رفتن به محتوای اصلی

شبح الاغتيالات يخيم على العراق

موجة الاغتيالات تعود للعراق
AvaToday caption
"الميليشيات المسلحة باتت تتخوف من تنامي قوى الانتفاضة العراقية في المجتمع، وتعتقد أن هذا الصعود سيكون على حسابها، خصوصاً بعد تضاؤل شعبيتها بسبب الاحتجاجات"
posted onMarch 14, 2021
noدیدگاه

أعادت حادثة اغتيال جاسب الهليجي في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان بالعراق، في 10 مارس (آذار)، هواجس الناشطين من احتمالية تنامي موجة الاغتيالات مرة أخرى وزيادة أنشطة الميليشيات الموالية لإيران ضد ناشطي الحراك الاحتجاجي، في ظل عدم حسم بغداد ملف السلاح المتفلت حتى الآن.

ويربط مراقبون بين تنامي موجة الاستهدافات التي يتعرّض لها ناشطو الحركة الاحتجاجية واقتراب موعد الانتخابات المقبلة المقرر في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويرون أنها تمثّل محاولة لإسكات الأصوات المناوئة للميليشيات وإمكانية تأثير سلاحها في مسار تلك الانتخابات.

وعاد الحديث عن ميليشيا "أنصار الله الأوفياء" بعد اغتيال الهليجي، خصوصاً مع الاتهامات الواسعة من قبل ناشطين للفصيل المسلح بالمسؤولة عن تلك العملية.

والهليجي هو والد الناشط علي جاسب، الذي اختطفته جماعة مسلحة في بداية الانتفاضة العراقية في 8 أكتوبر 2019، فيما تُتهم ميليشيا "أنصار الله الأوفياء" بالضلوع في العمليتين.

واستمر الهليجي بالخروج إلى ساحات الاحتجاج حاملاً صورة نجله المغيّب طوال فترة الانتفاضة العراقية، مطالباً بالكشف عن مصيره.

وكان الهليجي قد تحدث بشكل صريح خلال الأشهر الماضية عن الأطراف المتهمة بخطف نجله، إذ قال في تسجيل مصور إن "الأدلة والشهود والتقارير الأمنية في محكمة محافظة ميسان تثبت تورط فصيل أنصار الله الأوفياء".

وأضاف في التسجيل ذاته، "هذا الفصيل تابع إلى هيئة الحشد الشعبي وممول منها"، مردفاً "حياتي في خطر". وناشد رئيس الوزراء بالتدخل.

وأفاد ناشطون بأن والد الجاسب كشف قبل فترة عن تعرضه إلى تهديدات من قبل المتهمين باختطاف ابنه، مشيرين إلى أنهم "خمسة أشخاص ينتمون إلى حركة أنصار الله".

ويروي ناشطون تداعيات الحادثة التي وصفوها بأنها "تشبه حادثة اغتيال الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي". ولفتوا إلى أن "الهليجي قتل على يد مسلحين يستقلان دراجة نارية في حي العامل، الواقع في إحدى أكثر المناطق تأميناً في المحافظة".

ومنذ الساعات الأولى لعملية الاغتيال، تحدثت منصات على صلة بالميليشيات بأن العملية تعود إلى خلافات عشائرية. وهي سردية لطالما استخدمتها الماكينة الإعلامية للمجموعات الموالية لإيران في التعاطي مع تلك القضايا، في حين صرح قائد الشرطة في المحافظة بأن عملية الاغتيال كانت لدوافع شخصية.

ونشر قائد الشرطة في المحافظة فيديو تحدث فيه عن اعتقال قاتل الهليجي، مشيراً إلى أنه أحد أقرباء المجني عليه.

في المقابل، اتهم ذوو المحامي المختطف علي جاسب، الخميس، قائد شرطة محافظة ميسان بـ"الافتراء"، نافين ما روّجه عن تورط المجني عليه بـ"إشكالات عشائرية".

في المقابل، نفت حركة "أنصار الله الأوفياء" صلتها بالعملية. وقالت في بيان إن "تصريحات القادة الأمنيين في البلاد بإلقاء القبض على المتهم المتورط بجريمة اغتيال والد المحامي علي جاسب كافية للرد على التهم الباطلة التي سيقت خلال الساعات المنصرمة ضد الحركة وزعيمها"، واصفة الاتهامات بأنها "تندرج ضمن إطار الاستهداف السياسي والانتخابي لتصفية الخصوم قبل موعد الانتخابات المقبلة".

وتبدو مخاوف الحركة من تأثير تلك الاتهامات في مشاركتها بالانتخابات واضحة، خصوصاً مع محاولة ناشطين الضغط في اتجاه تشريع قانون للأحزاب يطبق مواد الدستور التي تحظر تكوين الميليشيات، فيما يشددون على ضرورة أن ينص القانون على حظر مشاركة الأحزاب التي يثبت امتلاكها أجنحة مسلحة، فضلاً عن حجب مقاعدها البرلمانية.

وتشير مصادر سياسية رفيعة إلى أن البند المتعلق بحجب مقاعد الكتل التي يثبت امتلاكها أجنحة مسلحة تتم دراسته في الفترة الحالية.

ويمثّل مطلب حظر الأحزاب ذات الأذرع المسلحة هاجساً كبيراً لدى الميليشيات الموالية لإيران، خصوصاً أنها تشكّل الجسم الأكبر داخل تحالف "الفتح" البرلماني.

تشكّلت "أنصار الله الأوفياء" عام 2014 مع سيطرة تنظيم "داعش" على عدد من المدن العراقية. وانضمت إلى هيئة الحشد الشعبي تحت اسم "اللواء 19"، إلا أنها ما زالت تحتفظ بألوية خارج الحشد، كما هي حال غالبية الفصائل المسلحة الموالية لإيران، تحت مظلة ما يسمّى بـ"فصائل المقاومة الإسلامية".

وتمثّل مدينة العمارة مركز النفوذ الرئيس للميليشيا، إلا أنها باتت تنشط في عدد من المدن الأخرى، من بينها الناصرية وحزام بغداد.

ويتزعمها حيدر الغراوي، الذي طالته اتهامات الناشطين بشكل مباشر بالضلوع في عملية اختطاف الناشط علي جاسب واغتيال والده، لكن حركته تنفي هذه الاتهامات.

وتمتلك الميليشيا المسلحة، بحسب موقعها الإلكتروني، تمثيلاً برلمانياً بنائب واحد ضمن تحالف "الفتح"، وهي النائب دلال الغراوي، وتعدّ إحدى أقوى الميليشيات وأكثرها نفوذاً في مدينة العمارة، إضافة إلى مجموعات أخرى من بينها "عصائب أهل الحق" ومنظمة "بدر" و"سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري.

وفي 26 أكتوبر 2019، أحرق مجهولون خلال الانتفاضة العراقية مقرّها في مدينة العمارة.

لعل الحادثة الأبرز التي ارتبطت بالميليشيا، تتعلق بحرق مقرها في مدينة الناصرية في أغسطس (آب) 2020، بعدما اتهمها ناشطون بأنها تقف خلف محاولة تفجير سيارة مفخخة في ساحة الحبوبي في المدينة.

وبعد ضبط سائق السيارة المفخخة التي تحمل في صندوقها عبوات محلية الصنع ومواد متفجرة وأجهزة تفجير، تداول ناشطون، في 7 أغسطس 2020، وثائق شخصية للمتهم، من ضمنها هوية صادرة عن "المقاومة الإسلامية في العراق- حركة أنصار الله الأوفياء"، تكشف عن اسمه ومحل ولادته، وتظهر انتسابه إلى "هيئة الحشد الشعبي" ضمن "اللواء 19" حرس حدود في منطقة القائم غرب محافظة الأنبار. إلا أن التيارات الموالية لإيران ادّعت أن الشخص من سكان مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين.

في المقابل، ناقض بيان خلية الإعلام الأمني رواية التيار الولائي بالإشارة إلى أن "السائق من سكان محافظة ذي قار وليس صلاح الدين"، لكن قائد شرطة ذي قار العميد حازم الوائلي قال في حينها إن "الوثائق التي ضبطت بحوزة (ص. ن. س) مزوّرة وإن أخبار انتسابه إلى الحشد الشعبي عارية من الصحة".

وتتزامن المخاوف من استمرار عمليات الاغتيال مع دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى حوار وطني، إذ لم تمضِ سوى أيام قليلة على تلك الدعوة حتى عادت عمليات الاغتيال، فيما عبّر الناشطون عن رفضهم لتلك الدعوة، مشددين على أنه يجب أن تسبقها إجراءات تقوّض نفوذ الميليشيات وسيطرتها على المشهد في البلاد.

ويعتقد مراقبون أن عملية اغتيال الهليجي مثّلت رسالة واضحة إلى قوى الانتفاضة العراقية لدفعها إلى التراجع، خصوصاً مع انحسار التأييد الاجتماعي للميليشيات بعد الاحتجاجات في البلاد.

ولا يستبعد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري احتمال تنامي مسلسل الاغتيالات خلال الفترة المقبلة، مبيّناً أن "عدم حسم قضية السلاح المتفلت وسطوته على الشارع، واستمرار الصراع السياسي بين القوى التقليدية في ما بينها من جهة، وبينها وقوى الوعي السياسي من جهة أخرى، عوامل ستسهم في زيادة منسوب الصراع".

ويعتقد الشمري أن ما يجري من عمليات اغتيال يحمل تفسيرات عدة، تتعلق بـ"رغبة قوى السلاح في تصفية الحسابات والقيام بعمليات ثأر مؤجلة"، فيما يرتبط الأمر الآخر بـ"محاولات ترهيب القوى الصاعدة القريبة من الانتفاضة العراقية"، معتبراً أن تلك الاغتيالات تمثل "رسالة لكتم أفواه منتقدي السلاح المتفلت".

ويشير إلى أن "عدم توفر الإرادة السياسية الداعمة لأي إجراء من قبل الدولة بهدف إنهاء سطوة السلاح المتفلت، وضعف مفاصل الدولة الأمنية في مواجهة تلك الإشكالية يزيدان من احتمال تصاعد عمليات الاغتيال في المرحلة المقبلة".

في المقابل، يرجع الكاتب أحمد الشريفي سبب عودة الاغتيالات إلى "تنامي مستوى الصراع بين الفصائل المسلحة والحكومة العراقية"، مضيفاً أن تلك الفصائل لا ترغب في استمرار حكومة الكاظمي لمدة أطول، خصوصاً مع الإيحاء بأن تبنّي خيار حكومة طوارئ قد يعني التجديد للكاظمي".

ويشير إلى أن "الميليشيات المسلحة باتت تتخوف من تنامي قوى الانتفاضة العراقية في المجتمع، وتعتقد أن هذا الصعود سيكون على حسابها، خصوصاً بعد تضاؤل شعبيتها بسبب الاحتجاجات".

ويربط الشريفي بين تصاعد عمليات الاغتيال وشعور الميليشيات المسلحة بعدم جدوى "التسقيط السياسي الذي تمارسه بحق خصومها"، لافتاً إلى أنه "في الإمكان إيجاد علاقة بين اقتراب قوى تشرين من ترميم صفوفها وتزايد منسوب الاغتيالات".

ويرجّح أن تنفّذ الميليشيات "عمليات تصفية جسدية لكل الشخصيات العصية عن التسقيط السياسي"، مضيفاً أن "عملية اغتيال الهليجي تعطي دلالة على محاولة المجموعات المسلحة التخلص من أي صوت يفكّك نفوذها".

وبحسب الشريفي، مثلت عملية الاغتيال تلك "رسالة ضمنية لكل أطراف الاحتجاجات العراقية بأنها في مرمى نيران الميليشيات، ما يقلل بشكل ملحوظ من نشاطها".

ويعتقد أن "منسوب الاغتيالات في المرحلة المقبلة سيوصل البلاد إلى الحاجة الصريحة لحكومة طوارئ لغياب بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات"، مردفاً "الإشكالية الوحيدة التي تقف في طريق حكومة الطوارئ تتعلق بمدى توفر الإرادة الدولية بضرب القوى التي تقوّض عملية التداول السلمي للسلطة".

مثلت عملية اغتيال الهليجي جرس إنذار كبير بالنسبة إلى قوى انتفاضة أكتوبر، التي يبدو أن غالبيتها حسمت أمرها بعدم الاشتراك في أي مفاوضات مع الحكومة وبقية قوى السلطة، إلا أن الناشطين تحدثوا عن مخاوفهم من استمرارها في الفترة المقبلة.

في السياق، يشير الناشط علاء ستار إلى أن "ما حدث لوالد المختطف علي جاسب هو ما يحدث كل يوم، وما نتوقع أن يحدث في كل يوم في هذه البلاد التي تحكمها الميليشيات".

وتبدو عبارة "القطيعة التامة مع النظام السياسي"، هي الأبرز في أحاديث الناشطين، إذ يلفت ستار إلى أن هذا الخيار "هو الحل الوحيد مع استمرار ماكينة القتل والبشاعة بالقيام بكل تلك العمليات من دون أي رادع".

ويضيف، "تعطي عملية اغتيال الهليجي انطباعاً بأن موجة واسعة من الاغتيالات ستحدث لكل مناوئي السلاح المتفلت وتحديداً ناشطي الانتفاضة".

ويلفت إلى أن عدداً من القوى المنبثقة من الانتفاضة العراقية تعتزم تشكيل "جبهة سياسية معارضة للإعلان عن أن هذه العملية السياسية تُقاد بالسلاح".

ويسيطر الترقب على الأجواء في المدن العراقية، مع زيادة منسوب التخوّف لدى الأحزاب المنبثقة من الانتفاضة والناشطين من احتمال تنامي الاستهدافات ضد مناوئي الميليشيات المسلحة، ما دفع كثيرين منهم إلى مغادرة مناطق سكنهم ويعقّد احتمال إجراء انتخابات في أجواء ملائمة.