Ana içeriğe atla

أفكار حول السلطتين التنفيذية والتشريعية لجون لوك

السلطة التشريعية في إنجلترا
AvaToday caption
يقسم لوك هذه السلطة المشتركة إلى ثلاث: تشريعية وتنفيذية واتحادية. ويحدد أن لهذه السلطة، وحدها، الحق في وضع القوانين وصنع الحرب والسلام
posted onJuly 16, 2023
noyorum

هي في نهاية الأمر أربعة أسماء لمفكرين أوروبيين غالباً ما تذكر متواكبة مع بعضها البعض، وأحياناً بالتواكب مع أسماء أخرى بوصفها أسماء لمفكرين أوروبيين ينتمون إلى زمن واحد حاملين أفكاراً تبدو في المحصلة النهائية واحدة وتدل الإنسان، ولا سيما الفرد، على طريق التقدم والسعادة. أما الأربعة الذين يشكلون تلك "النواة الصلبة" فهم الفرنسي جان جاك روسو والألماني غوتفريد ليبنيتس والاسكتلندي دافيد هيوم والإنجليزي جون لوك. ومع ذلك ثمة تفاوت في تواريخ ولادتهم وحتى في أفكارهم إن وصلنا إلى التفاصيل، بل حتى في تقنيات فلسفاتهم حتى وإن كانت تجمع بينهم قواسم فكرية – أخلاقية مشتركة تدور من حول تصور الدولة المدنية والتسامح ودور الفرد في المجتمع وحكم ذلك المجتمع. ومع ذلك لم يكن ممكناً أن يلتقي لوك (1632 – 1704) هيوم (1711 – 1776) مع إمكانية لقائه ليبنيتس (1646 – 1716) وإن كان هيوم قد التقى روسو (1712 – 1778) بل صحبه هذا الأخير معه إلى فرنسا ليحميه من تعسف سلطات بلاده، فانتهى الأمر بأن اتهم هيوم روسو بضلوعه في مؤامرة للتخلص منه! لكن جوهر الأمور لم يكن هنا بالطبع، بل كان في الفكر الذي جمع الأربعة معاً في زمن متقارب؛ هم الذين لا بأس من الإشارة إلى أنهم جميعاً عرفوا سبينوزا وساروا بعض الشيء على هدى أفكاره. وهو ما يمكن أن يقال أيضاً عن فولتير وحتى عن التنويريين الفرنسيين عموماً.

ففي النهاية يمكننا القول إن ما جمعهم معاً ولو بصورة افتراضية إنما كان التنوير نفسه الذي لئن كان سينبعث عملياً من خلال الثورة الفرنسية ويعيش على رغم كل أخطائها وخطاياها، فإنه سينتشر في العالم أكثر حين ورثه الألماني إيمانويل كانط (1724 – 1804) وغيره من "ورثته" الكبار من هيغل إلى شيلنغ وغيرهما. ولئن كان لكل واحد من هؤلاء جميعاً ورثته ومريدوه وكتبه التي أوصلت العالم إلى عقلانية القرنين التاسع عشر والعشرين، لا شك أن جون لوك يظل في مقدمتهم حتى ولو ليس في مجال الفلسفة التقنية وبعدها التأملي، بل في مجال الفلسفة السياسية العملية وأحياناً كنقيض لمواطنه توماس هوبس. ويبدو أن علينا هنا وقد أثقلنا هذه العجالة بزحام الأسماء، أن نكتفي بالتوقف عند جون لوك معتبرينه الأكثر تسييساً وتنويرية ودفاعاً عن الإنسان والتسامح بينهم جميعاً، ومن دون أن تفوتنا الإشارة إلى أنه يكاد يكون المعبر عن أفكارهم أو الممهد لها بحسب ما يجمع مؤرخو الفلسفة الآن. هو الذي ربما كان من أكثرهم، على أية حال، خوضاً للسياسة العملية دافعاً في سبيل ذلك أثماناً باهظة. وحسبنا هنا أن نذكر عناوين كتبه الرئيسية الثلاثة كي ندرك مبرر توقفنا عنده، مكتفين به إمارة عن الباقين: "رسالة في التسامح" (1689)، "مقالات في التفهم الإنساني" (1690) و"دراستان في الحكم المدني" (1690).

صحيح أن هذه العناوين قد تدفعنا إلى إدراك أننا بالفعل أمام نصوص في الفلسفة السياسية أكثر مما نحن في إزاء نصوص فلسفية، لكن فلسفة التنوير كانت كذلك في تلك الأزمان المتقلبة قبل أن تستعيد الفلسفة علميتها وتقنيتها لاحقاً، وبعد قرون من غرق أرسطو وأفلاطون في السياسة كمهمة للفيلسوف سيكون ماركس في واحدة من أطروحاته حول فيورباخ رائداً لاستعادتها حين سيكتب أن "مهمة الفلاسفة حتى الآن كانت تأمل العالم، أما من الآن وصاعداً فإن عليهم أن يغيروه". ترى أفلم يكن جون لوك يعني شيئاً من هذا القبيل بكل وضوح حين كتب في "رسالة في الحكومة"، وتحديداً في رد ما على توماس هوبس و"تنينه": "... ويعلم العقل الذي هو ليس سوى القانون الأسمى، كل البشر إذا استشاروه أنهم إذ كانوا جميعهم متساوين ومستقلين فإنه لا ينبغي أن يوقع أحدهم ضرراً بالآخر يلحقه بحياته أو صحته أو حريته أو ممتلكاته. ولما كنا جميعاً مزودين بملكات متشابهة ونتشارك كلنا في مجتمع طبيعي واحد، فإن ليس لنا أن نفترض أي خضوع بيننا يجعل لنا سلطة أن يحطم بعضنا البعض الآخر، كما لو كان البشر قد خلقوا لتحقيق مآرب الآخرين، مثل أدنى الحيوانات التي إنما خلقت من أجلنا...".

ومن هنا ينطلق لوك إلى طرح السؤال الأساسي الذي دائماً ما شغل باله: كيف يمكن للبشر أن يعيشوا معاً في سلام دائم؟ وهو يرى أن البشر كي يصلوا إلى ذلك يتعين عليهم أن يبارحوا ما يسميه حال الطبيعة التي تجعلهم يعيشون عيش حيوانات الغابة يُخضع قويّهم ضعيفهم. فإن فعلوا ذلك وكوّنوا مجتمعاً، لا بد لهم من دولة تسود عليهم جميعاً وتخلصهم من "نظام يقوم على سلطة تنفيذية يمارسها كل فرد بحسب قوته وتبعاً لقوانينه الخاصة". وتكون – تلك الدولة – نتيجة تضافر قانون عقلي "به يصل الناس إلى اتفاق جماعي يقبلون به كلهم" وتتفرع عنه قوانين عملية "ضرورية لضمان الحرية الفردية"، وينتج هذا بالطبع عن "توافق الناس على العيش في مجتمع مشترك تنظمه سلطة تنفيذية مشتركة قائمة على تنفيذ القانون الطبيعي ولكن هذه المرة لمصلحة كل الأفراد"، ويقسم لوك هذه السلطة المشتركة إلى ثلاث: تشريعية وتنفيذية واتحادية. ويحدد أن لهذه السلطة، وحدها، الحق في وضع القوانين وصنع الحرب والسلام. وصحيح هنا أن لوك لم يتحدث عن احتكار السلطة – التي هي في نهاية الأمر الدولة – للعنف في المجتمع من طريق قواها الأمنية التابعة للرأي السياسي، لكن كل نصوصه تحيل إلى ذلك المعنى الذي بات من العلامات الأساسية للفكر السياسي الحديث.

ولكن من يحكم تلك السلطة التي حتى هنا يبدو وكأن لوك يمنحها سلطات متكاملة قد تكون دكتاتورية: من يحكمها إنما هو السلطة التشريعية التي يعتبرها المؤلف السلطة العليا لأنها هي التي تسن القوانين الملزمة "التي يجب على السلطة التنفيذية أن تنفذها وتفرضها بالقوة" فإذا انتهكت هذه الأخيرة "الأمانة الموضوعة في عنقها فلن يكون هناك أي التزام نحوها ويمكن عزلها؟". ولكن ماذا إن انتهكت السلطة التشريعية من ناحيتها تلك الأمانة الموضوعة في عنقها؟ "سيكون على الشعب عندذلك التحرر من أي التزام حيالها والعمل بالتالي على عزلها". غير أن لوك كان يرى أن ذلك نادراً ما يمكن أن يحدث لأن السلطة التشريعية ستكون منتخبة من الشعب ومسؤولة أمام العناية الإلهية، فإن فعلت على رغم ذلك كله "سيكون من حق الشعب أن يحل الهيئة التشريعية لينتخب أخرى مكانها". ولهذا السبب يوضح لوك أن "من المرغوب فيه أن تنتخب السلطة التشريعية لفترة محددة من الزمن ليعاد انتخاب غيرها بعد انتهاء فترة انتدابها". ولا يفوت لوك أن يوحي في هذا السياق بأن ليس من سبيل جدي لوجود أي تناقض بين هذه المنظومة التي تبدو لنا هنا بديهية - على ضوء التطورات التي طرأت على مجالات الحكم خلال القرنين التاليين لتدبيج لوك نظريته -، وبين النظام الملكي خاصة إن كان نظاماً ملكياً دستورياً، كما بينها وبين النظام الديمقراطي. ففي الحالتين لا بد للمجتمع من أن يحكم تبعاً لإرادة الغالبية وعلى كل فرد أن يلتزم رأي الغالبية "وذلك لأن الإجماع مستحيل".

والحقيقة أن من يطلع على نظريات لوك هذه قد يدهشه "تسامحه في هذا السياق مع النظام الملكي"، لكن دهشته ستزول حين يدرك كيف أن سيرة حياة هذا المفكر تخبرنا أن جزءاً كبيراً من تفكيره السياسي في ذلك الحين إنما كان موضوعاً تحت رعاية الكونت شافستسبري الذي كان ذا نفوذ كبير في بلاط الملك الإنجليزي تشارلز الثاني، بيد أن نزوع هذا الأخير إلى الملكية المطلقة جعل الكونت يتحول إلى المعارضة ما اضطر لوك للجوء إلى فرنسا، ثم إلى روتردام بعد عودة قصيرة إلى لندن. ومن روتردام راح يشتغل لمصلحة وليام أوف أورانج (وليام الفاتح)، الذي سيعود في ركاب غزوه إنجلترا لينشر دعوته الديمقراطية في ظل ملكية دستورية تنويرية آنسها لدى سيد إنجلترا الجديد... والبروتستانتي تحديداً... وبالتالي راح مفكرنا ينشر كتبه الرئيسية مستنداً إلى دعم وليام له في مشروعه الذي عبرت عنه كتبه الثلاثة الأساسية التي ذكرنا...