عندما احتجز الجيش الإيراني عشرة بحارة أمريكيين دخلوا المياه الإيرانية عن طريق الخطأ قبل ثلاث سنوات، تواصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر الهاتف خلال دقائق، وتقرر إطلاق سراح البحارة بعد ساعات.
هل يمكن حل أزمة مماثلة اليوم سريعًا؟
أجاب ظريف على هذا السؤال في مقابلة أجريت معه في الآونة الأخيرة قائلًا: ”لا… كيف يمكن تجنبها؟“.
فظريف ووزير الخارجية الأمريكي الحالي مايك بومبيو لم يدخلا في حديث مباشر قط، بحسب بعثة إيران في الأمم المتحدة، بل عادة ما يكون التواصل بينهما بتوجيه الإهانات على موقع تويتر أو من خلال وسائل الإعلام.
وقال ظريف: ”في كل مرة يتحدث فيها بومبيو عن إيران يصر على أن يهينني… لماذا حتى أرد على مكالمته الهاتفية؟“.
وتسلط الضغائن المعلنة بين وزيري خارجية البلدين الضوء على القلق المتزايد من عدم وجود قناة للتفاوض المباشر ومن أن يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية عند أي سوء تفاهم أو حادث عارض، حسبما يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون ودبلوماسيون أجانب ومشرعون أمريكيون وخبراء في السياسة الخارجية.
وأمرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الشهر بإرسال حاملة طائرات ومجموعتها القتالية وقاذفات وصواريخ باتريوت إلى الشرق الأوسط، وعزت ذلك إلى معلومات استخباراتية تشير إلى استعدادات إيرانية محتملة لمهاجمة قوات أو مصالح أمريكية.
وقال السناتور الأمريكي أنجوس كينج، وهو سياسي مستقل من ولاية مين: ”يبدو أن خطر نشوب صراع عرضي يتزايد يومًا بعد يوم“، ودعا إلى حوار مباشر بين الولايات المتحدة وإيران.
وشدد دبلوماسي أوروبي كبير على أهمية الاتصال بين كبار المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين؛ كي لا يتضخم أي حادث عارض ويصبح أزمة.
وأضاف الدبلوماسي: ”آمل أن تكون هناك قنوات لا تزال قائمة كي لا نمضي بلا وعي إلى وضع لا يريده أحد… الخطاب الذي نشهده ينذر بالخطر“.
وامتنعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتاجوس عن توضيح كيف ستتواصل الإدارة مع إيران في حالة حدوث أزمة مماثلة لحادث 2016، لكنها قالت: ”عندما يحين وقت الحديث، نحن على ثقة من أننا سنمتلك كل وسائل القيام بذلك“.
وأضافت قائلة: إن ”حملة الضغط القصوى“ التي تمارسها الإدارة على إيران تهدف إلى إجبار قادتها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وتابعت: ”إذا كان الإيرانيون على استعداد للمضي في تغيير طريقتهم والتصرف كدولة طبيعية… فنحن على استعداد للتحدث معهم“.
دبلوماسية تويتر
وفي عام 2016، كان كيري وظريف قد تعارفا بشكل جيد من خلال المفاوضات المعقدة التي أدت للتوصل إلى اتفاق عام 2015 لتقييد قدرات إيران النووية.
وبعد ثلاث سنوات، انهارت كل العلاقات الدبلوماسية رفيعة المستوى في أعقاب انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وتشديدها للعقوبات على قطاع النفط الإيراني، والخطوة التي اتخذتها في الآونة الأخيرة بإدراج جزء من الجيش الإيراني على قائمة المنظمات المسلحة.
ويتحدث المسؤولون العسكريون الأمريكيون عن القلق المتزايد من تطوير إيران صواريخ دقيقة التوجيه ودعمها قوات تقاتل بالوكالة في سوريا والعراق واليمن ومناطق أخرى.
وفي ظل غياب المحادثات المباشرة، بات موقع تويتر منتدى مشتركًا للمسؤولين الأمريكيين والإيرانيين لتبادل الانتقادات اللاذعة.
وأطلق مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، يوم الأربعاء، تغريدة عن بومبيو يهاجمه فيها مشيرًا لاستفزاز إيران بعمليات نشر عسكرية.
وقال حسام الدين آشنا مستشار روحاني في تغريدة: ”لا يمكن أيها الوزير بومبيو أن تأتي بالسفن الحربية إلى منطقتنا وتسمي هذا ردعًا. هذا يسمى استفزازًا. هذا يجبر إيران على إظهار ردعها الخاص، الذي تسميه أنت استفزازًا. هل ترى الدائرة؟“.
جاء ذلك في أعقاب تغريدة لترامب، يوم الأحد، هدد فيها بنهاية إيران إذا سعت إلى الحرب، وجاء بعد تاريخ طويل من تبادل بومبيو وظريف للإهانات اللاذعة على تويتر.
وفي فبراير الماضي، قال بومبيو في تغريدة إن ظريف والرئيس الإيراني ”واجهتان لمافيا دينية فاسدة“. وفي نفس الشهر، قال مسؤول آخر في وزارة بومبيو في تغريدة: ”كيف تعرف أن ظريف يكذب؟ بمجرد أن يحرك شفتيه“.
واستخدم ظريف بدوره منصة التواصل الاجتماعي نفسها لإدانة ”استحواذ إيران التام“ على فكر بومبيو ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون، واصفًا ذلك ”بسلوك مرضى نفسيين لا سبيل لشفائهم“.
خيارات أمريكا
وقال مسؤولون ودبلوماسيون ومشرعون أمريكيون إنهم يشكون في أن يرفض ظريف تلقي مكالمة من بومبيو خلال أي أزمة، في ظل المخاطر التي تواجهها إيران في أي نزاع مع الجيش الأمريكي.
وخلال إفادة للصحفيين يوم الثلاثاء، بدا بومبيو كمن يسعى لتبديد المخاوف بشأن قدرة واشنطن على التواصل والتفاوض مع إيران.
وقال بومبيو: ”هناك سبل كثيرة تتيح لنا قناة اتصال“.
ويقول دبلوماسيون إن دولًا مثل سلطنة عمان وسويسرا والعراق يمكنها نقل رسائل نظرًا لارتباطها بعلاقات بالبلدين.
وقال النائب مايكل والتز، وهو أول ضابط بالقوات الخاصة في الجيش الأمريكي ينتخب عضوًا في الكونجرس، إنه يفضل التجميد الدبلوماسي كوسيلة لإجبار إيران على الدخول في مفاوضات جادة.
وأضاف والتز، وهو أيضًا مسؤول سابق في وزارة الدفاع (البنتاغون): ”إذا لم تكن تحت عزلة دبلوماسية، فبإمكانك أن تجري محادثات مرة واحدة وينتهي الأمر، ذلك يقلل من الضغط“.
لكن كيفن دونيجان، وهو أميرال متقاعد أشرف على القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط عندما كان يتولى قيادة الأسطول الخامس حين احتجزت إيران البحارة الأمريكيين، قال إن نقل الرسائل بشكل غير مباشر قد يكون أمرًا معرقلًا وسط أزمة سريعة التطور.
وقال دونيجان، وهو الآن مستشار كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: إن مثل هذه التعاملات من خلال وسطاء ”تتطلب وقتًا ولا تسمح بفرصة لتهدئة موقف تكتيكي يتطور سريعًا“. وأضاف أنه لا يعلق على السياسة الأمريكية الحالية.
وقال كل من دونيجان ووالتز إنه سيكون من المفيد أن يكون هناك خط ساخن أو ما شابه بين الجيشين الأمريكي والإيراني، لكن دونيجان وخبراء آخرين يتشككون في أن توافق إيران على مثل هذا الترتيب.
قنوات عبر عُمان والعراق وروسيا؟
في الثالث من مايو/ أيار، بعد أن شعرت واشنطن بالقلق من معلومات استخباراتية أشارت إلى أن إيران ربما تستعد لشن هجوم على الولايات المتحدة أو مصالحها، بعثت رسائل إلى طهران عبر ”طرف ثالث“، بحسب مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه.
ترامب يدعو لمزيد من الاستثمارات اليابانية في بلاده
ممثل أهل السنة بالبرلمان الإيراني: التلفزيون الحكومي مروج للاختلاف والفرقة
كما قال الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة أمام الكونجرس في الثامن من مايو/ أيار إنه تم بعث رسائل ”للتأكد من أن إيران تفهم أننا أدركنا التهديد وأننا مستعدون للرد“.
وقال والتز إن دنفورد أخبر النواب في جلسة مغلقة أنه بعث برسالة إلى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يحذره من أن إيران ستتحمل مسؤولية مباشرة إذا هاجمت أي قوة تقاتل عنها بالوكالة الأمريكيين.
وقال: ”الرسالة الآن هي: لن نحمل وكلاءك المسؤولية… بل سنحملك أنت والنظام إياها“إذا هم هاجموا مواطنين أميركيين أو قوات أميركية في المنطقة.
وقال مسؤول آخر إن الولايات المتحدة فوّضت العراق «بإبلاغ الإيرانيين بأنه لن يكون هناك إنكار مقنع عند وقوع هجمات على أميركيين في العراق» بعد أن أشارت المخابرات الأميركية إلى استعدادات لهجوم محتمل لميليشيات تدعمها إيران في العراق.
وفي العام الحالي أشار الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل الذي كان يشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط حتى مارس (آذار) إلى أن الجيش الأميركي قد يكون قادراً على نقل رسالة إلى القوات الإيرانية بشكل غير مباشر عبر خط ساخن قائم مع روسيا ويهدف إلى تجنب الحوادث العرضية في سوريا.
وقال فوتيل: «يمكن للإيرانيين التحدث مع الروس. لدينا قناة تواصل جيدة قائمة مع الروس».
لكن فكرة الاعتماد على الحكومة الروسية في إخراج الولايات المتحدة من أزمة مع إيران فكرة لا تبعث على الاطمئنان لدى كثير من المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة.
وقالت ويندي شيرمان وكيلة وزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما: «هذا سيكون خياراً محفوفاً بالمخاطر».