فاروق يوسف
ما صار واضحا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد التوقيع على الاتفاق النووي بأي ثمن. غير أن إيران وهي المستفيدة من ذلك الاتفاق في كل الأحوال تماطل وتمدد الوقت في محاولة منها لفرض شروط جديدة للخروج بمكتسبات أكثر. وهو ما لا ترفضه الإدارة الأميركية فهي لا تخشى تداعيات فضيحة من ذلك النوع.
السؤال هو: ألا يدرك خبراء السياسة الأميركية أن إيران بنظامها العقائدي الحالي لا يمكن سوى أن تكون دولة خارجة على القانون الدولي بكل تجلياته ومعانيه؟ فإيران التي دعمت الارهاب في المنطقة لن تتخلى عن ميليشياتها التي هي أساس أي حرب أهلية يمكن أن تقع في أي وقت. وإيران لا يمكنها القبول بأن تكون دولة طبيعية تستجيب لعلاقات حسن الجوار مع جيرانها وهي لذلك ستكون دائما مصدرا للفوضى والأضرار باستقرار وأمن العديد من دول المنطقة من خلال تدخلها المباشر في الشؤون الداخلية لتلك الدول.
إيران تظل ما دام نظامها الحالي قائما بعيدة كل البعد عن مواصفات الدولة التي يمكن أن يثق بها أحد. فهي غير معنية بما يحدده القانون الدولي لأنها أصلا لا تعترف به. كما أنها تجد أن الفتنة التي تنشرها بين المجتمعات هي جزء من تكوينها العقائدي، إن تخلت عنها فإن ذلك يعني نهاية لنظامها القائم على مفهوم الوصاية على الشعوب من منطلق طائفي.
في ما مضى صنفت الولايات المتحدة إيران باعتبارها دولة مارقة هي جزء من محور الشر. ذلك مصطلح قابل للنقاش ويمكن الاختلاف عليه إلا في ما يتعلق بإيران فهو ينطبق تماما عليها.
ما فعلته إيران بعد أن أُبرم الاتفاق النووي معها عام 2015 وسمح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بفك القيود عن أموالها المجمدة وهي أكثر من تسعين مليار دولار يؤكد أنها ماضية في دعم وتمويل أنشطة قوى الشر في المنطقة، بل ورعايتها والإشراف عليها. لقد أنفقت الجزء الأكبر من تلك الأموال على الجماعات الارهابية التي يديرها الحرس الثوري في العراق واليمن ولبنان وسوريا إضافة إلى المجموعات الارهابية التي تديرها خفية في دول عربية أخرى. أمن أجل أن يتزعزع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط حرص أوباما على مكافأة إيران؟
وحين انسحبت الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق بدا واضحا أن جزءا من الإدارة الأميركية يشعر بالذنب. فبدلا من أن يتم ضبط أنشطة إيران العدوانية ساعدها الاتفاق على التوسع في تلك الأنشطة بحيث صار حزب الله أقوى مما كان عليه من قبل وتم تأسيس الحشد الشعبي في العراق وقوت شوكة الحوثيين واستسهلت حركة حماس مغامراتها التي كان قطاع غزة يدفع ثمنها.
اما وقد عاد جو بايدن إلى سيرة سلفه الديمقراطي أوباما وصار يقدم عملية إحياء الاتفاق النووي من غير أن تُفرض على إيران شروطا تحد من سياستها التوسعية والعدوانية وتدخلها الدائم في شؤون دول المنطقة الداخلية فإن ذلك معناه أن الولايات المتحدة قد قررت التفريط بصداقة تلك الدول كما يعني تسليم المنطقة للفوضى.
ولكن أية مصلحة للولايات المتحدة في ذلك؟
فيما يتعلق بلبنان والعراق واليمن وسوريا فإنها بالنسبة للإدارة الأميركية دول ميؤوس منها ويجب أن لا تقوم من سقطتها. وليس هناك أكثر من إيران دراية في إدارة ملفاتها الطائفية التي هي عبارة عن متاهات مظلمة.
اما بالنسبة للسعودية ودول الخليج الأخرى فينبغي أن تظل تحت التهديد حتى لو وصل الخطر إلى مرحلة القصف الفعلي. ربما أعتقد الأميركيون أن ذلك سيدفع بتلك الدول إلى التسليم أكثر بالإرادة الأميركية وتلك قراءة خاطئة. ذلك لأن تجربة الاتفاق النووي السابق قد كشفت عن سوء نية مبيتة لدى الإدارة الأميركية. لذلك سيكون من الصعب القبول بتكرار الجريمة التي اُعتبرت في السابق مجرد خطأ.
في المرة السابقة اعتقد البعض أن الأميركان يخدعون أنفسهم ويتمنون عن طريق الإغراء بالمال أن تقوم إيران بتغيير سياساتها، غير أن الأمر يبدو مختلفا تماما هذه المرة ومفضوحا. فإيران هي التي تملي شروطها على الإدارة الأميركية التي تبدو مستسلمة لكل الشروط الإيرانية بما فيها تلك التي تتعلق باستمرار هيمنتها على أربع دول عربية وتدخلاتها في شؤون دول عربية أخرى.
هذه المرة تمارس إيران إذلالا مباشرا للإدارة الأميركية حين تحاول أن ترجئ التوقيع على الإتفاق النووي الجديد. فهل تقدم إيران من خلال سلوكها الاستعلائي درسا للآخرين حين تكشف عن حقيقة الموقف الأميركي؟