يتحمل الشعب الإيراني من جديد عواقب رعونة النظام السياسي لبلاده وتحديه للمجتمع الدولي وعدم احترامه لمبدأ بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع دول المنطقة.
ويجد الشعب الإيراني نفسه في مواجهة عقوبات أميركية على صادرات النفط الإيراني من شأنها أن تزيد سوء الأوضاع المعيشية تحت نظام يكرس جميع عائداته المالية من النفط في تقوية شوكة الحرس الثوري الإيراني ودعم الميليشيات المسلحة في أكثر من دولة عربية.
وبعدما دفعوا غاليا ثمن العقوبات الاقتصادية الأميركية على بلادهم جراء البرنامج النووي، يستعد الإيرانيون لأيام أقسى بعد إعلان تشديد هذه العقوبات في مجال النفط.
ويقول مراقبون في هذا السياق أن هذه العقوبات من شأنها أن تعزز درجة سخط الشارع الإيراني حيال سياسات الدولة الاقتصادية، حيث سبق أن اندلعت احتجاجات واسعة في أكثر من مدينة إيرانية طالبت بإسقاط النظام.
وتؤكد المصادر ذاتها أن الشارع إذا تحرك اليوم على وقع هذه العقوبات لن تتمكن السلطات الأمنية من قمع هذه الاحتجاجات التي ستكون أكثر حدة من سبيقاتها.
ويقول مدرس (28 عاما) في بازار تجريش شمال طهران "في النهاية، الشعب هو الذي يعاني جراء الضغط الذي تمارسه" الولايات المتحدة.
ويضيف الشاب الذي يرفض كشف هويته أنه منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية العام 2018 "ثمة أناس تنهار أعمالهم، ومن لا يزالون صامدين لن يناضلوا أكثر على الأرجح حين تسوء الأمور".
ففي 2015، أحيا توقيع الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني الأمل في إيران بنهاية قريبة للعزلة الاقتصادية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية منذ أعوام.
لكن آمال الإيرانيين سرعان ما تبددت حين قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2018 أن ينسحب في شكل أحادي من الاتفاق، معتبرا أنه لا ينطوي على أي ضمان قوي يحول دون امتلاك إيران القنبلة النووية.
وكانت النتيجة إعادة فرض العقوبات الأميركية التي كانت رفعت بموجب الاتفاق، والبدء بحملة "ضغط قصوى" على طهران.
وتصاعد هذا الضغط الاثنين مع إعلان واشنطن أنها ستنهي اعتبارا من الثاني من مايو الإعفاءات التي كانت منحتها لثماني دول لتتمكن من استيراد النفط الإيراني.
وأكدت الولايات المتحدة أنها تسعى من ذلك إلى "تصفير" صادرات النفط الإيراني لتجفيف المصدر الرئيسي لتمويل الدولة، ما يعني، في رأي المدرس، أن "عائدات البلاد ستنخفض والريال سيتراجع أكثر".
وتواجه إيران انكماشا منذ 2018، حيث أفاد صندوق النقد الدولي بأن أجمالي الناتج المحلي للبلاد تراجع بنسبة 3,9 في المئة العام الفائت، متوقعا تراجعه بنسبة 6 في المئة هذا العام.
وترافق تراجع الريال الإيراني في سوق العملات مع ارتفاع كبير في الأسعار، وبلغ المعدل الرسمي للتضخم 51,4 في المئة على مدى عام.
ويرى العديد من الخبراء أن قطاعي الإنتاج والتجارة في إيران يواجهان صعوبات مزمنة تعود إلى ما قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية، لكن سياسة ترامب تساهم إلى حدّ بعيد في تفاقم الأزمة الاقتصادية.
في بازار تجريش، يتدافع الناس لشراء الخضر والفواكه، ولكن الحركة خفيفة أمام المتاجر التي تبيع سلعا غير أساسية مثل العطور والثياب والأثاث وسواها.
وردا على سؤال، يجيب تاجر بغضب "هل تطاولني العقوبات؟ على أي كوكب كنت تعيش في الأعوام الأخيرة؟".
وتقول ربة منزل خمسينية "راتبنا محدود. اضطررنا (مع إعادة العمل بالعقوبات) إلى تقليص النفقات على الطعام واللحوم لمواجهة ارتفاع سعر إيجار المنزل".
وخوفا من العصا الأمنية الشرسة في بلد تغيب فيه الحريات، يعبر الإيرانيون عن قلقهم من المستقبل ورفضهم لسياسات بلادهم فيما بينهم دون التصريح به للعلن
في أزقة البازار، رفض غالبية المارين أن يكشفوا أسماءهم، وأجمعوا على الشكوى من التضخم الذي يتجلى خصوصا في أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن.
وتضيف ربة المنزل أنه بسبب العقوبات "فإن الهوة بين الطبقات الاجتماعية تزداد اتساعا، إذ لم يعد هناك الآن سوى أغنياء وفقراء". وتأثرت بالعقوبات أيضا موازنات الأسر المخصصة للسفر، وخصوصا في عيد النوروز في 21 مارس لمناسبة رأس السنة الإيرانية.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن رئيس الجمعية الإيرانية لوكالات السفر أمير بويان راشاد أن الوضع "فظيع"، لأن "الرغبة في السفر، سواء إلى الخارج أو إلى إيران، تراجعت في شكل كبير".
وتصف السلطات الإيرانية العقوبات الأميركية بأنها "إرهاب اقتصادي غير قانوني"، فيما ترى واشنطن أن هذه العقوبات هي الرادع الوحيد لسياسة طهران العدائية في المنطقة وإصرارها على برنامج الصواريخ الباليستية.
وفي تصريحات صحافية للاستهلاك المحلي، نبّه المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي الأربعاء إلى أن تشديد العقوبات الأميركية لن يبقى "من دون ردّ".
ونقلت مصادر صحافية عن وزير النفط الإيراني بيجان نمدر زنقنه قوله أمام النواب إن "الحلم الأميركي بتصفير صادرات النفط الإيرانية لن يتحقق".
لكن هذا الكلام لا يقنع ربة المنزل في سوق تجريش، إذ تقول "الوضع سيسوء والأسعار ستواصل ارتفاعها".