قضت شيخة مجيد عشرين يوماً تبحث عن مياه صالحة للاستخدام، بعد توقف مضخة رئيسية عن العمل، يتهم مسؤولون الكورد، "تركيا بالوقوف خلفه" كونها تقع في مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا.
أمام باب منزلها في أحد أحياء مدينة الحسكة، انتظرت شيخة (43 عاماً) مع حفيدها وصول أحد صهاريج المياه المتنقلة لتعبئة خزانها.
وتقول السيدة المسؤولة عن إعالة سبعة أولاد وحفيدين، "أركض طوال الوقت خلف الصهاريج، أتوسل الجيران أحياناً للحصول على المياه، وأستدين المال لإدارة أموري"، مضيفة "لو كانت المياه متوفرة لاستخدمت ثمن شرائها لتوفير الطعام لأولادي".
وتوضح "غالبية الأحيان نستحم بالمياه المالحة" من الآبار التي من الصعب حتى استخدامها لغسيل الثياب، في وقت تعد النظافة الشخصية أولوية مع انتشار فيروس كورونا المستجد في شمال شرق سوريا.
وتسيطر القوات التركية وميليشيات سورية موالية لها منذ هجوم شنته ضد المقاتلين الكورد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على منطقة حدودية واسعة تضم مدينة رأس العين حيث تقع محطة مياه علوك التي تزود 460 ألف نسمة بينهم سكان مدينة الحسكة.
في الحسكة يقول صالح فتاح (45 عاماً) "احتلوا رأس العين وماءها، إنها السخرية بحد ذاتها أن يحتلوا أرضنا ويقطعوا عنا مياهنا".
وهذه المرة الثامنة التي تحصي فيها الإدارة الذاتية الكوردية قطع القوات التركية المياه عن الحسكة عبر توقيف الضخ من محطة علوك، وفق ما تقول الرئيسة المشتركة لمديرية المياه سوزدار أحمد.
ويحاول الأتراك بحسب قولها، "الضغط على الإدارة الذاتية لتقبل بشروطهم ويطلبون كل مرة زيادة في كمية الكهرباء" التي تمدها الإدارة الذاتية إلى محطة علوك ومدينة رأس العين.
وبعد طول انتظار اتفق الطرفان السبت أخيراً على إعادة ضخ المياه للمدينة، لكن العديد من سكان المدينة قالوا الإثنين إن المياه لم تصلهم بعد.
وفي شوارع مدينة الحسكة الضيقة تتنقل نساء وأطفال حاملين عبوات فارغة بانتظار تعبئتها من صهاريج المياه التي تجوب الأحياء، بعضها مقدم من الأمم المتحدة والآخر من منظمات غير حكومية، بينما يسيّر تجّار عددا منها مقابل بدل مادي.
تجول الصهاريج يوميا لتملأ الخزانات في الأحياء، إلا أن الكميات لا تكفي لقضاء حاجة السكان إلى المياه للشرب والطبخ والغسيل والاستحمام.
ويشكو سكان الحسكة من استغلال بعض أصحاب الصهاريج الأزمة لرفع أسعارهم، في حين أن بعض العائلات غير قادرة على دفع الثمن، فتضطر إلى استخراج مياه الآبار غير النظيفة أو طلب المساعدة من جيرانها لتأمين ولو جزء بسيط من حاجتها.
ويقول محمّد خطر الستيني إنها ليست أول مرة تُقطع فيها المياه عن مدينته "لكن هذه المرة طال الأمر كثيراً"، مضيفا "نحن لا نتدخل في السياسة. كل ما نريده هو أن نأكل الخبز ونشرب المياه ونمارس أعمالنا" المعطلة جراء تدابير الإغلاق التي فرضتها الإدارة الذاتية الكوردية مع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وسجلت الإدارة الذاتية الكوردية في مناطق سيطرتها، التي تعاني من نقص في الخدمات وضعف البنى الصحية، 394 إصابة بينها 26 وفاة.
وفي مارس/آذار الماضي حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن مئات آلاف الأشخاص في شمال شرق سوريا يواجهون مخاطر متزايدة بالإصابة بفيروس كورونا المستجد بسبب انقطاع إمدادات المياه، منددة باستخدام محطات المياه "لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية".
ويتحسّر سكان الحسكة منذ ثلاثة أسابيع على انقطاع المياه. وطغى وسما #العطش_يخنق_الحسكة و#الحسكة_عطشى على مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا. وأعرب فنانون عدة سوريون وعرب عن تضامنهم مع سكان المدينة.
واتهمت وزارة الدفاع السورية تركيا في بيان الإثنين "باستخدام المياه كسلاح حرب ضد المدنيين السوريين".
إلا أن وزارة الدفاع التركية قالت في تغريدة في السادس من أغسطس/آب، إن محطة علوك تخضع للصيانة، مؤكدة أنه برغم ذلك يجري تزويد الحسكة بالمياه.
وتوضح رئيسة هيئة الطاقة والاتصالات في الإدارة الذاتية أهين سويد، "منذ احتلال الأتراك مدينة رأس العين جرت مرات عدة مفاوضات بسبب انقطاع المياه من محطة علوك".
وتم الاتفاق بداية على تزويد المحطة ومدينة رأس العين بالكهرباء من محطة الدرباسية التابعة للإدارة الذاتية، على أن يضخ الأتراك بالمقابل المياه للحسكة، إلا أنه "تم استغلال هذه النقطة من قبل الأتراك".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الأزمة الأخيرة مردها أن القوات التركية طلبت من الإدارة الذاتية زيادة التغذية بالكهرباء إلى منطقة سيطرتها، الأمر الذي قوبل بالرفض. فكان الرد بقطع المياه بشكل كامل عن الحسكة.
وبعد عشرة أيام من انقطاع المياه وفق سويد، ردّت الإدارة الذاتية بدورها بوقف تزويد مدينة رأس العين بالكهرباء بشكل كامل. وبعدما ألقت الأزمة بثقلها على المدنيين، تواصل الطرفان عبر الوسيط الروسي واتفقا على إعادة تشغيل المحطة وإمدادات الكهرباء.
ويرجح الباحث في الشأن السوري نيكولاس هاريس أن تواصل تركيا قطع المياه عن المناطق الواقعة تحت سيطرة الكورد، موضحا "السيطرة على محطة علوك كانت أحد الأهداف الأساسية للعملية العسكرية التركية، لأن أنقرة تريد استخدام المياه كعامل ضغط لتأليب السكان المحليين في الحسكة على قوات سوريا الديموقراطية"، الذراع العسكرية للإدارة الكوردية.
ويشير إلى أن ردّ الالكورد بوقف إمدادات الكهرباء لا يقارن بقطع المياه عن نحو نصف مليون شخص. وطالما أنها تسيطر على علوك، بوسع تركيا وفق هاريس استخدام "هذا التحدي الهائل في أي وقت تريد ضد قوات سوريا الديموقراطية".