بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

العراق: خرافة حكومة المستقلين

علم العراقي
AvaToday caption
، كيف يمكن لمستقلين موزعي الولاءات بين الإطاريين والصدريين وغيرهم! أن يتوصلوا إلى «تحالف» أولي بينهم، ثم تحالف ضمن الكتلة الشيعية الأكثر عددا كما يقترح الإطاريون، او تحالف مع الصدريين
posted onMay 7, 2022
noبۆچوون

يحيى الكبيسي

يقوم النظام السياسي العراقي، الذي تشكل بعد نيسان 2003، على مجموعة من الخرافات التي لا تمل الطبقة السياسية من ترديدها، وعلى رأس تلك الخرافات «الديمقراطية»!

بعد إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب المبكرة التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدا واضحا لكل ذي عقل، أن نتائج الانتخابات قد عصفت بعلاقات القوة التي يحكمها السلاح في العراق، دون أن تكون لدى الفائزين القدرة على إعادة تشكيل علاقات قوة جديدة! قلنا حينها، بوضوح أنه لن تكون هناك سوى حكومة ائتلافية تضم الغالبية العظمى من القوى السياسية الممثلة داخل مجلس النواب، بعيدا عن خرافتي الأغلبية والمعارضة اللتين لا مكان لهما في دولة يحكمها السلاح لا السياسة كما العراق، وأن سيناريو انتخابات مبكرة جديدة، ربما خلال سنتين، سيكون المخرج الوحيد لإعادة الاتساق بين نتائج الانتخابات وبين علاقات القوة على الأرض بين الفاعلين السياسيين الشيعة تحديدا!

للهروب إلى الأمام من حالة الجمود التي تسعى بعض الأطراف الإبقاء عليها لأطول مدة ممكنة، كونها تخدم مصالحها بسبب هيمنة هذه الأطراف على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ابتدع الساسة العراقيون اقتراح حكومة يشكلها «المستقلون» وكلمة المستقلون ههنا هي كلمة مفترضة والمقصود بهم نوابا شيعة تحديدا، فليس ثمة نواب مستقلين كرد، أما النواب السنة «المستقلون»، فقد اكتشفوا بعد الانتخابات مباشرة «قيمة» التحزب! ففي حرب المبادرات المندلعة اليوم بين الطرفين، طرح تحالف الإطار التنسيقي مبادرة يدعو فيها النواب المستقلين بأن يقدموا مرشحا [لمنصب رئيس مجلس الوزراء] تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والمقبولية والحيادية وجميع المؤهلات ، على أن تدعمه جميع الكتل الممثلة للمكون الأكبر والمشكِّلة للكتلة الأكثر عددا.

وجاء رد الطرف الثاني بتغريدة تمثل مبادرة من السيد مقتدى الصدر أو تحالف إنقاذ الوطن، يدعو فيها «المستقلين»، وخلال خمسة عشر يوما، إلى تشكيل تحالف «مستقل» لا يقل عن «أربعين فردا»، على أن يلتحقوا «بالتحالف الأكبر»، الذي هو تحالف إنقاذ الوطن بطبيعة الحال، «ليشكلوا حكومة مستقلة يصوت لها «التحالف الأكبر»، ولن يكون للتيار الصدري وزراء فيها! ويقترح في الوقت نفسه على «من نحسن الظن بهم من الإطار التنسيقي» كما قال، للتحالف مع الكتلة الصدرية، وليس تحالف إنقاذ الوطن، من أجل الخروج من الانسداد السياسي!

بعيدا عن خرافة «الاستقلالية» التي كتبنا عنها كثيرا، كيف يمكن لمستقلين موزعي الولاءات بين الإطاريين والصدريين وغيرهم! أن يتوصلوا إلى «تحالف» أولي بينهم، ثم تحالف ضمن الكتلة الشيعية الأكثر عددا كما يقترح الإطاريون، او تحالف مع الصدريين لوحدهم كما يقترح السيد مقتدى الصدر، ويشكلوا حكومة مستقلة تصلهم تعليمات تشكيلها فيما بعد!

وبعيدا عن كون الاستقلالية أصلا خرافة في العمل السياسي، كيف يمكن لدولة نظامها برلماني، يشترط دستورها أن يكون منصب رئيس مجلس الوزراء لصالح «الكتلة الأكثر عددا، في مجلس النواب، أن يكون رئيس حكومتها «مستقلا» تدعمه «شكليا» كتلتان كبيرتان، من أجل تمريره فقط، دون أن يكون لديه أي قوة تُحصِّنه في مواجهة محاولات الهيمنة اللاحقة من الكتلتين؟

المبادرتان المطروحتان، في أكثر التأويلات مثاليةً، حتى لا أقول سذاجةً، إنما تعيد إنتاج حكومة شبيهة بحكومة عادل عبد المهدي التي تشكلت عام 2018، وتتلخص في «الاتفاق» على رئيس مجلس وزراء سلطته «شكلية» تحت عنوان «المستقلين» ويديره عمليا الإطاريون والصدريون، كما فعل البنائيون والصدريون أثناء حكومة عادل عبد المهدي التي غرقت وأغرقتهم!

من جهة ثانية، فإن الإطاريين والصدريين على السواء أظهروا أن «الطائفية» تهيمن على عقولهم وسلوكهم، بغض النظر عن اللغة الإنشائية التي تلف الخطاب السياسي، فالمبادرتان المفترضتان تفضحان هذه الطائفية الكامنة بالفعل وبالقوة! ذلك أن الإطاريين يريدون ضمان «حق» الكتلة الديمغرافية الشيعية الأكثر عددا، حتى مع أن مفهوم الأغلبية الوارد في المادة 76 من الدستور هو مفهوم سياسي، وليس مفهوما ديمغرافيا! لذلك كان خطابهم موجها لـ «المستقلين الشيعة» تحديدا ! أما الصدريون فقد دخلوا في تحالف «وطني» مفترض لا يملكون فيه الأغلبية، لكنهم يتعاملون مع فكرة «رئيس وزراء شيعي» كبديهة لا علاقة لها بالأرقام، بل باستحقاقات طائفية بحتة، تماما كما أنهم يعلنون بشكل رسمي أن توزيع المقاعد داخل حكومتهم «الوطنية» ستكون على أساس التوزيع الديمغرافي للمتحالفين، وليس على أساس سياسي، داخل التحالف نفسه! وهم، في الوقت نفسه مستعدون للتخلي عن «تحالفهم الوطني» المفترض، في حال قبل «الإطاريون الجيدون»، من وجهة نظر الصدر، التحالف معهم، لضمان حصة «المكون» وفق وجهة نظر الإطاريين هذه المرة!

قلنا مرارا أن الطائفية في العراق لم تعد مجرد «بدعة» أمريكية، بل أصبحت حقيقة يتعامل معها الجميع ليس بوصفها أمرا واقعا وحسب، بل بوصفها ضرورة وجودية للقوة والأحزاب، بل وللمكونات نفسها! وقلنا أيضا أن عدم الاعتراف بهذه الحقيقة، أو مخاتلتها، ومحاولة القفز عليها، هو ما يتيح، إمكانية تسويق معادلة أن طائفي + طائفي + قومي يمكن أن ينتج «تحالفا وطنيا»، مع علم الجميع أنها مجرد بروباغاندا سياسية لا علاقة لها بالوقائع على الأرض! ولا بالخطابات الإنشائية عن الوطنية والوطنيين في بلد يحكمه نظام سياسي طائفي، ومؤسسات دولة قائمة على الطائفية!

وبالتالي الصراع الحقيقي في العراق اليوم ليس بين الطائفيين والوطنيين، أو المؤمنين بالدولة وغير المؤمنين بها، او بين الفاسدين والنزيهين، أو بين المسلحين الوقحين مع المسلحين غير الوقحين، إنما هو خلاف حول الهيمنة والنفوذ، وعلاقات القوة القائمة التي لا تسمح بهيمنة طرف دون آخر من الأطراف المتنفذة، لذا لا بديل عن العودة إلى ما فسد به أوله، وهي حكومة ائتلافية موسعة متواطئة فيما بينها، مهما تطايرت المبادرات!