د. شاكر نوري
جاء بومبيو حاملاً ملفات ساخنة تخص الطرفين الأمريكي والعراقي، في ظل طمأنة الطرف الأمريكي على "أهمية العراق كشريك استراتيجي في المنطقة"، هذه الاستراتيجية غير الثابتة أو غير المستقرة تجعل العراقيين يرتابون من احتمال سحب 5200 جندي أمريكي، متمركزين في قواعد مختلفة في العراق على غرار الانسحاب السوري، ولكن كل ذلك يقع في دائرة المخاوف ليس إلا، وهذا ما دفع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى طمأنة الجانب الأمريكي بـ"حرص العراق على استقرار المنطقة وإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والصديقة ودول الجوار»، لأن العراق لا يزال يتخوف من الانسحاب الأمريكي المفاجئ، خشية استفحال تنظيمات "داعش" من جديد، وامتدادها من سوريا إلى العراق، لأن جيوب هذا التنظيم لم تنته بعد، ولا تزال منتشرة هنا وهناك، ويحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي بسبب بنيته الهشة في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي "داعش" الذي هُزم عسكرياً ولكنه لا يزال يشكل خطراً.
تدرك الولايات المتحدة غليان المنطقة من خلال خبرائها ومستشاريها، وهي غير قادرة على حل الملفات الشائكة في ظروف نهوض قوى عراقية بدأت تطالب بانسحاب الأمريكيين وإلغاء الاتفاقية الأمنية من جهة أخرى، وبالتزامن مع زيارة بومبيو إلى بغداد تبادل «ائتلاف النصر» -الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي و«ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي- الاتهامات بشأن الوجود الأمريكي في العراق بعد عام 2014.
إن زيارة دونالد ترامب السرية للعراق كشفت عن حقيقة الصلاحيات التي منحتها الحكومة العراقية للقواعد الأمريكية التي تتعارض مع أبسط مقومات السيادة العراقية، لذلك يحاول "ائتلاف النصر" التخلي عن المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية التي أخلّت بها حكومة العبادي أمام الرأي العام، وأمام هذا التصعيد لا تمتلك الولايات المتحدة سوى إعادة ترتيب أوراقها من جديد.
وفي هذا المجال، يبرز ملف إيران بشكل واضح، خاصة بعد الأزمة التي تواجهها إثر العقوبات الأمريكية، التي خلخلت الاقتصاد الإيراني، وعلى هذا الأثر كان لا بد من زيارة بومبيو من أجل بث الحياة في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، والبحث مع حلفائها وشركائها للضغط على إيران التي تتغول في تطوير أسلحتها النووية والتي تهدد المنطقة بأسرها.
وتأتي هذه الجولة في وقت تتزايد فيه الشكوك بشأن التزام الولايات المتحدة بقضايا المنطقة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا، وجاء بومبيو ليهدئ قلق الحلفاء في المنطقة، وإعادة البريق للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ولكن سياسة البيت الأبيض في الشرق الأوسط لا تعرف الاستقرار في الرؤية والخطط المستقبلية؛ لأنها تعتمد على ما يُستجد من أوضاع.
تُشكل إيران خطراً على المنطقة في نظر الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في ظل ظهور قيادات شيعية عراقية تدعم إيران لإخراجها من أزمتها وإنقاذها من العقوبات الأمريكية.
لم يعد هناك طرف سياسي عراقي موحد تتعامل معه الولايات المتحدة؛ لأن هذه القوى تشظّت إلى قوى مختلفة في الرؤى والآفاق، وبعضها يستمد قوته من إيران، وهكذا تدرك الولايات المتحدة العلاقة العميقة بين إيران والقوى العراقية المناصرة لها إيديولوجياً ودينياً وفكرياً، وهذه القوى تطالب بانسحاب هذه القوات من العراق.
ويركز بومبيو في أجندته على موضوعين؛ هما داعش وإيران، وأخطارهما المحدقة بالمنطقة والعراق بالذات، ويواصل العراق علاقاته مع إيران، ويطالب باستثنائه من العقوبات فيما يتعلق باستيراد الغاز والكهرباء، بينما طالب وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري العراق بـ"قطع اعتماده الطاقة على إيران وفتح هذا القطاع أمام الاستثمارات الأمريكية"، ولكن لا شيء في الأفق يشير إلى فاعلية هذه الاستثمارات، وتسعى الولايات المتحدة إلى ربط تواجدها العسكري مع إعادة الاستقرار والإعمار.
ومهما كانت الظروف، فإن زيارة المسؤولين الأمريكيين إلى العراق لا تزال تثير الجدل في الأوساط العراقية، حيث يطالب العديد من السياسيين العراقيين بضرورة ألا تتحلى الزيارات المستقبلية بالسرية والمفاجأة.
يبدو أن العلاقات بين البلدين تشوبها بعض الغموض؛ لأنها لا تعتمد على المصالح المشتركة، بل تتعمد الإدارة الأمريكية على معاملة العراق باعتباره بلداً غير مستقل وليس ذا سيادة كاملة.