مع بدء بعض الدول الغربية الأكثر ثراء في تخفيف القيود التي وضعتها للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد، أصبحت العديد من الدول النامية (وخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا) تتطلع إلى هذه المرحلة، لكن خبراء يعتقدون أن هذه الخطوة ستكون بمثابة مغامرة.
وتفتقر هذه الدول إلى ما يميز الغرب كالاقتصاد القوي، والمستشفيات المجهزة كما يجب، والقدرة على إجراء تحاليل واسعة النطاق. وتبقى هذه الأساسيات هي الأهم في رسم طريق الخروج من الأزمة.
ولا يعدّ الجدل الشائع في أوروبا حول استراتيجية تخفيف الحجر واردا في البلدان التي أنهكها الصراع أو الفساد أو الفقر.
ففي لبنان، البلد الصغير الذي يتأرجح على حافة الإفلاس ويعاني من نظام صحي هش وغضب شعبي، أدى الإغلاق الذي استمر لمدة شهر إلى دفع عشرات الآلاف من المواطنين إلى براثن الفقر، مما ضغط على الحكومة لتخفيف القيود. لكن الموارد الطبية محدودة في البلاد، ما دفع الأطباء إلى المطالبة بإبقاء الحجر قائما أمام خطر حُدوث انفجار اجتماعي.
أما في مصر، التي تعد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، فيعيش واحد من كل ثلاثة أشخاص في فقر مدقع. واختارت الحكومة اعتماد إغلاق جزئي يتضمن حظر التجوال ليلا، خشية أن يؤدي الإغلاق الكامل إلى تدمير الاقتصاد الهش.
وفي تونس، يضغط رجال الأعمال من أجل ضمان عودة تدريجية للعمل لمنع خسائر اقتصادية في البلاد، وترتفع دعوات من أجل عودة مؤسسات التعليم إلى نشاطها، لكن الحكومة تتعاطى مع الأمر بحذر شديد، وتركز في بلاغاتها على الالتزام بإجراءات الحجر خاصة في ظل محدودية الإمكانيات الوقائية فيما لو استمر الوباء أو تطور إلى موجة أقوى.
ويتكرر الأمر نفسه في عدد من البلدان النامية، إذ يمكن أن يؤدي تخفيف عمليات الإغلاق إلى زيادة العدوى وإرهاق المستشفيات ذات الأسرّة المحدودة وأجهزة التنفس الاصطناعي القليلة. ويمكن أن يهدد إبقاء القيود بزيادة الاضطرابات الاجتماعية ومضاعفة الخسائر الاقتصادية.
وقال كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي رباح أرزقي إن نقص الفحوص الطبية وانعدام الشفافية يمكن أن يؤديا إلى اتخاذ الحكومات قرارات خاطئة، محذرا من تخفيف الحجر غير المدروس، معتبرا أنه سيضر أكثر مما سينفع.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال بوسعها أن “تغتنم الفرصة” السانحة حاليا وأن تتحرك لتجنب انتشار واسع للفايروس.
وقال الدكتور إيفان هيوتن، مدير إدارة التغطية الصحية الشاملة والأمراض السارية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط، “لدينا فرصة للتحرك في المنطقة لأن تزايد الحالات لم يكن سريعا” حتى الآن.
ووفقا للدكتور هيوتن، من الصعب في الوقت الراهن تفسير التزايد البطيء في عدد الإصابات في دول الإقليم، باستثناء إيران التي سُجِّلت فيها أكثر من 76 ألف إصابة وما يقرب من 5 آلاف وفاة. ويتابع “من المحتمل أن يكون هناك عامل مرتبط بالتركيبة العمرية لهذه المجتمعات الشابة”.
ولتجنب وضع مشابه لما حدث في أوروبا أو الولايات المتحدة حيث توفي عشرات الآلاف، من الضروري وفقا لمسؤول منظمة الصحة العالمية أن يتم توفير “أعمدة المواجهة” للفايروس وهي الالتزام المجتمعي وتعبئة الأنظمة الصحية وإعداد المستشفيات لاستقبال الحالات الخطيرة.
ويمكن اتخاذ إجراء آخر لتجنب انفجار في حالات الإصابة في المنطقة، وهو زيادة القدرة على عمل اختبارات لهذا المرض وهو أمر يمكن أن يتم، بحسب الدكتور هيوتن، “بواسطة أجهزة صغيرة تعطي نتائج سريعة”.
ورغم أنه ستظل هناك حالات غير مكتشفة، إذ أن هذا أمر “لا يمكن تجنبه”، إلا أنه “كلما أجريت اختبارات أكثر لمن يعانون من السعال وارتفاع درجات الحرارة، اكتشفنا حالات أكثر”، بحسب الدكتور هيوتن.
لكن الأخطار في المجتمعات الفقيرة لا تقف عند التحديات الصحية والعجز عن مجاراة انتشار الفايروس، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة يمكن أن تلقي بأعباء جديدة على الحكومات التي نجحت في تخفيف الحجر الصحي بالمساعدات والمنح لفائدة ضعاف الحال، لكن الأمر لا يمكن أن يستمر طويلا.
وتعاني أغلب هذه الدول من أزمات اقتصادية وديون متعددة لا تسمح لها بالمزيد من الإنفاق، فضلا عن تقديم تعويضات كافية للتغطية على خسائر الشركات العاملة في القطاع الخاص، والتي تلعب دورا كبيرا في حل أزمة البطالة.
ويتوقع مراقبون عودة الاحتجاجات المناهضة للفساد، والتي بدأت في أكتوبر في دول مثل لبنان والعراق والجزائر، وبشراسة أكبر مع تفاقم الأوضاع التي أشعلتها في المرة الأولى، مع زيادة الديون وتراكم الخسائر الاقتصادية، والعجز عن إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية.
واندلعت مظاهرات صغيرة بالفعل على الرغم من الإغلاق. ففي الشهر الماضي، أضرم سائق سيارة أجرة في بيروت النار في سيارته بعد تغريمه لانتهاكه القيود. وفي مطلع أبريل، توفي لاجئ سوري بعد أن أضرم النار في نفسه احتجاجا على ظروفه المعيشية.
ولا تقتصر المخاطر على الدول الفقيرة، إذ لا تتمتع الدول الغنية بخيارات غير محدودة.
وأعلنت ألمانيا، التي تعدّ أكبر اقتصاد في أوروبا، عن تخفيف طفيف للقيود، بما في ذلك إعادة فتح بعض المحلات التجارية انطلاقا من الأسبوع المقبل. لكن المستشارة أنجيلا ميركل حذرت من إعادة تنشيط الاقتصاد بسرعة كبيرة لقدرة ذلك على الإخلال بنظام الرعاية الصحية الذي يبقى قويا.
كما تواجه الدول الغربية تباطؤا اقتصاديا حادا، ولكن تأثيره كان أخف بفضل برامج الإنقاذ الحكومية الضخمة التي دعمت الشركات والعائلات المتضررة. فعلى سبيل المثال، وافق مجلس النواب الأميركي على حزمة قيمتها 2.2 تريليون دولار لمساعدة الأفراد والشركات، ولم يتردد الرئيس دونالد ترامب في توقيعها لتصبح قانونا ساري المفعول.
كما وافقت دول الاتحاد الأوروبي على حزمة بقيمة 550 مليار دولار في صندوق انتعاش، تعتبر ألمانيا أن بالإمكان تمويله من موازنة الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل. كما تعمل على تخفيضات ضريبية وإجراءات أخرى للتخفيف من حدة الضربة الاقتصادية.
ويقدم المجتمع الدولي المساعدة للدول الأكثر فقرا. وفي هذا الإطار، أعلن صندوق النقد الدولي عن استعداده للالتزام بتقديم تريليون دولار للدول المحتاجة. واتفقت أغنى دول العالم على تجميد التزامات ديون الدول الفقيرة مؤقتا وخاصة بلدان أفريقيا.
وتجاوزت طموحات رئيس الوزراء الباكستاني ذلك، حيث ناشد الدول الأكثر ثراء والمؤسسات المالية الدولية شطب ديون الدول الأكثر فقرا. وفي علامة على مشاعر اليأس المتزايدة بين المواطنين، أدى تدفق الآلاف من الأشخاص إلى مراكز توزيع المساعدات المالية والغذائية في إقليم البنجاب إلى مقتل رجل وإصابة العشرات.