باشر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تنفيذ وعوده التي قطعها للجمهور، وأبرزها استعادة هيبة الدولة وفرض القانون ومواجهة الميليشيات الموالية لإيران، وذلك من خلال عمليات متزامنة في البصرة وبغداد لضبط السلاح المنفلت وتطويق عصابات التهريب والجريمة المنظمة.
يأتي هذا في الوقت الذي بات فيه الكاظمي يراهن على رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الجنرال عبدالوهاب الساعدي، صاحب الشعبية الكبيرة، في قيادة مهمة استعادة هيبة الدولة وهزيمة الميليشيات.
وخلال الشهور القليلة الماضية، شاع انفلات السلاح في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وازدادت عمليات القصف الصاروخي للمطارات ومقرات البعثات الدبلوماسية، فضلا عن اختطاف مواطنين عراقيين وعرب وأجانب ومقايضتهم بالمال، فيما تحولت الاشتباكات العشائرية المسلحة إلى صداع في رأس السلطات العراقية.
ويرتبط معظم هذه الأنشطة السلبية بالنفوذ الإيراني داخل العراق، حيث تحتكر جماعات شيعية تديرها طهران تجارة السلاح والمخدرات وأنشطة التهريب والخطف والمساومة، لتوفير أموال تساعدها على إدامة أنشطتها، وكذلك ضمان عدم استقرار الوضع الأمني بهدف إقلاق الحكومة باستمرار.
وانطلقت القوات العراقية فجر السبت في كل من بغداد والبصرة، وهما من أكبر معاقل الميليشيات وعصابات التهريب والجريمة المنظمة، في عمليتين منفصلتين، أسفرتا عن القبض على مطلوبين وتحرير مختطفين وضبط أسلحة ومعدات تفجير.
وأكد وزير الداخلية عثمان الغانمي، السبت، أن فرض هيبة الدولة وإنفاذ القانون واجب وطني، متعهدا بـ”نتائج إيجابية” في عمليات ضبط الأسلحة غير المرخصة.
وقال إن ما تقوم به الأجهزة الأمنية من عمليات استباقية لإلقاء القبض على المطلوبين وضبط الأسلحة غير المرخصة ستكون له نتائج إيجابية في الشارع العراقي.
من جهته، قال اللواء تحسين الخفاجي الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية إن “السلاح يجب أن يكون بيد الدولة، وألّا يعبث أحد بأمن وسلامة المواطن والقانون” ، مؤكدا أنه ستتم ملاحقة كل من يقوم بتهديد أمن المواطن .
وتداول العراقيون فجر السبت أنباء تدفق قوات جهاز مكافحة الإرهاب، التي يقودها الجنرال المحبوب عبدالوهاب الساعدي نحو قلب بغداد، حيث توجهت إلى منطقة “حسينية المعامل” شرق العاصمة، إحدى أبرز معاقل الميليشيات الإيرانية في البلاد.
وشهدت هذه المنطقة، قبل أيام، مواجهة مسلحة كبيرة بين عشيرتين، بسبب خلافات، فيما قالت مصادر استخبارية إن ميليشيات على صلة بإيران أمدت إحدى القبيلتين بالسلاح والذخيرة لإشاعة الفوضى في المنطقة.
وقالت قيادة العمليات المشتركة، أرفع سلطة عسكرية ميدانية في البلاد، إن “العملية الأمنية في حسينية المعامل رسالة واضحة بعدم السماح بتهديد أمن المواطن”، مؤكدة أن “السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وألّا يعبث أحد بأمن وسلامة المواطن”
وتعهدت العمليات المشتركة بملاحقة “كل من يقوم بتهديد أمن المواطن”.
وأسفرت عملية حسينية المعامل عن “القبض على 3 أشخاص بتهمة حيازة أسلحة متوسطة وعجلات غير قانونية، وضبط رشاشتين متوسطتين، و121 بندقية و17 مسدسا و8 رمانات يدوية و3 أجهزة اتصال و70 مخزن بندقية وعتاد مختلف، فضلا عن 11 هاتفاً يستخدم لتفجير العبوات، كما تم ضبط دروع جعب صدرية مختلفة مع ناظور، وعجلتين دون مستمسكات”.
وفي عملية منفصلة داخل بغداد، حررت قوة من الأمن الوطني مختطفا أردني الجنسية، كان يعمل مديرا لفرع شركة مرسيدس في العراق.
وتمت عملية التحرير في حي القاهرة، شرق بغداد، وهو من بين الأحياء التي تتخذها ميليشيات متنفذة، مقرا لها.
وخلال العملية، ضبطت القوات الأمنية معدات عسكرية غير مصرح للمدنيين استخدامها.
وتقول مصادر إن القوات العراقية توغلت حرفيا في داخل وكر الميليشيات التابعة لإيران، شرق بغداد، من دون أن تواجه مقاومة تذكر، لكنها لم تعبر بعد الخطوط الحمر، التي لا يسمح لها بتجاوزها.
وتضيف المصادر أن نوعية السلاح والذخيرة التي صودرت في عملية بغداد، توحي بأن الأهداف ليست كبيرة، لكنها تكشف عن اقتراب القوات العراقية كثيرا من عرين “عش الدبابير” الإيراني، شرق العاصمة.
ويقول مراقبون إن الزج بقطعات جهاز مكافحة الإرهاب، مرهوب الجانب، في هذه العملية، يكشف استعداد الكاظمي لاستخدام قواته الضاربة في إخماد أي تمرد داخلي.
وفي البصرة الغنية بالنفط جنوب البلاد، حيث تتميز الميليشيات المسلحة بشراسة فائقة بسبب الاتصال الجغرافي المباشر مع إيران، داهمت القوات الأمنية عددا من المواقع “بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والقبض على المطلوبين ونزع الأسلحة غير المرخصة”.
وأسفرت العملية التي انطلقت فجر السبت، عن إلقاء القبض على 10 من المطلوبين وفق مواد قانونية مختلفة، وحجز أنواع مختلفة من الأسلحة.
وأكدت العمليات المشتركة “تحقيق نتائج مهمة خلال عمليات الوعد الصادق في البصرة”.
وكان الكاظمي تعهد منذ توليه مهام عمله بالعمل على فرض القانون وملاحقة الميليشيات. وحث، الخميس، قوات الأمن على إنهاء ظاهرة “السلاح المنفلت”، والعمل على فرض هيبة الدولة. ولا توجد أرقام رسمية عن حجم الأسلحة غير المرخصة التي تعمل الحكومة على مصادرتها.
ويتوقع مراقبون أن تتصاعد هذه العمليات تدريجيا، لحين وصول القوات العراقية مستوى الجاهزية التامة، ما يمكّنها من خوض مواجهة واسعة ومباشرة مع أتباع إيران في العراق، وهو أمر قد يطول انتظاره، وربما يصعب تحقيقه في شكله الكلي.