تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ماذا يعني تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية؟

الحرس الثوري الإيراني
AvaToday caption
ومن شأن هذا القرار أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد بين واشنطن وطهران، لن تقتصر على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وإنما قد تمتد إلى الاستناد لآليات أخرى للتفاعل المتبادل
posted onApril 9, 2019
noتعليق

الدكتور محمد عباس ناجي*

لم يكن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، أمس، بتصنيف الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) كمنظمة إرهابية أجنبية مفاجئا سواء لإيران أو للقوى الإقليمية والدولية المعنية بتدخلاتها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط فضلا عن برنامجيها النووي والصاروخي المثيرين للجدل.

 فالخطوة الأمريكية الأخيرة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، جاءت في سياق التصعيد المتواصل بين واشنطن وطهران بداية من وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير /كانون الثاني2017، مرورا بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، وانتهاء بفرض عقوبات أمريكية على إيران عبر مرحلتين في 7 أغسطس/آب و5 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

وربما يمكن القول إن هذا القرار تأجل لعامين تقريبا، بعد أن بدأت الإدارة الأمريكية الحالية في توجيه إشارات عديدة بأنها تفكر في هذا الخيار فعلا منذ فبراير/شباط 2017، أي بعد تولي ترامب مقاليد منصبه بشهر واحد تقريبا، لكنها تراجعت عنه لصالح قرارات وإجراءات عقابية أخرى.

وهنا، فإن هذا التأجيل قد يكون مرتبطا، في الغالب، بالتداعيات التي يمكن أن يفرضها هذا القرار خاصة على المصالح الأمريكية في المنطقة، وبحسابات واشنطن ورؤيتها للتطورات التي تشهدها الأزمات الإقليمية المختلفة والتي تمثل فيها إيران طرفا رئيسيا بسبب إمعانها في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعضها.

ومن شأن هذا القرار أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد بين واشنطن وطهران، لن تقتصر على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وإنما قد تمتد إلى الاستناد لآليات أخرى للتفاعل المتبادل، لاسيما في حالة ما إذا اتجهت الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لتفعيل هذا القرار، وفي حالة ما إذا سعت إيران إلى رفع كلفته عبر التلويح بخيارات أخرى غير مباشرة بعد أن ردت على القرار الأمريكي بقرار مضاد اتخذه المجلس الأعلى للأمن القومي باعتبار "النظام الأمريكي حكومة داعمة للإرهاب" و"وضع القوات الأمريكية الموجودة في غرب آسيا في قائمة التنظيمات الإرهابية من وجهة النظر الإيرانية.

تأثيرات مباشرة

يفرض صدور هذا القرار في هذا التوقيت تحديدا تأثيرات عديدة سواء على طهران أو على التصعيد المستمر بينها وبين واشنطن، ويتمثل أبرزها في:

1: مضاعفة الضغوط: جاء هذا القرار قبل شهر بالضبط من حلول الذكرى الأولى لقرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وقبل أسابيع من انتهاء مهلة الأشهر الستة التي منحتها الإدارة الأمريكية لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني من أجل التوقف عن شرائه والبحث عن مصدرين آخرين.

وهنا، فإن واشنطن سعت عبر إصدار هذا القرار في الوقت الحالي إلى توجيه رسالة تفيد عزمها على رفع مستوى الضغوط على إيران عبر توسيع نطاق العقوبات المفروضة عليها وبذل مزيد من الجهود لتجفيف مصادر التمويل التي تعتمد عليها ويمارس الحرس الثوري دورا أساسيا في تأمينها.

2: تضييق الخيارات: تسعى واشنطن عبر هذا القرار إلى وضع كل من إيران والدول الأوروبية أمام خيارات محدودة، خاصة في ظل إصرار الطرفين على مواصلة التعاملات المالية والتجارية حتى بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

وبمعنى آخر، فإن إدارة ترامب تحاول من خلال ذلك إفراغ الجهود التي بذلتها الدول الأوروبية لتحييد آثار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق من مضمونها، لاسيما بعد أن تبنت الأخيرة ما يسمى بـ"آلية الأغراض الخاصة" التي تقوم على نظام أشبه بالمقاصة في التعاملات التجارية مع إيران لتجنب إجراء معاملات بالدولار وتشجيع إيران على الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي.

ولذا، كان لافتا أن الرئيس ترامب حرص عقب الإعلان عن القرار الجديد على الإشارة إلى عواقب استمرار التعاملات التجارية مع إيران، باعتبار أن أي جهة قد تحاول مواصلة هذه التعاملات تغامر، في رؤيته، بمواجهة اتهامات بدعم الإرهاب، خاصة أن الجهة الإيرانية التي ربما تشاركها في تلك التعاملات قد تكون تابعة للحرس الثوري، الذي يمارس نشاطا اقتصاديا كبيرا داخل إيران وخارجها.

وهنا، فإن أحد أهداف الخطوة الأخيرة يكمن في القضاء على ما تبقى من الاتفاق النووي، الذي كان قد تعرض لضربة أولية قوية بالانسحاب الأمريكي منه، على نحو قلص إلى حد كبير من أهميته وعوائده التي كانت تطمح إيران إلى الحصول عليها ورفعت سقف توقعات مواطنيها بسببها، لاسيما بعد أن اضطرت الشركات الغربية الكبرى، مثل شركة "توتال"، إلى الانسحاب من السوق الإيرانية تجنبا للعقوبات الأمريكية.

وكان الرئيس ترامب واضحا في هذا السياق عندما قال إن "التصنيف يوضح بجلاء مخاطر الدخول في معاملات مالية مع الحرس الثوري أو تقديم الدعم له.. إذا تعاملت ماليا مع الحرس فإنك بذلك تدعم الإرهاب".

3: التركيز على الفروع: لا يبدو أن الإجراءات العقابية الأمريكية سوف تقتصر على "الباسداران" فحسب، وإنما ستمتد إلى المليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني، على نحو بدا جليا في تأكيد واشنطن حرصها على مواصلة جهودها لكبح نشاطات الحزب التي يدعم من خلالها حضور إيران في المنطقة، وكان ذلك في الأساس العنوان الأبرز في زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى لبنان في 22 مارس الفائت، وقد لا يكون مستبعدا أن تشمل هذه الإجراءات المليشيات الأخرى الموجودة في سوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية، والتي تحولت إلى تنظيمات جوالة تتواجد أينما تقتضي مصالح إيران ذلك.

4: الأولوية للاقتصاد: كان واضحا أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تأكيد أن الإجراءات الجديدة التي سوف تتخذ بناءً على القرار الأخير سوف تركز في المقام الأول على محاولة تجفيف مصادر تمويل "الباسدران"، باعتبار أن هذا التمويل هو السبب الرئيسي الذي مكن النظام الإيراني من الالتفاف على العقوبات الدولية السابقة ومواصلة دعمه للتنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، وتطوير برنامجيه النووي والصاروخي.

وبمعنى آخر، يمكن القول إن واشنطن تحاول استيعاب دروس المواجهات السابقة التي تبنتها الإدارة الأمريكية المتعاقبة مع إيران، ولم تفلح في دفع الأخيرة إلى تغيير سياستها، فقد اعتمدت إيران على مصادر غير رسمية عديدة في الحصول على عملة صعبة وتعزيز احتياطياتها منها، إلى جانب استغلال أموال الخُمس وغيرها في دعم حضورها الإقليمي والتمدد داخل دول عديدة بالمنطقة.

وهنا، فإن الإدارة الأمريكية في حالة إذا اتخذت خطوات إجرائية على الأرض لتفعيل القرار، عبر تعقب الشركات "الوهمية" التي يستخدمها "الباسدران" كواجهة لأنشطته الخارجية، بالتوازي مع زيادة المُحفِّزات التي تدفع الشركات الدولية إلى العزوف عن الانخراط في تعاملات مالية وتجارية مع إيران، سوف تفرض ضغوطا غير مسبوقة على الاقتصاد الإيراني.

5: تجنب الصدام المسلح: حرص المسؤولون الأمريكيون، عقب الإعلان عن القرار، على تأكيد أن التعامل مع الحرس الثوري سيكون مثل التعامل مع حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، وهو مغزى مهم له معنى مباشر مفاده أن واشنطن لا تسعى إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، مباشرة أو غير مباشرة، بدليل أنها عزفت عن مساواة "الباسدران" بتنظيم "داعش" على سبيل المثال، وهى خطوة، إن اتخذت كانت ستعني أن واشنطن تلزم نفسها بتوجيه ضربات عسكرية ضد الحرس في أي مكان يتواجد فيه حتى داخل إيران على غرار ما قامت به مع "داعش".

وبالنظر إلى السياسة الأمريكية تجاه حزب الله والمنظمات الفلسطينية سنجد أنها لم تتجاوز الإجراءات المالية والاقتصادية دون التطرق إلى الخيار العسكري، باستثناء تنسيقها مع إسرائيل بالطبع سواء في الضربات المتتالية لمواقع الحزب والحرس الثوري في سوريا، أو في مواجهاتها العسكرية المستمرة مع المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة.

مأزق طهران

ربما يحاول النظام الإيراني استيعاب هذه الضغوط على المدى القصير، في إطار رهانه على متغير الوقت، الذي يطمح من خلاله إلى تجاوز المأزق الذي فرضته السياسة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، حيث إن دوائر عديدة في طهران ترى أنه يمكن استيعاب الضغوط الأمريكية حتى انتهاء الفترة الرئاسية الحالية لترامب، عسى أن تسفر الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة عن رئيس آخر قد يتبنى نهجا مختلفا عن النهج الحالي الذي لا تحبذه طهران.

لكن على المدى الطويل، لا يبدو أن هذه السياسة سوف تنجح في تحقيق نتائج تذكر، إذ لا يمكن التعويل على تغير الرئيس الأمريكي، باعتبار أنه ليس مضمونا من الأساس أن يأتي رئيس أمريكي آخر بأجندة مختلفة مع طهران على غرار الرئيس السابق باراك أوباما، ناهيك عن أن حدود موقع الرئيس داخل أروقة صنع القرار الأمريكي قد لا تفرض بالضرورة إمكانية حدوث تغيير كبير في المسارات المحتملة للسياسة الحالية التي تعمل بها واشنطن سواء تجاه إيران أو إزاء أي قوة إقليمية أو دولية أخرى.

كما أن الآليات الحالية التي تستخدمها إيران في التعامل مع الضغوط والعقوبات الأمريكية سوف تستنفد أغراضها في لحظة ما ربما لن تطول، على نحو سوف يضع النظام الإيراني في مأزق حرج، خاصة في ظل التوازي الملحوظ بين ضغوط الداخل، ممثلة في الاحتجاجات المستمرة التي ينظمها الشارع الإيراني بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتهالك البنية التحتية على نحو بدا جليا في الأزمة التي فرضتها السيول التي تجتاح إيران في الوقت الحالي، وضغوط الخارج ممثلة في العقوبات الأمريكية والجهود الإقليمية الرامية إلى كبح النفوذ الإيراني ووقف دعم طهران للإرهاب.

ومع ذلك، يبدو الوقت مبكرا لتقييم الحدود المحتملة التي قد يصل إليها التصعيد الحالي، خاصة أن لكل طرف حساباته الخاصة التي يدير عبرها هذا التصعيد مع الطرف الآخر، فضلا عن أن المنطقة تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية سوف تتداخل فيها كل الملفات على نحو سوف يؤثر، في الغالب، على الخيارات التصعيدية المحتملة لكل من واشنطن وطهران في المرحلة القادمة.

* رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام