رغم الضغوط الهائلة للفصائل الموالية لإيران، أعلنت بغداد نجاح الجولة الجديدة من الحوار العراقي الأميركي، بما فيها الاتفاق على أسس التعاون المشترك بين البلدين، وتحويل القوات القتالية إلى استشارية بنهاية العام 2021.
إلا أن مواقف الجماعات المسلحة في العراق بقيت منقسمة، فمنها المؤيد للقرار وآخرون رفضوا، ولعل ذلك التباين بالموقف عقد الأمور على الأرض نوعاً ما.
فبعد مقتل سليماني والمهندس، أصدر البرلمان العراقي في يناير الماضي قرارا في غياب الكورد والسنة، يقضي بإخراج القوات الأميركية من البلاد، لكن الولايات المتحدة ليست مستعدة للانسحاب الكامل، وذلك بسبب أهمية وجودها بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
وإلى ذلك، لم تظهر الفصائل المسلحة موقفاً موحداً من الأمر، وهو ما يعكس حقيقة الاختلاف والتناحر بينها، وهو ما ظهر جلياً من خلال تصريحات المتحدثين باسمها، والآراء التي تأتي عبر مواقعها.
فيما عزا كثيرون هذه الانقسامات إلى عدم وجود شخصية مؤثرة مثل أبومهدي المهندس، أو قاسم سليماني، فمثل هؤلاء كان يخافهم القادة، خصوصاً أنهم كانوا تحت إمرتهم.
ورغم وجود قاآني على رأس الحرس الثوري، إلا أن تقارير كثيرة كانت أكدت أنه صاحب شخصية ضعيفة غير قادرة على جمع شتات قادة الفصائل واتخاذ موقف موحدة.
ووفق المعلومات، فإن طهران باتت تحاول جاهدة إخفاء هذه الانقسامات، وإظهار القرار الواحد لدى الفصائل الموالية لها.
من جانبه، أوضح الأكاديمي والمتخصص في الشؤون الاستراتيجية والأمنية فراس إلياس، في حديث صحفي مع قناة "العربية " المملوكة للسعودية، أن الفراغ القيادي الناجم عن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي المهندس، أنتج حالة تشتت كبيرة في سلوكيات وتحركات الفصائل المسلحة.
وأكد أن تلك الشخصيتين كانتا قد لعبتا دوراً مهماً في تأطير حركة هذه الفصائل، وضبط التنافس فيما بينها، وتوحيد مواقفها، وذلك بسبب تاريخهما الطويل في العمل المسلح ومكانتهما التنظيمية.
كما شدد على أن القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قاآني لم يتمكن من ملء الفراغ الذي خلّفه غياب سليماني، وتحديداً على مستوى فرض الالتزام بالتعليمات والمواقف القادمة من طهران، وهو ما برز واضحاً حيال تعاطي هذه الفصائل مع مخرجات الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي العراقي الأميركي.
وكشف أن 3 مواقف ظهرت حتى اليوم من قرار الانسحاب، الأول كان موقفاً مرحباً من (تحالف الفتح)، والثاني موقف مشكك (عصائب أهل الحق)، والأخير موقف رافض، ومعتبراً هذه المخرجات مجرد تلاعب بالمفاهيم (كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء).
كما تابع أن هذا الانقسام نابع بالمجمل من تعدد الجهات الإيرانية الفاعلة في العراق، وتحديداً على مستوى العلاقة مع الفصائل المسلحة، والحديث هنا يكون عن مكتب المرشد والاستخبارات إلى جانب الحرس الثوري.
كما أشار إلى أن إيران بعد لقاء الكاظمي وبايدن كانت أوضحت للفصائل أنها لا تنظر بسلبية إلى مخرجات ما درا بين الطرفين، وأكدت على ضرورة استمرار التهدئة حتى تتضح حقيقة النوايا الأميركية في البقاء أو الرحيل، وذلك وفق الرسالة التي نقلها قاآني للفصائل.
ولفت أيضاً إلى ضرورة إنهاء التمايز الحالي بين قيادات هذه الفصائل، وتحديداً هادي العامري زعيم منظمة بدر وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق وعبدالعزيز المحمداوي (أبو فدك) كتائب حزب الله، لأن هذا التمايز أثر على طبيعة النفوذ الإيراني، كما أنه مهم لإعطاء مجال لانطلاق الجولة السابقة من مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، وبالتالي فإن مسار التهدئة والتصعيد مع القوات الأميركية في الفترة المقبلة، سيتوقف على طبيعة تحقق انسحاب القوات القتالية الأميركية من جهة، ومسار مفاوضات فيينا من جهة أخرى، مع التأكيد أن الهجمات التي تنفذها خلايا الكاتيوشا سواءً عبر إطلاق الصواريخ أو الهجوم على قوافل الدعم اللوجستي ستستمر بين الحين والآخر، وذلك بهدف إرسال رسائل واضحة للحكومة للالتزام بإخراج القوات، فضلاً عن رسائل أخرى لجمهور هذه الفصائل من أجل إدامة زخمها في الشارع، كما حصل في الهجوم الأخير الذي شنه فصيل أصحاب الكهف في بابل.
بدوره، أوضح المحلل الاستراتيجي غانم العابد، أن الانقسام الحاصل بين الفصائل بعد إعلان الولايات المتحدة انتهاء المهام القتالية في العراق لتخوفها من أن انسحاب الصدر من الانتخابات النيابية القادمة، هو المقدمة لتشكيل حكومة عسكرية أو حكومة طوارئ يتزعمها الكاظمي بدعم أميركي وبريطاني وبموافقة قسم من الأطراف السنية والكردية والشيعية وهي ترى أن هذا هو مقدمة لإنهاء نفوذها وقرارها وسحب السلاح منها، لهذا بدأت تبرر موضوع انتهاء المهام أنه مبهم وغير واضح لتتمسك بسلاحها الذي وعدت أنها ستسلمه حال خروج القوات الأميركية.
كما أضاف العابد أن الفصائل بدأت ترى أن الكاظمي هو عدوها الأولى لهذا ستلجأ إلى افتعال فوضى لن تتوقف عند استهداف السفارة الأميركية أو قاعدة عين الأسد أو مطار أربيل، بل ستتعداه حتى لو اضطرت إلى القيام بعمليات اغتيال لشخصيات مؤثرة من أجل تهديد حكومته.
وعن السيناريو المحتمل للرد الأميركي حتى لو أنه حصل فهو سيكون لأهداف موجودة على الحدود العراقية السورية باعتبارها أهدافا ثابتة، لكن داخل العراق فغالبيتها أهداف متحركة لا تحقق نتائج مرجوة.
يشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كان أكد الأحد، أنه لن يكون هناك وجود للقوات الأميركية في العراق نهائيا في نهاية العام الحالي، وفق ما أفاد بيان عن مكتبه.
وكشف أنه تم الاتفاق بشأنه بعدم تواجد أي قوات قتالية للولايات المتحدة في العراق في 31 ديسمبر 2021، مشددا على أن بلاده ماضية في سعيها من أجل توفير الفرص الكريمة لأبناء الشعب، وإيجاد بدايات جديدة لكل ما يساهم في خدمة المواطنين، وفق قوله.