Skip to main content

الإيزديون أيتام أكثريات العراق وضحاياها

معبد لالش
AvaToday caption
في حال الإيزديين جرت عملية إبادة ممنهجة، وجرت زعزعت ثقة الناس ببلادهم وقراهم وبيوتهم، العلاقة مع الجيران من أبناء الأكثرية العربية أصيبت بمقتل لن يُلأم إلا إذا شعر الضحايا بأن المرتكبين جرت معاقبتهم
posted onNovember 19, 2020
nocomment

حازم الأمين

لعل الأمر الوحيد الذي توافقت عليه حكومتا بغداد وأربيل في العراق منذ أشهر طويلة هو إعادة بسط سيطرتهما على إقليم الأيزديين في الشمال، أي إقليم سنجار.

وإعادة بسط السيطرة تعني أمراً واحداً، هو دفع ميليشيا حزب العمال الكوردستاني إلى خارج الإقليم، وهي خطوة قد تبدو مفهومة إذا ما اعتبرناها عودة الشرعية إلى الإقليم، لكنها خطوة ناقصة وغير باعثة على رضا السكان، فهؤلاء سبق أن خذلتهم "الشرعية" بجناحيها الكوردي والعربي عندما انقض جيرانهم الملتحقين بتنظيم "داعش" عليهم، وارتكبوا بحقهم ما يشبه إبادة.

قتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال بعد أن انسحبت البشمركة الكوردية وتقاعست حكومة نوري المالكي عن نجدتهم، ومن دون أن يسقط المرء في فخ مديح حزب العمال الكوردستاني، عليه أن يعترف أن الإيزديين في حينها لم يجدوا في ملمتهم سوى مقاتلي العمال الكوردستاني.

لم تنطو هزيمة "داعش" في العراق على مراجعة حقيقية للمأساة التي خلفها هذا التنظيم المسخي، ثمة مقدمات لتدفق التنظيم على نحو نصف مساحة العراق، واللجنة البرلمانية التي كلفت بالتحقيق خلصت إلى نتائج ومسؤوليات ولم يُبنَ على الشيء مقتضاه. المالكي، وهو المسؤول الأول عن الكارثة لم يُحاسب قانونياً ولا سياسياً، وأثيل النجيفي لم يقترب منه أحد.

الأيزديون يقيمون في العراء.

الإيزديون، المستعاد إقليمهم من قبل الشرعية بجناحيها الكوردي والعربي، هم حلقة مركزية في هذه المأساة، ما زالت مأساتهم تشتغل بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على هزيمة التنظيم. أكثر من 800 طفل ممن اختطفهم "داعش" ما زالوا مجهولي المصير، وآلاف العائلات ما زالت لا تشعر بالأمان الضروري لعودتها بعد ما لاقته خلال محنتها من خذلان جيرانها من العشائر العربية وتواطؤها مع "داعش" خلال انقضاضه عليهم.

اليوم قررت "الشرعية العراقية" العودة إلى سنجار من دون أن تحمل إلى السكان أجوبة عن أسئلة لا يستقيم حال الإقليم من دون الإجابة عليها، من المسؤول عن المأساة التي أصابتهم؟ لماذا انسحبت البشمركة؟ ولماذا لم تحرك الحكومة المركزية ساكناً؟ لماذا تواطأت عشائر عربية مع التنظيم؟ فما جرى للإيزديين يفوق في هوله ما أصاب الجماعات الأهلية الأخرى التي نكبت بدورها بفعل وحشية التنظيم. ففي حال الإيزديين جرت عملية إبادة ممنهجة، وجرت زعزعت ثقة الناس ببلادهم وقراهم وبيوتهم، العلاقة مع الجيران من أبناء الأكثرية العربية أصيبت بمقتل لن يُلأم إلا إذا شعر الضحايا بأن المرتكبين جرت معاقبتهم.

والمرتكبون في هذه الحال ليسوا فقط عناصر التنظيم، لكن أيضاً المتواطئين معهم، وأيضاً الذين تخاذلوا في الدفاع عن السكان. وهنا تحضر معضلة أمام الشرعية العائدة إلى سنجار، وتتمثل في أن ميليشيا غير شرعية، لا بل غير عراقية (تركية)، هي من حاز في حينها ويحوز اليوم على ثقة السكان، وهي من تولى صد "داعش" حين زحف على الجبل محاولاً القضاء على ما تبقى من سكان.

الإيزديون هم الأقلية اليتيمة في شمال العراق. الأقليات الدينية والقومية الأخرى وجدت قنوات علاقة مع أكثريات تولت تصريف ضائقاتها في سهل نينوى. طائفة الشبك ارتبطت بالشيعة وبحشودهم، وما تبقى من مسيحيين محميون برغبة الأحزاب بإرضاء الدول الغربية. والجهد الذي تبذله الأحزاب الكوردية لضم الإيزديين إلى أمة إقليم كوردستان العراقي شهد انتكاسة كبرى في لحظة تخلي البشمركة عن الدفاع عن الإيزديين حين تدفق "داعش" إلى بلادهم.

في خبر نقله موقع "رووداو" الكوردي شبه الرسمي عن طالب إيزدي متفوق في كلية الحقوق في الموصل، أنه تعرض لتهديد بالقتل بسبب تفوقه! فهل يعقل أن يتفوق ابن أقلية في بلاد الأكثريات؟ هذا الخبر يلخص حال الإيزديين اليوم، ويؤشر إلى أن الشعور بأنهم الخاصرة الضعيفة في مشهد الأقليات في شمال العراق ما زال متواصلاً. وفي هذا المشهد السنة هم أكثرية السكان، وللشيعة سلطتهم وحشودهم التي تحميهم، والكورد محصنون في إقليمهم وبالبيشمركة، والأيزديون يقيمون في العراء.

عودة الشرعية إلى إقليم سنجار من دون رأب هذا الصدع لن يكون لها قيمة، وقصة "داعش" لن تنقضي في جانبها الإيزدي طالما أن الريبة ما زالت محدد العلاقة مع معظم مكونات المشهد، وهي ريبة في مكانها بعد فاجعة الخذلان الهائلة، والتي نجم عنها إبادة لا تقل عن تلك التي شهدتها دول مثل البوسنة في تسعينات القرن المنصرم، والتي أقيم في أعقابها محاكم دولية ما زالت تتولى عملية الاقتصاص من القتلة في البلقان.