رضا تقي زاده
يعتبر الخفض التدریجي للالتزامات النووية، وتجاهل قرار مجلس الأمن رقم 2231 من قبل إیران، ردًا على انسحاب الولايات المتحدة من "الاتفاق النووي"، سياسة غير مدروسة، حيث إنها لم تجبر الاتحاد الأوروبي على التعاون بشكل أكبر مع حكومة طهران. ولكن، بقصد أو من دون قصد، أجبرت القوى الأوروبية الثلاث الكبرى على تفعيل "آلية فض النزاع"، المعروفة بـ"آلية الزناد"، وهو إجراء سيؤدي إلى استمرار عقوبات الأسلحة التي فرضها مجلس الأمن على إيران والتي من المقرر أن ترفع مرحلتها الأولى في اكتوبر 2020.
وفي هذا السياق، كان حسن روحاني، قد قال يوم الاثنين 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، متفائلاً، إنه بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. ستتمكن إيران من الوصول إلى أسواق الأسلحة العالمية في عام 2020 وأن هذا الحدث سيكون "نجاحًا سياسيًا هائلاً بالنسبة لنا".
وفي حديثه إلى معارضي الاتفاق النووي، أكد روحاني: "عندما يتم رفع العقوبات العسكرية، يمكننا بسهولة شراء وبيع الأسلحة... هذه واحدة من النتائج المهمة للاتفاق النووي".
وفي المقابل، ذكّر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، نظيريه الفرنسي والبريطاني، قبل شهرين، بضرورة الاستعداد لإعادة مجموعة العقوبات المعلقة التي فرضها مجلس الأمن ضد إيران (إطلاق آلية فض المنازعات).
وبعد شهر، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودریان، الذي كان يخاطب الجمهورية الإسلامية، هذه المرة، من أن آلية الزناد ستستخدم ضد إيران إذا استمرت في انتهاك التزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن 2231 المؤرخ 14 يوليو (تموز) 2015.
وفي رده على المواقف الأوروبية الجديدة، زعم عباس موسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، زورًا، أن "الاتفاق النووي لا یسمح لأوروبا باستخدام آلية فض النزاع في ظل الظروف الحالية".
وفي هذا الصدد، قامت وسائل الإعلام القريبة من الحكومة بنشر آراء متسقة مع ما قاله الناطق باسم وزارة الخارجیة، مؤکدة علی "قوة وكرامة" الحكومة وعجز القوى الغربية.
الموافقة على العقوبات
في أعقاب استئناف تخصيب اليورانيوم في فترة حكومة أحمدي نجاد، صادق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في ديسمبر (كانون الأول) 2006، علی فرض عقوبات محدودة على الأسلحة، ضد الجمهورية الإسلامية، وفي العام التالي، بموجب القرار 1747. تم فرض عقوبات على الأنظمة القادرة على حمل أسلحة نووية.
وبعد توقيع اتفاقية 14 يوليو (تموز) 2015 النووية، تم اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2231 بالإجماع، يوم 20 يوليو (تموز) من ذلك العام، والذي ينص على أحكام من شأنها رفع العقوبات عن أسلحة إيران، بعد خمس سنوات من الامتثال للالتزامات الواردة في الاتفاق، والتي دخلت حیز التنفیذ في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، على أن یتم رفع القیود المفروضة علی الصواریخ، بعد ذلك بثماني سنوات، أي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بموجب شروط محددة، وبعد تسلم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أساس كل حالة على حدة.
وعلى عكس الحالات الأخرى لرفع عقوبات الأسلحة التي فرضتها الأمم المتحدة، وبشكل استثنائي، يجب أن يخضع رفع عقوبات الأسلحة الإيرانية لموافقة مجلس الأمن. ولهذا السبب، فإن إجماع الأعضاء الدائمين الذین یتمتعون بحق النقض (الفیتو) في المجلس، له أهمية خاصة.
وتنص الفقرة الـ10 من قرار مجلس الأمن رقم 2231 على ما يلي: "يمكن لدول فرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي وإيران في تنفيذ الاتفاق النووي الشامل ومن أجل حل أي نزاع بالطريقة التي تم إيضاحها في الاتفاق النووي، يمكنها العمل وفقا لتنفيذ الملحقات رقم 3-104 ضمن الاتفاق والوقاية من انتشار السلاح النووي".
ومن هذا المنطلق، فإن الرسالة الواضحة لهذه الفقرة من القرار هي ضرورة وجود توافق بالإجماع لدى الدول المراقبة لتنفيذ الاتفاق النووي فيما يتعلق بالتزام إيران الكامل بتعهداتها المدرجة في الاتفاق وكذلك موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتنفيذ لوائح قرار مجلس الأمن رقم 2231 من قبل إيران قبل إصدار ترخيص بإلغاء عقوبات الأسلحة.
استمرار الحرمان العسكري الإيراني
تنتهي الحدود المائية والبرية الإيرانية على الحدود الوطنية لـ15 دولة مجاورة، وتختلف 8 دول منها مع إيران على رسم الحدود المائية والبرية هذه.
وعلى هذا الأساس، فقد شنت العراق حربا مع إيران بذريعة تسوية أحد هذه الخلافات الحدودية وقد استمرت هذه الحرب 8 سنوات ودمرت 5 محافظات إيرانية وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص.
وفي المقابل، تشارك القوات العسكرية التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني حاليا في الحروب الداخلية التي تندلع في 5 دول بالمنطقة، حيث يأتي ذلك التدخل نتيجة استفزازات الرأي والعقيدة من قبل النظام الإيراني وبذريعة الحضور، فيما تعتبره طهران "الخط الأمامي لمحاربة الاستكبار والصهيونية".
وفي أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات جديدة على إيران والتي أدت إلى تدهور عائدات النفط الإيراني بشكل كبير، قامت الأخيرة وبغية حرمان مصدري النفط الآخرين من مواصلة التصدير، حيث قامت في سبتمبر (أيلول) الماضي بشن حملات على ناقلات النفط والسفن التجارية في مضيق هرمز، وبلغت هذه الهجمات ذروتها في ديسمبر (كانون الأول) إثر استهداف منشآت النفط السعودية التابعة لشركة أرامكو.
هذا إلى جانب الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنتها طهران على قاعدتين أميركيتين في العراق وهو ما يُعتبر أحدث إجراء إيراني في منطقة الشرق الأوسط المتوترة.
يشار إلى أن إيران ومن أجل الدفاع عن نفسها تحتاج إلى إمكانيات دفاعية رادعة وقدرة للحفاظ على توازن القوى مع الدول المجاورة، وإن تهديد الحكومة الإيرانية بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي (إن بي تي) لن يعزز فحسب استمرار عقوبات الأسلحة على إيران بل يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة ضد إيران إذا تصاعدت حدة التوترات الراهنة.
محلل سياسي