نظام الثورة الخمينية، ومنها أفضل الطرق للتعامل مع «اليسار الليبرالي» الأميركي ومدرسة أوباما السياسية، وهي بكل بساطة تقول: تشدد أكثر فهم سيتنازلون ثم واصل التوسع وبسط النفوذ ونشر الفوضى.

أنجب التلاميذ الذين استوعبوا حكمة ورؤية وخلاصة «الثورة الخمينية» هو إبراهيم رئيسي الذي قضى المرشد خامنئي سنوات يقوم بتهيئته ليخلفه في منصب المرشد الأعلى وليس في رئاسة الجمهورية فحسب، وليس من باب الصدف أنه المرشح الأقوى الذي سيعلن انتصاره في الانتخابات.

النظام الإيراني استوعب جيداً أن كل دعايات اليسار الليبرالي الأميركي لا يفتش فعلاً عن الديمقراطية المتكاملة، وإنما يريد شيئاً يشبه الديمقراطية الغربية من حيث الشكل، صناديق اقتراع، ومرشحون متعددون، وناخبون، وانتهى الأمر، ومن هنا فالنموذج الإيراني يقدم هذا كله، ولكن صناديق الاقتراع ليس لها علاقة بمن يفوز بالرئاسة أو يخسرها، والمرشحون هم نمط واحد يختارهم «مجلس صيانة الدستور» والناخبون يذهبون للاقتراع بـ«فتوى» من المرشد الأعلى، والنتائج محسومة سلفاً والتغيير مستحيل.

كتب جورج طرابيشي: «لا وجود لديمقراطية سياسية بحتة فالديمقراطية بالأساس ظاهرة مجتمعية... ولئن تكن الحرية الديمقراطية تنتهي لا محالة إلى صندوق الاقتراع، فإن الصندوق الأول الذي تنطلق منه هو جمجمة الرأس، وإن لم يتضامن صندوق الرأس مع صندوق الاقتراع، فإن هذا الأخير لن يكون إلا معبراً إلى طغيان غالبية العدد»، وهو تحديداً ما ينطبق على الانتخابات الإيرانية.

التبشير بالديمقراطية وكأنها نهاية إقدام العقول، و«نهاية التاريخ» والنموذج الوحيد والأوحد للبشر هو تسطيح للعقل والفكر والإنسان، وهي في المحصلة آلية لتحقيق «العدالة»، ولكن هذا التضخيم لها هو تحويلها لسلاح يتم به الضغط على الدول ذات السياقات الحضارية المختلفة، ومن هنا فالغرب يرضى بالأشكال والرسوم التي تمنح الإيحاء بوجودها، وليس شرطاً أن تكون حقيقيةً محققة للمقصود عقلياً وفلسفياً.

في ظل الانسحاب المستعجل للقوات الأميركية من أفغانستان وتركها نهباً للإرهاب و«طالبان»، يمكن للكثيرين أن يستحضروا كيف كان يتم نقل صناديق الاقتراع على ظهور الحيوانات في جبال الهندوكوش في أفغانستان في زمن «المحافظين الجدد» السابق لزمن «اليسار الليبرالي» الحالي، وكما لم تجدِ تلك الصناديق في تغيير شيء حقيقي في أفغانستان، فلن تجدي هذه الصناديق في تغيير شيء في إيران.

في 2009 قامت احتجاجات شعبية واسعة من الشعب الإيراني ضد التزوير الواسع الذي مارسه النظام ليفوز أحمدي نجاد المتشدد بها، فطور النظام أجهزته الأمنية وأدواته القمعية، وأخضع الشعب بالحديد والنار ثم لما جاءت لحظة الربيع العربي في 2011 خرج المرشد الأعلى خامنئي يخطب باللغة العربية، مبشراً بما سماه حينها «الثورات الحلوة» والمفارقة اليوم تكمن في أن الرئيس الإيراني الذي زورت له الانتخابات في 2009، بات يتحدث علناً عن تزويرها هذه المرة لصالح إبراهيم رئيسي، والمثل يقول: اسأل مجرب.

ظاهرة لا تخطئها العين في الانتخابات الإيرانية كون المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي لم يدع وسيلةً يتوسل بها إلى الشعب أن يشارك في الانتخابات إلا عملها، حتى بدا في بعض المواقف وكأنه يمارس التسول من الشعب، والهدف ليس تحقيق العدالة للشعب، ولا بناء التنمية فضلاً عن خلق الرفاه له، بل الهدف هو إقناع الغرب بقوة نظام الخميني، والتصريحات معلنة ومنشورة.

سيتعين على دول المنطقة أن تتوقع الأسوأ في السنوات القليلة القادمة، وما سيتمخض عن مفاوضات فيينا سيزيد من شراسة وعنف النظام الإيراني والتغيرات في موازين القوى توجب التغيير في حجم وطبيعة التحالفات، والتغيير في حجم وطبيعة العلاقات الدولية القائمة، إقليمياً ودولياً، والتاريخ شاهد على نجاح واستمرار الدول والأمم والشعوب القادرة على خلق استجابة فاعلة لأي تغيرات كبرى.

في لقاء تلفزيوني قديم مع الممثل المصري المعروف صلاح السعدني تحدث عما سماه «نظرية الشبهية» وشرحها قائلاً: «أنا مرة كنت وضعت قواعد لنظرية، النظرية سميتها الشبهية، عندنا كل حاجة بالضبط مثل الذي في العالم، يعني في كرة القدم، عندنا اتحاد لكرة القدم، عندنا ملاعب، فيه مدرجات لجمهور كرة القدم، وفيه غرف ملابس، وينزل 22 لاعبا، وكورة مثل العالم، وعندنا حكام، وصفارة، وجمهور يشجع، إنما اللعبة نفسها ليست كرة قدم، هي شبه كرة القدم، عندنا أفلام وكاميرات وتصوير، مثل العالم، ولكنها شبه، فنحن في حياتنا كلها، في اقتصادنا في صناعتنا في زراعتنا، كأننا بالضبط ولكننا (شبه)».

«نظرية الشبهية» هذه مفيدة جداً في هذا السياق، فكل ما يراه العالم في انتخابات إيران هو «شبه» لما يجري في العالم، ولكنها بالتأكيد ليست هو، فالشبه بين الحالتين في الأشكال لا ينفي التناقض الكامل في المضامين، وهذه المفارقة توضح اختيارات القوى الدولية في التعامل مع «الأشكال» فقط أم مع «المضامين»، وهي تمنح المراقب وصانع القرار قدرةً على رؤية التوجهات غير المعلنة والاستراتيجيات المتقلبة التي تحمل أجندات خفية وإن بعض الشيء، وإلا فالكثير منها معلن.

هذه النظرية الصادرة من فنان مثقف تقدم نموذجاً تفسيرياً مفيداً لمنطقتنا في كثير من الحالات المستعصية على التعريفات العلمية المستقرة في علوم السياسة والاجتماع، وبالذات بعد سيطرة إيران على عدد من الدول العربية، فهي دول مختطفة وقرارها بيد المستعمر الجديد، ولكنها «شبه» الدول التي يعرفها العالم، ونماذج ذلك واضحة في العراق وسوريا كما في لبنان واليمن.

أخيراً، فنموذج «الثيوقراطي الديكتاتور» الذي يقدمه النظام الإيراني عبر «ولاية الفقيه» لا يمانع في مجاراة الغرب شكلياً ليحقق غاياته «النازية»، وهتلر يمكن أن يكون معمماً ملتحياً.