جويس كرم
تنصيب الرئيس إبراهيم رئيسي هذا الأسبوع يأتي على وقع تصعيد إيراني غير مسبوق منذ بداية العام في الخليج، ويطرح بمكانه وأسلوبه وتوقيته أسئلة حول من هو صاحب القرار في طهران؟ ومن يعطي الأوامر الدفاعية؟ ومن يُهمش؟
الاعتداءان على ناقلتين بحريتين في مياه الخليج (ميرسر ستريت وأسفيلت برنسيس) في غضون ستة أيام رسالة لمن في الداخل والخارج بأن الآمر والناهي في السياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية، ليس حسن روحاني وجواد ظريف.
داخلياً، الهجمات والتبني شبه العلني لاعتداء "ميرسر" كرد على ضربة إسرائيلية في سوريا، يعكس حجم ثقة الحرس الثوري الإيراني وهو بمثابة قبلة وداعية لروحاني وظريف اللذين حاولا في الشهور الاخيرة ترطيب التشنج الإقليمي والدخول في مفاوضات مع الرياض عبر العراق، ومع القوى الدولية في فيينا.
حقيقة الأمر أن الثنائي روحاني وظريف لم يملكا يوماً سلطة القرار في إيران، وأي خطوة قام بها وزير الخارجية الإيراني كانت بعد موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي. إنما في السنوات الأخيرة، وكما كشف تسجيل ظريف المسرب قبل الانتخابات الإيرانية، هناك شرخ وتشرذم أكبر داخل سلطة القرار في إيران، وبينه وبين الحرس الثوري وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذين تحركوا عمداً لإضعاف يد ظريف.
خارجيا، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برع في استخدام هذا الانقسام لقطع الطريق على أي تقارب أميركي-إيراني مقابل الإفادة من دور الحرس الثوري في سوريا لحماية نظام الأسد. طبعاً انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 2018 كان هدية للحرس الثوري، الذي ركب موجة محاربة "الشيطان الأكبر"، وأطلق يده إقليمياً وخليجياً.
الانتخابات الإيرانية في يونيو الفائت، التي تم تطريزها على قياس رئيسي، كانت المسمار الأخير في نعش روحاني-ظريف.
ولا عجب أن المفاوضات النووية تقف على شفير الانهيار، وتتعثر بين عودة واشنطن للغة العقوبات، وإسرائيل للهجمات السرية، وطهران لتسريع عجلة التخصيب.
هذا يقودنا لتوقيت وشكل الاعتداءات في مياه الخليج في الأيام الأخيرة. فهل كان رئيسي على علم بها؟ أو هل هناك تنظيمات ودكاكين داخل الحرس الثوري تتحرك على هواها في الإقليم؟
قبل تنصيب رئيسي كان هناك حديث عن مسار تفاوضي بين السعودية وإيران، وإمكانية ارسال الرياض مندوباً لحضور حفل التنصيب.
مصادر غربية رفيعة المستوى تقول إن إيران وفريق رئيسي طلب من السعودية إعادة فتح سفارتها في طهران التي أحرقها محتجون مؤيدون للنظام في يناير 2016. الرد السعودي، بحسب المصادر كان بربط أي مبادرة حسن نية من هذا النوع وبهذا الحجم بخطوة إيرانية في اليمن تساعد في انهاء الحرب.
الخطوة الإيرانية في اليمن جاءت على شكل معاكس بتصعيد من الحوثيين في مأرب، ولحق ذلك الاعتداءات على السفن حول مضيق هرمز. لا مندوب سعوديا في تنصيب رئيسي، ولا تقارب سعوديا-إيرانيا من دون تنازلات سياسية وعسكرية ملموسة.
إنما السؤال الذي يفرض نفسه، هل رئيسي على علم بالاعتداءات في مياه الخليج؟ وهل طلب فريقه من الرياض حضور التنصيب في ظل تصعيد الحوثيين في مأرب؟ أو هل الحرس الثوري، ودكاكينه، يدير سياسة خارجية ودفاعية منفصلة عن الرئيس الحالي والسابق؟
في كلتا الحالتين، وإذا ما كان رئيسي يعلم أم لا، الحرس الثوري يكسب الجولة داخلياً في إيران بفتح جبهاته وعرض عضلاته ضد بحارة لا علاقة لهم لا بالعقوبات ولا بالعزلة الإقليمية لطهران.
المسار الدبلوماسي هو الخاسر الأكبر. فمع تنسيق أميركا وبريطانيا وإسرائيل ورومانيا شكل الرد أو الردود على إيران لضرب الناقلة ميرسر، تتبخر فرص العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات وتتأخر سكة العودة إلى فيينا.
أما التقارب السعودي-الإيراني فلا سكة له من دون تحول جذري في اليمن، واتضاح أي طرف/أطراف تجلس خلف المقود في إيران.