فاروق يوسف
لقد قيل إنه كائن ميت. وقيل أيضا إنه ليس ميتا وليس حيا. أي أنه بين بين. كما أنه يعيش بطريقة مجازية على السطوح لأوقات متفاوتة حسب نوع السطح. تلك نظرية فرضت على البشر استعمال القفازات والمواظبة على غسل اليدين. غير أن هناك نظرية أخرى تقول إنه ينتقل عن طريق الهواء فقط وهو ما يعني أن الاقتراب من شخص مصاب هو وحده ما يشكل خطرا. تلك نظرية تحث على استعمال الكمامات.
في المحيط الاجتماعي وبعد أنباء الموت الجماعي المروّعة صار الحذر هو الغالب. يمكنك أن تخرج من البيت من غير قفازات لكن بشرط أن لا تمسّ شيئا. تقفز بين درجات السلم مثل عصفور وحين تصل إلى الباب ستكون عاجزا عن فتحه بأصابعك. تلك مشكلة يمكن تداركها من خلال استعمال المناديل الورقية. أما حين تتسوق فعليك أن تضرب بأصابعك على شاشة الشراء لكي تتمكن من دفع ثمن مشترياتك. ستكون هناك مجازفة يمكنك عبورها حين تعود إلى البيت وتغسل يديك حسب تعليمات منظمة الصحة الدولية.
أما بالنسبة للكمامات فإن استعمالها ليس يسيرا. منذ أن حللت في لندن وأنا أرى صينيات وصينيين وهم يرتدون الكمامات أثناء تنقلهم عبر قطار الأنفاق. كنت حينها أشعر بالاختناق بسبب ما تتركه صورهم من أثر نفسي علي. ولمناسبة انتشار الوباء جربت استعمال الكمامة وفشلت. لذلك حرصت على مسافة تبعدني عن الآخرين الذين صار علي أن أتعامل معهم باعتبارهم مرضى. تلك ظاهرة ستقود في ما بعد إلى جنون جماعي.
ولكن الفجيعة تكمن في مكان آخر.
كانت ووهان هي المدينة التي انطلق منها الفايروس ليصول ويجول بين مختلف أنحاء العالم. لقد حمله المسافرون معهم بالخطأ إلى بلدان عديدة. ستكون مساءلة الصين قضية معقدة. لن تربح الصين تلك القضية ولكنها لن تخسرها. يوم ظهرت الإصابات الأولى بالمرض المميت كان كل شيء غامضا ويمكن للصين أن تجد في ذلك الغموض عذرا. غير أن ما فعلته إيران في مرحلة ما بعد اكتشاف الوباء لا يمكن السكوت عليه. لقد ساهمت دولة الولي الفقيه بحكم سيطرة ميليشياتها في نشر الفايروس في دول، كانت حكوماتها قد منعت السفر من وإلى إيران.
قامت شركة طيران ماهان وهي واحدة من شركات الحرس الإيراني المشمولة بالعقوبات الأميركية بنقل الفايروس إلى العراق ولبنان وسوريا ودولة الإمارات من خلال رحلات عديدة في الوقت الذي كانت فيه الحكومات في تلك الدول قد أغلقت الحدود الجوية مع إيران. ذلك ما يجب البحث عن أسبابه.
كان الفايروس يسافر إذا في سياق سياسة إيرانية مخترقا حدود دول، وقعت ضحية للاستقواء الإيراني. غير أن ما يصعب القبول به أو تصديقه أن شركة ماهان قد سيرت رحلات عديدة من إيران إلى دولة الإمارات. ما هو مؤكد أن طائرات تلك الشركة قد حطت مرات عديدة في مطاري النجف ورفيق الحريري وهي تحمل الفايروس من غير أن يكون مسموحا للسلطات الصحية بأن توقفه لكي تتمكن من احتوائه.
ما فعلته إيران لا يقل عما فعلته الصين على مستوى خدمة انتشار الفايروس. الفرق بين الدولتين يكمن في أن الصين قد تجد في الجهل حجة للتهرب من المساءلة وهو ما لا تملكه إيران. فالأخيرة قامت بنشر الفايروس في كل بلدان الشرق الأوسط والخليج العربي عن قصد مسبق.
لقد أصرت إيران على نقل مرضى مصابين بالفايروس اللعين إلى العراق طمعا في الشفاء بتقربهم من الأضرحة الدينية أو أن يقع موتهم على الأراضي المقدسة بالنسبة لهم. وهو ما أدى إلى أن تكون النجف واحدة من أكثر المدن العراقية تعرضا لهجمات الفايروس. أما في لبنان فقد كان الفايروس الإيراني يهبط برعاية حزب الله. وهو ما حدث في سوريا واليمن.
جريمة إيران تكمن في أنها لم تتستر على الفايروس مثلما تؤكد التهمة الموجهة إلى الصين بل إنها قامت بدور الموزع للوباء بأسلوب الـ”ديلفري”. وهو ما يعني أنها كانت تعرف ما الذي تنقله إلى زبائنها الذين قُدر لهم أن يقعوا تحت هيمنة ميليشياتها المسلحة.
كاتب عراقي