تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أردوغان يوجه تركيا نحو عزلة أكثر

أردوغان يلعب بمشاعر البسطاء
AvaToday caption
يرى أخصائيون أن نهج اردوغان في إدارة البلاد وتدخلاته في سياسة البنك المركزي وضعت الاقتصاد التركي في موقف ضعيف في مواجهة الأزمات المتوقعة في ظل استمرار انتشار فيروس كورونا حول العالم
posted onOctober 27, 2020
noتعليق

يقود الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حملة شرسة ضد فرنسا، حاشدا على خلفية الإساءة للنبي محمد لمقاطعة المنتجات الفرنسية، في تصريحات اعتبرها كثيرون مزايدات إعلامية تنضوي تحت شعار "نصرة الدين" في محاولة من الرئيس التركي الضغط على باريس التي ترفض الانتهاكات التركية "الصارخة" في المتوسط، لكن حملة تركيا ستعمق حتما عزلتها وستوسع الهوة بينها وبين الاتحاد الأوروبي الذي يقف في صف فرنسا في استنكار نهجها العدائي في المنطقة.

وفي هذا الإطار أعلن متحدث باسم المفوضية الأوروبية الثلاثاء أن الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية التي وجهها الرئيس التركي، "تتنافى مع روحية" الاتفاقات الدبلوماسية والتجارية الموقعة من جانب تركيا مع بروكسل و"ستبعدها أكثر" عن الاتحاد الأوروبي.

وقال المتحدث أن "اتفاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا تنصّ على التبادل الحرّ للسلع، وينبغي الاحترام التام للتفاهمات الثنائية التي تعهّدت تركيا الالتزام بها في إطار هذه الاتفاقات".

وحثت فرنسا الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي الثلاثاء على اتخاذ إجراءات بحق تركيا بعد أن شكك رئيسها في الصحة العقلية لنظيره الفرنسي ودعا إلى مقاطعة البضائع الفرنسية.

وقال وزير التجارة فرانك ريستر للمشرعين، إن "فرنسا متحدة وأوروبا متحدة. في اجتماع المجلس الأوروبي المقبل، سيتعين على أوروبا اتخاذ قرارات تسمح لها بتعزيز توازن القوى مع تركيا للدفاع بشكل أفضل عن مصالحها والقيم الأوروبية".

ومن شأن أي عقوبات أوروبية أن تزيد في مشاكل تركيا التي تعاني أصلا أزمة اقتصادية آخذة في التفاقم برزت مظاهرها في انهيار الليرة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق وارتفاع التضخم وزيادة معدلات البطالة والفقر.

وفي سياق متصل واصلت الليرة التركية الثلاثاء تعميق خسائرها أمام الدولار، غداة هبوطها لما دون مستوى ثماني ليرات لكل دولار، وهو ما مثل تجاوز حاجز نفسي حرج للمستثمرين، وفقا لبيانات وكالة 'بلومبرغ' للأنباء.

ويعزو كثيرون الأزمة الاقتصادية في تركيا إلى سياسة اردوغان العدائية تجاه دول طالما كانت حليفة لأنقرة وإقحام بلاده في حروب عدة، ما تسبب في نفور المستثمرين الأجانب وعمق عزلة بلده اقتصاديا وسياسيا، فضلا عن استنزافه موارد الدولة في تمويل تدخلاته العسكرية لتحقيق طموحات استعمارية واهية والبحث عن مجد عثماني خلا.

كما يرى أخصائيون أن نهج اردوغان في إدارة البلاد وتدخلاته في سياسة البنك المركزي وضعت الاقتصاد التركي في موقف ضعيف في مواجهة الأزمات المتوقعة في ظل استمرار انتشار فيروس كورونا حول العالم.

يبدو أن اردوغان ماض من خلال التجييش ضد فرنسا في نهجه العدائي الذي من المرجح أن يزيد من عزلة أنقرة سياسيا واقتصاديا، بما يثقل كاهل تركيا المثقل بالأزمات.

ودعا اردوغان الى مقاطعة المنتجات الفرنسية متصدرا حملة الغضب المتصاعدة في بعض الدول الإسلامية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد دفاعه عن حرية نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد.

وقال في خطاب في أنقرة "أتوجه هنا إلى أمّتي؛ لا تولوا اهتماماً للعلامات التجارية الفرنسية، لا تشتروها"، مضيفا "هناك حملة استهداف للمسلمين مشابهة للحملة ضد يهود أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية"، متهماً بعض القادة الأوروبيين بـ"الفاشية" و"النازية".

وتأتي هذه الأزمة بعد تأكيد ماكرون أن فرنسا لن تتخلى عن مبدأ الحرية في نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وهو وعد قطعه أثناء مراسم تكريم المدرس سامويل باتي الذي قتل في 16 أكتوبر/تشرين الأول بيد روسي شيشاني متشدد لعرضه هذه الرسوم أمام تلامذته في المدرسة.

ويذكر بعض السياسيين مواقف أردوغان المتناقضة، في جهة يظهر نفسه كمدافع عن الإسلام، ويقتل الأقلية الكوردية في سوريا بأسم الدين، ويحرض جماعات متطرفة بقيام بعمليات مسلحة ضد معارضيين لنظامهِ.؟

وكما تأتي تصريحات الرئيس التركي، في وقت قامت كثير من بلدان عربية بزعامة السعودية والأمارات بمقاطعة منتجات التركية، وأنضمت اليهم مصر وتونس وبعض بلدان حليفة لهم.

واردوغان وماكرون على خلافات عميقة متناثرة بسبب أنشطة التنقيب التركية "غير القانونية" في مياه شرق المتوسط وتدخلها العسكري في كل من سوريا وليبيا.

تصاعدت حدة الخلافات بين الرئيسين منذ أغسطس/آب الماضي بعد أن أجرت فرنسا مناورات عسكرية بحرية في مياه شرق المتوسط بجانب السفن اليونانية، لتوجيه إنذار للتحركات التركية، وهو ما أجج غضب اردوغان الذي هاجم ماكرون آنذاك بتصريحات ادانتها باريس بشدة.

وكانت العلاقات التركية الفرنسية متوترة بالفعل منذ سنوات، ولم تكن باريس مطلقاً متحمسة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2001، اعترفت فرنسا بإبادة الأرمن مثيرة ردود فعل غاضبة في أنقرة.

ومنذ ذلك الحين تضاعفت مواضيع الخلاف ومعها الانتقادات بين البلدين. وصار يمكن وصف ما يدور بينهما بحوار الطرشان و"الأخطر رفض محاولة فهم منطق المحاور"، كما يقول ديدييه بيون، المتخصص بشؤون تركيا ونائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس)، مضيفاً "يبدو الآن أن الرؤى الأيديولوجية المتعارضة هي السائدة وتؤدي إلى طريق مسدود".

كما توترت العلاقات الثنائية أكثر حول ما تسميه فرنسا "الغطرسة التركية"، بتحركات تركيا في مياه المتوسط ترفضها باريس، فضلا التدخلات العسكرية في جبهات ليبيا وسوريا.

أما الجبهة الأخيرة ففي القوقاز حيث تدعم تركيا أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا حول ناغورني قره باغ. وندد ماكرون في هذا الصدد بإرسال تركيا مرتزقة سوريين إلى الجبهة.

ومثل حلف شمال الأطلسي وكلا البلدين عضوان فيه ساحةً للخلاف. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وصف ماكرون الحلف بأنه في حالة "موت سريري". في المقابل، دعا اردوغان نظيره الفرنسي إلى أن "يفحص موته السريري".

ويتساءل كثيرون إلى أي مدى سوف يذهب كل من ماكرون واردوغان في ظل تضاعف الخلافات وتواتر المواقف الاستراتيجية المتعارضة من كلا الرئيسين، ما جعل الأمر يصل إلى حد الإهانات وقد يجر البلدين إلى مواجهات أعمق.

ويقول المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسط للدراسات الاستراتيجية بيار رازو، "تتمثل استراتيجية اردوغان في دفع فرنسا إلى ارتكاب خطأ من خلال مضاعفة الاستفزازات اللفظية المباشرة، لإثارة ضجيج وصرف الانتباه" عن الصعوبات الداخلية والخارجية في تركيا، مضيفا "اردوغان يحاول عزل فرنسا وتقسيم الأوروبيين، لذا يشعل الأمور على كل الجبهات".