تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تركيا تعيد التجربة الإيرانية في تمويل ميلشيات

ميليشيات سورية ورقة رابحة بيد أردوغان
AvaToday caption
ذكر المرصد السوري أن فصائل "لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال وسليمان شاه" السورية ذهبت إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا
posted onOctober 4, 2020
noتعليق

في ظاهرة جديدة على الصعيد الدولي، تواصل تركيا استخدامها لمرتزقة سوريين لخوض مغامراتها الخارجية، بينما لا تجند غالبية الدول أشخاصا من دول ثالثة في حروبها.

ومن غير المعتاد أن تستغل دولة عضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) اللاجئين، وتحاول تجنيد الفقراء والضعفاء منهم للقتال في نزاعاتها الخارجية. لكن أنقرة فعلت ذلك.

واعتمدت تركيا أسلوبا مغايرا أكثر تعقيدا لمفهوم المرتزقة، عندما بدأت باستخدام السوريين للقتال الأهلي في بلدهم.

فروسيا، على سبيل المثال، تستأجر عسكريين متقاعدين وتوظفهم في مجموعة فاغنر التي تسيطر على بعض من أكبر حقول النفط وموانئ التصدير الليبية، كما يعمل بعضهم في سوريا، وبعض الدول الإفريقية.

أما نهج تركيا فتمثل في تدريب السوريين الذين أرادوا محاربة نظام بشار الأسد وإعادة تشكيلهم ودمجهم فيما عرف باسم "الجيش السوري الحر"، الذي تغير لاحقا إلى "الجيش الوطني السوري".

وفي هذا الإطار يقول الباحث في الشؤون السورية المقيم في المملكة المتحدة، كايل أورتن، إن تركيا تستخدم المرتزقة السوريين نظرا لـ"عددهم الكبير وتكلفتهم القليلة، ليس فقط من الناحية المالية مقارنة بالجيش التركي، لكن من ناحية التكلفة السياسية المحلية للحكومة التركية.

وأضاف أورتن لقناة الحرة الأمريكية "خسارة مرتزق سوري تعني صفر بالنسبة للحكومة التركية، في حين أن أي مكاسب يقوم بها المرتزقة في مناطق الصراع الخارجي تعني تكريس صورة قوية للنظام التركي".

وارتكبت القوات الموالية لتركيا انتهاكات ضد الكورد والمسيحيين والأقليات الأخرى مثل الإيزيديين، في سوريا.

وبينما لا يسعى المتعاقدون العسكريون عادة إلى قتل النساء غير المسلحات، فإن جماعة "أحرار الشرقية"، وهي أحد فصائل الجيش السوري الحر، قتلت السياسية السورية الكوردية، هفرين خلف، في نوفمبر الماضي.

كما ترصد تقارير بشكل منتظم اختطاف "فرقة الحمزة" النساء في عفرين، وهي منطقة في شمال غرب سوريا فرضت تركيا وحلفاؤها في المعارضة السورية السيطرة عليها قبل عامين.

ومع ذلك، يقول بعض المحللين إن الدافع وراء انضمام الشباب السوري لهذه المجموعات ليس التطرف الديني، بل المال، في ظل حرب أفقرت السوريين على مدار عقد من الزمان.

ويقول أورتن "ما من شك على الإطلاق في أن المرتزقة السوريين الموالين لتركيا مدفوعون بالمال. تلعب الأيديولوجية دورا هامشيا".

لكن تركيا تعتمد في الغالب على إغراء المقاتلين بمرتبات مالية مع بعض الدعاية الدينية لمحاربة أعداء غير موجودين أو رفع شعار "الجهاد".

وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية نقلت مؤخرا عن العديد من المرتزقة في محافظة إدلب، قولهم إن قادة عسكريين ووسطاء زعموا أنهم يمثلون شركات أمنية تركية عرضوا عليهم العمل في حراسة مراكز مراقبة ومنشآت النفط والغاز في أذربيجان، في عقود قد تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر.

وعرض الأتراك على المقاتلين 10 آلاف ليرة تركية (حوالي 1200 دولار أميركي) شهريا، وهو مبلغ ضخم للسوريين المحاصرين لعقد في حرب وفقر.

بينما كان المرتزقة في ليبيا يتقاضون راتبا شهريا يقدر بنحو 2000 دولار أميركي، ثم خفضت تركيا المرتب إلى 600 دولار، في وقت مبكر من سبتمبر، لإجبارهم على العودة، بعد إعلان وقف إطلاق النار في أغسطس، بحسب ما ذكر المرصد السوري.

ورغم توثيق الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان انتهاكات الجماعات التي تدعمها تركيا، تواصل الأخيرة استخدام المرتزقة في أكثر من موقع، وكان آخرها معارك جنوب القوقاز، حيث يشتعل الصراع بين أذربيجان التي تدعمها أنقرة وأرمينيا.

ويسلط العدد الكبير لمجموع هذه الفصائل المنضوية تحت "الجيش السوري الحر" الضوء على ما قد تفعله بهم تركيا التي استعانت بالآلاف منهم بالفعل في صد هجوم قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا.

وشكلت تركيا عدة مجموعات قدمت لها كافة أنواع الدعم المالي والتمويل العسكري واللوجستي، كما أنها تدرب عناصرها على يد شركة خاصة تعرف باسم "صادات" التي يقودها عدنان تانريفيردي، "كاتم أسرار" الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والخبير في جميع فنون الحرب المظلمة، بداية من التخريب ومكافحة التمرد إلى الاغتيالات، بحسب ما نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية، الشهر الماضي.

تشكلت لواء السلطان مراد نتيجة اندماج مجموعات "لواء السلطان محمد الفاتح" في ريف حلب ولواء "الشهيد زكي تركماني" ولواء "أشبال العقيدة " مع قوات "السلطان مراد".

ويمثل هذا الفصيل غالبية الجماعات التركمانية المسلحة في ريف حلب الشمالي ومدينة حلب.

وتأسست فرقة الحمزة في أبريل 2016، وانضمت إليها جماعة تركمانية تدعى "لواء سمرقند" نسبة إلى مدينة سمرقند في أوزبكستان.

وكانت إحدى أولى الجماعات التركية التي دخلت مدينة جرابلس السورية عام 2017 من بوابة قرقميش، برفقة الجيش التركي وسيطرت على المدينة، بالتعاون مع الجيش التركي.

وفيلق الشام التي تشكلت في مارس عام 2014، وهو عبارة عن اتحاد 19 فصيلا إسلاميا مقربا من جماعة الإخوان المسلمين السورية في حلب، وإدلب، وحمص، وحماة.

وفي 26 أبريل 2015، انضم فيلق الشام إلى مجموعة من الفصائل، وأسسوا غرفة عمليات "فتح حلب".

ومن مجموعات أخرى تمولها أنقرة هي حركة نور الدين الزنكي، التي تشكلت أواخر عام 2011 في ريف حلب. وفي يوليو 2016 ظهر فيديو على الإنترنت لمجموعة من أفراد هذه المجموعة وهم يذبحون طفلا في الـ 15 من العمر.

وتحالفت الحركة مع هيئة تحرير الشام، التابعة لتنظيم القاعدة، قبل أن تنشب خلافات بينهما، وتتحول إلى مواجهات عسكرية انتهت بانفصالها عن الهيئة.

كما تعتبر الجبهة الشامية هي اتحاد لمجموعات سلفية من مدينة حلب وهي كتائب نور الدين الزنكي، بقايا لواء التوحيد، جيش المجاهدين، الجبهة الإسلامية، تجمع فاستقم كما أمرت، جبهة الأصالة والتنمية، وبقايا حركة حزم ومئات الجماعات المسلحة الأخرى.

جيش النصر وهي عبارة عن مجموعات صغيرة تنتشر في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، تم تجميعها في جسد واحد باسم جيش النصر.

وسبق أن ذكر المرصد السوري أن فصائل "لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال وسليمان شاه" السورية ذهبت إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا.

والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا هو لماذا لم تعتمد أنقرة طريقة أكثر تنظيما للتجنيد تعتمد عليها في حروبها الخارجية وتوسعاتها الاستعمارية من أذربيجان شرقا وحتى ليبيا غربا.

وربما توجد الإجابة في التاريخ العثماني الذي يشمل أمثلة كثيرة على تجنيد تركيا لوحدات أجنبية، مثل قوات "باشي بازوق" العسكرية اللانظامية التي كانت مشكلة من الأفارقة الأتراك.

ثم اعتمد الجيش العثماني على "الانكشارية" التي كانت أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذا، وتتكون من أسرى الحروب من الغلمان.

لكن ربما يكون الوضع مختلفا عند استخدام السوريين هذه المرة، فتركيا الآن أمام مجموعة كبيرة من المسلحين الذين قد يهدد غضبهم تحت حكم أنقرة في الشمال السوري بحرب دامية، وهم غالبا ما يقاتلون بعضهم البعض.

لكن كايل أورتن يُرجع عدم إتباع أنقرة طريقة أكثر تنظيما للتجنيد إلى سياستها الخارجية التي وصفها بـ"الهادئة التي تعتمد على رد الفعل. ولا تبحث عن أماكن للمغامرة، بل تعمل على مواجهة التهديدات في مناطق مختلفة"، على حد قوله.

وفيما يتعلق بما إذا كانت تركيا ستبقي على هذه المجموعات، كما فعلت إيران مع وكلاءها الأجانب، أو أن تحل هذه الجماعات نفسها وتختفي، قال أورتن إن طبيعة والتأثير الإقليمي للميليشيات الإيرانية يختلف عن المرتزقة السوريين المواليين لتركيا.

وأضاف: "ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، سواء كانت حزب الله أو عصائب أهل الحق أو كتائب سيد الشهداء، ليسوا وكلاء، بل هم مرتبطون بفكر وعقيدة الثورة الإيرانية".

وتابع: "إنما يمكن أن نطلق وصف وكلاء على الفصائل السورية الموالية لتركيا، على الرغم من أن المرتزقة لا يزالون الوصف الأكثر دقة، وفي كلتا الحالتين تختلف ميليشيات إيران عن مرتزقة تركيا في طبيعة كل منهما وتأثيرهما الإقليمي".

كما استبعد أن تحل تركيا هذه الجماعات في أي وقت قريب، مضيفا "لا توجد أيضا رغبة فورية في نشرها في مكان آخر".