تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

4 عقود من القمع في إيران

متظاهرون إيرانيون
AvaToday caption
قام "الحرس الثوري" بسحق هذه التحركات خلال يومين فقط، وبناء على التقارير الرسمية تبين قتل ما لا يقل عن تسعة محتجين وستة من قوى الأمن، وتم إعدام أربعة محتجين في ما بعد
posted onOctober 2, 2023
noتعليق

منذ فبراير (شباط) عام 1979، عندما خرجت النساء الإيرانيات إلى الشوارع احتجاجاً على القرار الذي أصدره روح الله الخميني بإلزامية الحجاب في البلاد، وحتى الاحتجاجات الشعبية التي عمت أرجاءها عام 2022 إثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني داخل معتقل "شرطة الأخلاق" في العاصمة طهران، شهدت إيران ولأسباب مختلفة احتجاجات شعبية واسعة، بعضها كان على مستوى البلاد بأكملها، والآخر على مستوى الأقاليم والمحافظات الإيرانية، لكن النظام واجه جميع هذه الاحتجاجات المطلبية بالعنف والقمع الشديدين.

أظهرت قاعدة البيانات التي نشرها موقع "Iran open data" أن النظام قمع ما لا يقل عن 16 احتجاجاً كبيراً في إيران خلال الـ45 عاماً الماضية، وقتل ما لا يقل عن 2400 مواطن في هذه التحركات.

وإذا ما تعمقنا قليلاً في مجريات الاحتجاجات الشعبية في ظل النظام الإيراني الحالي، يتبين لنا أن قتل المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية سلوك تعود عليه النظام.

وبناء على هذا التقرير، فإن النظام الإيراني قمع احتجاجين كبيرين في الأعوام الثلاثة الأولى من تأسيسه وخمس احتجاجات دموية في الثمانينيات واثنين في التسعينيات من القرن الماضي وستة تحركات شعبية واسعة في العقد الأول والثاني من القرن الحالي.

وتظهر التحقيقات التي أجريت والتي نشرها الموقع المذكور أعلاه أن معظم عمليات القتل حدثت أثناء قمع احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019 وخلال تظاهرات سبتمبر (أيلول) عام 2022.

ضد الحجاب الإلزامي

بعد أقل من شهر على تأسيس النظام الحالي في إيران، أصدر روح الله الخميني مرسوم الحجاب الإلزامي مؤكداً أن النساء يجب أن يرتدين الحجاب في الإدارات والأماكن العامة، وفي الثامن من مارس (آذار) 1979، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، خرجت مئات النساء إلى الشوارع احتجاجاً على مرسوم إلزامية الحجاب الذي أصدره الخميني.

خلال هذه التحركات لم يقتل أحد، لكن النظام أوكل مسؤولية التعامل العنيف مع النساء المعارضات للحجاب الإلزامي إلى قوات "حزب الله" التي كانت تعرف آنذاك باسم "لجنة الثورة الإسلامية"، واستمر هذا الوضع لأعوام عدة.

"خلق" وأنصار بني صدر

أول اشتباك وقمع في الشوارع الإيرانية بعد انتصار الثورة الإسلامية حدث بتاريخ 20 يونيو (حزيران) 1981، وفي هذا اليوم خرج أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" وأنصار أبو الحسن بني صدر إلى الشارع احتجاجاً على مشروع طرح في المجلس للنظر في عدم أهلية رئيس الجمهورية.

واستمرت هذه التحركات ليومين متتالين في مدينة طهران وأصفهان ومشهد والأحواز وأراك وزاهدان وسنندج وهمدان وميناء عباس وأرومية، وتحدثت بعض المصادر عن أن عدد القتلى بلغ 30 شخصاً.

 في الـ30 من مايو (أيار) عام 1992، أي بعد نحو عقد من آخر قمع حدث في الشوارع الإيرانية، اشتعلت نيران الاحتجاجات في حي الطلاب الواقع على هامش مدينة مشهد إثر تخريب أحد المنازل هناك، ويمكن القول إنه أول احتجاج شعبي ضد الفقر والمشكلات الاقتصادية العميقة بعد مجيء النظام الحالي.

قام "الحرس الثوري" بسحق هذه التحركات خلال يومين فقط، وبناء على التقارير الرسمية تبين قتل ما لا يقل عن تسعة محتجين وستة من قوى الأمن، وتم إعدام أربعة محتجين في ما بعد.

أحداث قزوين الدموية

في يوليو (تموز) عام 2004، وعندما عارض مجلس النواب انفصال قزوين عن محافظة زنجان، احتج عدد كبير من المواطنين القزوينيين وأغلقوا الطرق العامة، وتولى "الحرس الثوري" مهمة قمع المحتجين ويقال إنه قتل العشرات منهم خلال التحركات التي استمرت نحو ثلاثة أيام فقط.

في ربيع عام 1992، حصل ثاني احتجاج شعبي ضد الأوضاع المعيشية والفقر في البلاد، وهذه المرة تظاهر عدد من المواطنين في إسلام شهر احتجاجاً على ارتفاع أجرة السيارات والفقر والنقص في المياه، وقمعت هذه التحركات من قبل القوات الشرطية و"الحرس الثوري"، وبعد مرور أشهر عدة من حدوثها أعلنت منظمة العفو الدولية أن نحو 10 أشخاص قتلوا على يد القوات الأمنية.

تظاهرات الحي الجامعي

انطلقت شرارة هذه الاحتجاجات في يوليو عام 1999 إثر توقيف صحيفة "سلام"، وفي مساء التاسع من يوليو هاجمت قوات الشرطة والقوى الأمنية حرم جامعة طهران واشتبكت مع الطلاب المحتجين، واستمرت هذه التحركات والقمع من قبل النظام نحو ستة أيام في طهران.

وقامت قوات "الباسيج" والأمن الإيراني في الـ11 من يوليو بقمع الوقفة الاحتجاجية التي نظمها طلاب جامعة "تبريز"، وتحدثت المصادر الرسمية عن مقتل شخص واحد في الحرم الجامعي، بينما أكدت المصادر الحقوقية أن سبعة أشخاص في الأقل قتلوا خلال هذه الاحتجاجات.

إقليم الأحواز

في أبريل (نيسان) 2005، تسربت وثيقة تعود لمكتب الرئيس الإيراني في حينها محمد خاتمي تتحدث عن ضرورة إيجاد تغيير في التركيبة الديموغرافية لعرب الأحواز، لتشعل هذه الوثيقة نيران الاحتجاجات في المدن الأحوازية.

ونفى خاتمي صحة الوثيقة، لكن المواطنين العرب الغاضبين خرجوا إلى الشوارع في مختلف مدن الأحواز وعرفت هذه التحركات بـ"انتفاضة نيسان" وقمعت من قبل القوات الأمنية بعنف شديد، وتحدث المسؤولون الحكوميون عن مقتل شخص واحد، لكن المصادر الحقوقية أكدت أن عدد القتلى لا يقل عن 50 شخصاً.

احتجاجات عام 2009

مهدت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009 لواحدة من أكبر الاحتجاجات وأكثرها دموية في تاريخ النظام الحالي، وبدأت هذه التظاهرات مباشرة بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في طهران وما لا يقل عن 15 مدينة أخرى، واستمرت نحو ستة أشهر.

وكانت مسؤولية قمعها تقع على عاتق قوات الشرطة و"الباسيج" و"الحرس الثوري"، وبحسب تقارير موثوقة، قتل ما لا يقل عن 78 متظاهراً في هذه الاحتجاجات وكان الـ 20 من يونيو وذكرى عاشوراء من عام 2009 أكثر الأيام دموية.

يوم الغضب

تحول الـ15 من أبريل عام 2011 الذي تزامن مع الذكرى السنوية لـ"انتفاضة نيسان" عام 2005 في عدد من المدن الأحوازية ومنها مدينة الأحواز والحميدية والسوس (الشوش)، إلى أكثر الأيام دموية في تاريخ إيران المعاصر وبات يعرف بـ"يوم الغضب" في روزنامة الاحتجاجات الشعبية.

تزامناً مع الربيع العربي، خرجت الجماهير في مدينة الأحواز والحميدية والسوس بأعداد كبيرة، إلا أنها قوبلت برد عنيف من قبل القوات الأمنية والشرطة، وقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً في تلك التظاهرات الشعبية.

وفي أواخر عام 2011، خرجت الجماهير من جديد في هذه المدن الثلاث مطالبة بحقوقها، لكنها قمعت بشدة أيضاً، وتحدثت المنظمات الحقوقية عن مقتل اثنين من المتظاهرين الذين احتجزوا في مراكز الاعتقال التابعة لوزارة الاستخبارات في مدينة الأحواز.

الاحتجاجات المعيشية عام 2017

بعد أشهر قليلة من فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية، تظاهر آلاف المواطنين في مدينة مشهد، حيث احتج المشاركون على الأوضاع المعيشية والأزمات الاقتصادية المزمنة، وسرعان ما توسعت هذه الاحتجاجات، ووفقاً للتقارير الرسمية فإن هناك 160 مدينة في أنحاء مختلفة من البلاد كانت مسرحاً للتظاهرات والتحركات الشعبية.

وقمعت هذه الاحتجاجات مثل غيرها من الاحتجاجات الأخرى بعنف شديد، ولم تقدم المصادر الرسمية إحصاءات عن عدد القتلى أو الجرحى، لكن المنظمات الحقوقية تحدثت عن مقتل أكثر من 50 شخصاً خلال 10 أيام.

قمع دراويش جنابادي

أدت القيود والإقامة الجبرية التي فرضت على زعيم الدراويش نور علي تابندة في يناير (كانون الثاني) من عام 2018 إلى تجمعات احتجاجية متفرقة للدراويش في شارع جلستان في حي باسداران في طهران قرب منزل تابندة.

وبلغت الوقفات الاحتجاجية للدراويش ذروتها في نهاية يناير 2018، وتزامن ذلك مع القمع الشديد الذي تعرض له الدراويش من قبل القوات الأمنية و"الباسيج" والحرس الثوري، في حين تحدثت المصادر الحكومية عن أن القوات الأمنية و"الباسيج" تعرضوا لعملية دهس من قبل الدراويش.

وتوقفت هذه الاحتجاجات في أول فبراير من عام 2018 بعدما تعرض جميع المحتجين للضرب والاعتقال، وقتل خلال هذه الاشتباكات ستة أشخاص منهم ثلاثة من عناصر الشرطة واثنان من قوات "الباسيج" وشخص واحد من الدراويش الجنابادي.

احتجاجات نوفمبر 2019

تسبب ارتفاع أسعار الوقود في واحدة من أكبر الاحتجاجات في إيران، بل أكثرها دموية في تاريخ النظام الإيراني، وهذه التحركات التي اندلعت صباح الجمعة الموافق في الـ15 من نوفمبر 2019، في أكثر من 100 مدينة في إيران تم قمعها من اللحظات الأولى، إلا أن اللافت في الأمر هو أخذ القمع أبعاداً أوسع وأكثر دموية بعدما أوقفت السلطات شبكة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.

وفي تقرير لوكالة "رويترز" نقلاً عن مصادرها، قالت إن عدد قتلى احتجاجات نوفمبر 2019 بحدود الـ1500 قتيل، بينما أفادت المصادر الرسمية الإيرانية بأن عدد القتلى نحو 225 شخصاً، أما المصادر الحقوقية فوثقت مقتل أكثر من 300 شخص على يد القوات الأمنية.

في سيستان وبلوشستان

وفي فبراير 2021، شهدت سبع مدن بلوشية في الأقل، وهي مدينة سراوان وإيرانشهر وقلعة بيد وشورو وزاهدان وسرجنكل وميرجاوه، تظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة قمعت أيضاً على أيدي قوات الأمن والشرطة.

واندلعت شرارة التحركات الإثنين في الـ22 من فبراير 2021، إثر الهجوم العنيف الذي شنه الحرس الثوري على تجار الوقود في منطقة أسكان الحدودية، وفي اليوم التالي نظمت عائلات تجار الوقود وقفة احتجاجية في مدينة سراوان واشتبكوا مع القوات الأمنية والشرطة. واتسعت رقعة الاحتجاجات إلى المدن الأخرى في إقليم سيستان وبلوشستان، لكنها قمعت من قبل القوات الأمنية في الـ27 من فبراير.

وبناء على تقارير المنظمات الحقوقية، فقد قتل 37 متظاهراً وأصيب عشرات المواطنين البلوش في هذه الاحتجاجات، وإذا ما احتسبنا قتلى تجار الوقود الذين قتلوا على يد عناصر الحرس الثوري، فسيصل عدد قتلى احتجاجات سيستان وبلوشستان عام 2021 إلى 51 شخصاً.

احتجاجات المياه في الأحواز

في مايو 2020 ونظراً إلى توقف مشروع إمدادات المياه في مدينة المحمرة (خرمشهر)، أقدم المواطنون على قطع الطريق العام الذي يربط مدينة الأحواز بمدينة رامز (رامهرمز)، وردت القوات الأمنية بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع، وعلى رغم شدة القمع الذي تمارسه القوات الأمنية بحق الأحوازيين، فإن الاحتجاجات الشعبية استمرت. وفي منتصف يونيو 2021، احتج الأحوازيون من جديد وتحولت تحركاتهم التي عرفت في حينها بـ"انتفاضة العطش" إلى واحدة من أكبر التظاهرات على مستوى البلاد.

واتسعت الاحتجاجات وامتدت إلى عدد من المدن والمحافظات الإيرانية الأخرى، حيث كانت 14 مدينة أحوازية و12 مدينة أخرى في البلاد مسرحاً لتظاهرات عامة وحاشدة احتجاجاً على أزمة المياه التي يعانيها المواطنون الأحوازيون، وأفادت التقارير الحقوقية بمقتل ما لا يقل عن 14 مواطناً أحوازياً في هذه الاحتجاجات التي استمرت أكثر من أسبوعين.

مزارعو أصفهان

بعد أشهر قليلة من احتجاجات الأحوازيين على أزمة المياه، وفي نوفمبر 2021، احتج المزارعون الأصفهانيون أيضاً على نقص المياه والأزمة التي تعانيها البلاد، لكن القوات الأمنية والشرطة ردت بعنف وأطلقت الرصاص على المتظاهرين ووصف المسؤولون الحكوميون المتظاهرين بـ"البلطجية والغوغائيين". 

ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد الوفيات في تحركات أصفهان، لكن تقارير أفادت بإصابة عدد كبير من المتظاهرين برصاص "الشوزن".

"المرأة، الحياة، الحرية"

بعد انتشار خبر وفاة مهسا أميني، بدأت الاحتجاجات في أنحاء مختلفة من البلاد، وكانت انطلاقتها من أمام مستشفى "كسرى" في العاصمة طهران، لتنضم مدن وبلدات عدة إلى الحراك الشعبي في غضون ساعات.

وخلال هذه التظاهرات التي عرفت بـ"المرأة، الحياة، الحرية" قمعت القوات الأمنية المحتجين بعنف شديد، ولم تسفر إدانات المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وقادة الدول ومسؤوليها لقمع المتظاهرين في إيران عن أية نتيجة تذكر، وهذه الاحتجاجات التي عمت البلاد كانت الأكبر والأطول والأكثر دموية خلال العقود الأخيرة، إذ قتل ما لا يقل عن 537 مواطناً وأصيب مئات المتظاهرين.