Ana içeriğe atla

ما بين اللزوميات والرباعيات

عمر الخيام الشاعر الإيراني
AvaToday caption
كان الخيام رياضيا، وفلكيا، وعالما طبيعيا، وشاعرا وفيلسوفا معا. وآثاره الخالدة شاهدة له في جميع ذلك. فمن جملة تآليفه رسالة في الجبر والمقابلة كتبها في العربية، وقد ترجمت إلى الفرنسية وطبعت في باريس عام 1851
posted onApril 7, 2019
noyorum

محمد الحمامصي

تعد ترجمة الأديب والشاعر اللبناني وديع البستاني لـ "رباعيات الخيام" أول ترجمة عربية لرباعيات الخيام، وقد تبعها العديد من الترجمات من الأصل الفارسي إلى العربي، ومن اللغة الإنجليزية أو الفرنسية إلى العربية، وقد أعادت الدار المصرية اللبنانية أخيرا طباعتها بتقديم د. صلاح فضل، وتحقيق وتعليق د. حمدي النورج. وضمت 40 سباعية "رباعية" مع شروح وتعليقات المترجم، ومقال لمصطفى لطفي المنفلوطي الذي امتدح رباعياتها ومترجمها.

البستاني يعد من أبرز من من قادوا حركة الترجمة والتعريب في النصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى دوره الوطني. ولا تعجز الباحث في أدب وديع البستاني المراجع والتعريفات للوقوف على حالة هذا الأديب الموسوعي القومي.

وحول الخيّام أعماله وعلومه لفت د. النورج في تقدمته أن أول من ذكر الخيام من الفرس تلميذه الشاعر النبيل المعروف بخوجه نظامي، وذلك في إحدى "مقالاته الأربع" حيث يدعوه "حجة الحق" ويجعله في المرتبة العليا بين الفلكيين وأساطين العلم.

وقال "كان الخيام رياضيا، وفلكيا، وعالما طبيعيا، وشاعرا وفيلسوفا معا. وآثاره الخالدة شاهدة له في جميع ذلك. فمن جملة تآليفه رسالة في الجبر والمقابلة كتبها في العربية، وقد ترجمت إلى الفرنسية وطبعت في باريس عام 1851. وله أيضا بضع رسائل أخرى في المساحة والمكعبات تدل على تضلعه من العلوم الرياضية أيما تضلع. ولا غرو فلو لم يكن رياضيا كبيرا، لما كان فلكيا عظيما لدرجة أن انتدبه السلطان ملكشاه لإصلاح التاريخ الفارسي، فأصلحه وتركه يضارع بصحته التاريخ الغريغوري، ومن جملة تصانيفه الفلكية جدول الأرصاد الذي سماه زيجي ملكشاهي نسبة إلى هذا السلطان وقد ذكره صاحب كشف الظنون، وله أيضا عدة تصانيف في العلوم الطبيعية وأخرى في علم ما وراء الطبيعة". 

وأشار إلى أن الخيام كان رياضيا يعالج الأرقام، ويضرب أخماسها بأسداسها، وفلكيا يساهر النجوم ويرصد ثوابتها وسياراتها. ولكن علم الأرقام لم يكن ليشغله عن علم الكلام، ولا كان سير النجوم ليلهيه عن سير الأنام؛ فقد كان في عزلته يستعيد رائد الطرف من مسارح النجوم والأقمار، ويحل عقال الفكر من مشكلات الأتساع والأعشار، وينظر حوله فيرى من الطبيعة نباتا ناميا ونهرا جاريا، وطائرا شاديا، ومن الناس جائرا عاتيا، ولئيما مداجيا، وتقيا مرائيا، فيطرق مفكرا في شأن الإنسان ومصيره، معتبرا بجهله وغروره، فيتراءى له الوجود فانيا، والحاضر ماضيا، والمستقبل حاضرا، فكان بذلك فيلسوفا وشاعرا".

وأكد أن الخيام ولد فيلسوفا، وعاش عيشة الفيلسوف، وشاعرا وعاش عيشة الشاعر، ومات فيلسوفا وشاعرا: والرباعيات هي سفره الفلسفي الجليل، وأثره الشعري الخالد. ولا بد لنا دون تفهم نظرياته الفلسفية، وإدراك خيالاته الشعرية من النظر إلى حاله وحال زمانه نظر المفطور على إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

وقال "كانت الصوفية لذلك العهد في إبان إنتشارها، وكان دعاتها وأتباعهم بين مبتدع بدعة ومؤمن فيها، ومختلق ترهة ومقبل عليها. فكانت ملابس التدين والتقشف تلتبس بوشاح الخشية والتقوى، وكانت أثواب زهدهم وريائهم، تشف عن عريهم من الورع المحمود، وخلوهم من إخلاص العابد للمعبود. وكان الخيام ذا فكر ثاقب، ونفس زكية، فلم تغش بصيرته حجب التضليل، ولا انعقدت لكنته بحجة القال والقيل، فراح يزيف أقوالهم، وينتقد أعمالهم، ويرميهم بالكفر والإلحاد، ويسلقونه بأسنة ألسنة حداد. ولم يكن له إلا أن يحذرهم حذر المسافر من وحوش الوعر وآفات الغدر، إذ ثبت لديه أن الحياة سفر ومسير أوله المهد وآخره القبر".

ورأى د. النورج أن هذه هي حاله وحال أهل زمانه على زعم البعض من مترجميه، وهذا ما إخاله كان دأبه وشأنه، وما أراه مجاريا للرباعيات في مغزاها ومرماها. وقد زعم بعضهم أن الخيام كان فيلسوفا ماديا كلوقريشوس وأنه نظر نظرة في الوجود، فألفى الحياة أمدا معلوما وأجلا مصروما، إلا أنه خالفه في الدعوة، فلم يقل قوله: "كلوا واشربوا اليوم فغدا تموتون" بل قال: اسكروا وتناسوا هموم الحياة، واغتنموا الفرصة قبل الفوات. ودليلهم في ذلك إكثاره من ذكر الخمر والكأس في رباعياته.

وزعم آخرون أن الخيام كان صوفيا، بحتا وأنه كان يتغزل بالخمر تغزلا، ويريد بها العزة الإلهية، شأن الفارض من شعراء العربية وحافظ من شعراء الفارسية.

 

رباعيات عمر الخيارم

 

وتساءل هل كان الرجل سكيرا متهتكا، أم فيلسوفا نزيها عفيفا؟ وقال إن هذا السؤال كثرت الأجوبة عليه، والويل من كثرتها، ومشكلة عالجها كثيرون ولم يوفقوا إلى حل عقدتها. وهنالك القائلون إن الرباعيات منسوجة على منوال اللزوميات، وأن الخيام تلميذ أبي العلاء في أفكاره، وخلفه في مبادئه وآرائه. ولا شك أن أوجه الشبه بين أقوال الرجلين كثيرة واضحة، ووجه الاحتمال جلي ظاهر. فقد كان عمر ضليعا من العربية وعلومها وآدابها، بل كان يؤلف وينظم فيها. ولكن ذلك لا يسوغ لنا اتهام شاعر الفرس بسرقة أفكار شاعر العرب، فإن القول المشترك بينهما تصوير حقائق وحجج وبراهين عقلية، مصوغة في قوالب شعرية، وليس من قبيل الاستعارات والكنايات وضروب البديع الخيالية، التي لا فخر إلا لمبتكرها والسابق إليها. وإذا اقتصرنا في الحكم على اعتبار التقدم والتأخر زمانا، فلا يسعنا إذ ذاك إلا أن نعري حتى المعرى من فضله ونتهمه بالأخذ عمن سبقه من فلاسفة اليونان والرومان المتقدمين.

وأكد أن من يقارن بين اللزوميات والرباعيات يرى أن صاحب الأولى وصاحب الثانية يرميان إلى أغراض متقاربة متشابهة؛ فكلاهما يقول بخلع ثوب الرياء، واطراح البدع وترهات، وتحكيم العقل في أمور الدين، وكلاهما يدعو إلى الزهد في متاع الدنيا واحتقار حطامها، ويشدد النكير على ظلامها وطغامها؛ وكلاهما ألمع إلى النظرية المادية التي تناولها فلاسفة القرن التاسع عشر وعلماؤه، وراحوا يؤيدونها بأبحاثهم واكتشافاتهم. أريد تلك النظرية المضمنة قول أبي العلاء:

والذي حارت البرية فيه ** حيوان مستحدث من جماد

من الرباعيات

لا على الكون بل علينا الباس

حين يرخي ذاك الحجاب فناسوا

بعدنا مثلنا نسوا أو تناسوا

ذكرنا ـ آه ما الوجود بدار

 لم تكن قبلنا بذات افتقار

لا ولا بعدنا تتيه افتخارا

بالذي دونه جرعنا الصابا

***

صاح هذي قوافل الأيام

مشرعات بنا إلى الإعدام

فتملص من ربقة الاهتمام

لغد فيه سوف يبكى علينا

وقليل من الزمان لدينا

فاغتنمه واسكب وهات وخذها

وانتهب فرصة البقاء انتهابا

***

نفس بين شكنا واليقين

نفس بين كفرنا والدين

كم نفيس غال وكم من ثمين

دونه قيمة فقم نتمتع

قبلما ينزل القضاء ويقطع

بين هذي الحياة والموت صاحي

نفس واحد يبت اقتضابا.