Ana içeriğe atla

استراتيجية محاربة إيران في سوريا لا تعمل

ميليشيات إيرانية
AvaToday caption
لا يبدو أن العقوبات الاقتصادية والمناخ الدولي والإقليمي المعادي لإيران قد أثنيا هذه الأخيرة عن طموح توسيع الهيمنة. وما الحديث عن سيطرة إيران على إدارة ميناء اللاذقية إلا بمثابة دليل جديد على تواصل العمل على توسيع ذلك النفوذ وتجاهل التحديات التي تواجهه
posted onMarch 30, 2019
noyorum

سلام السعدي

خلال الأسبوع الماضي، جرى الحديث عن إمكانية أن تحظى إيران بامتياز إدارة ميناء اللاذقية لتزيح بذلك شركتين، سورية وفرنسية، عن إدارة الميناء الأكبر على الساحل السوري في الوقت الحالي. بهذا تواصل إيران العمل بدأب على تعزيز هيمنتها على سوريا ما بعد الحرب، وتشمل تلك الهيمنة، فضلا عن الجانب الاقتصادي، جانبا عسكريا وآخر واجتماعيا.

منذ مطلع العام الجاري، تكثفت الزيارات المتبادلة بين إيران وسوريا لتنشيط التعاون الاقتصادي بين الجانبين، كما جرى توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية في محاولة لإنشاء “تحالف استراتيجي اقتصادي طويل الأمد”، كما وصفته الحكومة السورية. وفضلا عن ذلك، تحدث مسؤولون في النظام السوري عن “معاملة تفضيلية” سيحظى بها المستثمر الإيراني والشركات الإيرانية في كل ما يخص أنشطة إعادة الإعمار.

ورغم الصورة التفاؤلية حول تعاون اقتصادي استراتيجي يفتح الأبواب تجاه المستثمر الإيراني، يبقى الواقع شديد الوعورة ولا يدعو إلى الكثير من التفاؤل. إذ لا يزال حجم التبادل التجاري بين الجانبين متواضعا للغاية ولا يتوقع أن يتحسن في ظل الصعوبات التي تعصف باقتصادي البلدين بفعل العقوبات الاقتصادية، ولكن أيضا بفعل سوء إدارة الموارد والفساد المزمن. كما يفاقم تراجع القدرة الشرائية لسكان البلدين، وللسوريين بصورة خاصة، من الصعوبات التي تعيق تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

ولكن، بالنسبة لطهران، يكتسب التعاون الاقتصادي أهمية سياسية تتجاوز أهميته الاقتصادية التي يجري تسليط الضوء عليها. إذ يعتبر توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتوسيع نفوذ إيران الاقتصادي مجرد طبقة ضمن استراتيجية مكونة من عدة طبقات تستهدف اختراق مؤسسات الدولة والجيش والقوى العسكرية، فضلا عن المجتمع.

فبعد تدخلها العسكري ومساعدة نظام بشار الأسد على سحق معارضيه وإنهاء المعركة العسكرية لصالحه، وسّعت إيران من تواجدها العسكري داخل مؤسسات النظام السوري العسكرية والأمنية وخارجها، عن طريق إنشاء الميليشيات العسكرية التابعة لها بصورة مباشرة، والمنتشرة في كل مناطق سيطرة النظام.

ومع تزايد ضعف النظام السوري عسكريا أثناء سنوات الحرب، ومع الاستنزاف البشري الذي عصف به بسبب انشقاق نحو مئة ألف من جيشه الذي كان يضم نحو مئتي ألف جندي مطلع العام 2011، صار اعتماده على طهران وميليشياتها عضويا ولا فكاك منه.

وبقدر ما ساعدت الحرب إيران على توسيع نفوذها في سوريا، عززت أجواء انتهاء الحرب والضغوط الدولية على إيران لسحب قواتها من إصرارها على تكريس نفوذها في سوريا.

في هذا السياق، قد يبدو توسع طهران غريبا بعض الشيء نظرا إلى حجم الضغوط الدولية والإقليمية التي تواجهها في سوريا. أول تلك الضغوط هي الضربات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، والتي كان آخرها غارات جوية مؤخرا على منطقة صناعية في مدينة حلب استهدفت، بحسب وكالات، مخازن ذخيرة إيرانية ومطارا عسكريا تستخدمه قوات تابعة لطهران. وما يزيد من مشاكل هذه الأخيرة أن تلك الضربات تتم بالتنسيق مع الجانب الروسي، حليفها المفترض في سوريا. وهنا يمكن اعتبار تمدد النفوذ الروسي في سوريا بمثابة عقبة جديدة أمام طموح إيران بالهيمنة المنفردة.

وأخيرا، هنالك العقبة الدولية المتمثلة بالعقوبات الأميركية المتصاعدة على إيران وسوريا، وبربط التواجد الأميركي في شمال سوريا بالملف الإيراني بصورة عامة. في الأشهر الأخيرة، بدا أن العقوبات الأميركية على إيران تزداد فاعلية، إذ بدت آثارها واضحة لا على الاقتصاد الإيراني فقط بل على النظام السوري أيضا. على سبيل المثال، منعت حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة على سوريا، والتي استهدفت شركات الشحن، وصول النفط الإيراني إلى النظام السوري، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة تراجع الموارد التي تعصف بالنظام السوري.

ولكن، لا يبدو أن العقوبات الاقتصادية والمناخ الدولي والإقليمي المعادي لإيران قد أثنيا هذه الأخيرة عن طموح توسيع الهيمنة. وما الحديث عن سيطرة إيران على إدارة ميناء اللاذقية إلا بمثابة دليل جديد على تواصل العمل على توسيع ذلك النفوذ وتجاهل التحديات التي تواجهه.

المؤشر الأهم في هذا السياق هو السياسة الجديدة التي تتبعها إيران منذ أشهر والموجهة نحو المجتمع السوري بدلا من الدولة السورية، إذ عملت إيران على اختراق المجتمع المحلي السوري، وبشكل خاص البيئة المعارضة للنظام، والتأثير على السكان في بعض المناطق الخارجة من دمار المعارك مثل دير الزور والبوكمال وعدد من المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان.

 يكثر الحديث في تلك المناطق عن تزايد المعونات الاقتصادية والخدمات التي تقدمها إيران عبر الحرس الثوري والمنظمات والجمعيات الخيرية المرتبطة به لسكان تلك المناطق من أجل حصد الولاء. تقوم تلك المنظمات بتقديم الغذاء والمساعدة في تقديم الخدمات، كما تحاول ضم الشبان لصفوف الميليشيات التابعة لها مقابل الحصول على مرتب شهري يبلغ مئتي دولار، فضلا عن الحماية من النظام السوري. وأخيرا، تشجع إيران سكان تلك المناطق على التحول إلى المذهب الشيعي وتوفر التعليم الديني والمساعدات المالية كمحفزات في هذا السياق.

وتكتسب هذه الاستراتيجية دفعة أكبر مع انهيار مؤسسات الدول وعدم إمكانية تأمين الخدمات في المناطق التي استعادت السيطرة عليها، وخصوصا المناطق الريفية النائية.

هكذا، ورغم ما يبدو في وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين الغربيين من أن استراتيجية الولايات المتحدة في ما يخص سوريا باتت مقتصرة على محاربة إيران، وأنها “تعمل” كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، إلّا أن إيران عملت على توسيع شبكة علاقاتها ونفوذها في سوريا لتحبط تلك المخططات الغربية وتعطل مفعولها.

 

كاتب فلسطيني سوري