سالم الكتبي
لطالما راودت قادة النظام الإيراني فكرة طرد القوات الأميركية من منطقة الخليج العربي، حيث وقفت هذه الفكرة وراء العديد من العمليات والخطط الإيرانية طيلة السنوات والعقود الماضية، واستمر الصراع بالوكالة بين الطرفين لسنوات على أرض العراق، وانتقل بعد ذلك إلى سوريا، حيث تدور بين الفينة والأخرى مواجهات غير مباشرة بين القوات الأميركية والميلشيات التابعة لإيران على الأراضي السورية.
تشير التقارير إلى أن فصائل مسلحة تدعمها إيران إستهدفت القوات الأميركية بسوريا حوالي 78 مرة خلال عام 2021، في حين إتخذت القوات الأميركية رد فعل تجاه الهجمات المتكررة ثلاث مرات فقط، وآخر العمليات التي نفذتها الميلشيات الإيرانية ضد قاعدة عسكرية أميركية في شمال سوريا تسببت في مقتل متعاقد وجرح خمسة جنود أميركيين، ما أثار تساؤلات حول المسار المحتمل لهذه المواجهات، وهل يمكن أن تنتهي بإنسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق وغيرهما.
مصادر أميركية عدة أكدت أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من شمال سوريا، فيما ترى إدارة الرئيس جو بايدن أن القوات الأميركية ترد "بكل مناسب" على الهجمات التي تستهدفها، وتشدد على التزامها بالابقاء على القوات الأميركية في سوريا، فيما أكد الرئيس بايدن أن بلاده "لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنها مستعدة للعمل بقوة لحماية شعبها".
القوات الأميركية المتواجدة في سوريا تعمل تحت غطاء التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، ويبلغ قوامها نحو 90 جندي تقريباً بحسب مصادر مختلفة، يتمركز معظمهم في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، شمال وشمال شرق سوريا بمحافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وتدعم بشكل أساسي ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية.
الواقع يقول أن من الصعب على إدارة الرئيس بايدن، في الوقت الراهن على الأقل، تبني قرار بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا، ولاسيما بعد الأثر السلبي الذي نتج عن تنفيذ قرار سحب القوات من أفغانستان، فضلاً عن أن التوقيت وقرب بدء حملة إنتخابات الرئاسة الأميركية حيث يتوقع ان يرشح الرئيس بايدن نفسه لولاية رئاسية ثانية، وكل هذه عملياً أمور تضعف إحتمالية تبني مثل هذا القرار إلا إذا حدثت خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الأميركية، وتفوق حسابات الخسائر على المكاسب السياسية المرجوة من وراء الإبقاء على القوات الأميركية في سوريا.
وبشكل عام، فإن الهجمات الصاروخية الإيرانية على القواعد الأميركية في سوريا تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة بسبب عدم قدرتها على ردع إيران في التوقيت المناسب، حيث يرى النظام الإيراني أن النفوذ الأميركي في إنحسار، وأن تصاعد نفوذ الصين في الشرق الأوسط يغذي طموحات إيران بشأن السعي للضغط على واشنطن لسحب قواتها من المنطقة بأكملها، ما يضع الولايات المتحدة بالتبعية في إختبار صعب للثقة والمصداقية سواء تجاه حلفائها الإقليميين، أو بشأن إثبات نفوذها وقوتها ومدى إلتزامها بالحفاظ على مصالحها في المنطقة.
خلاصة ماسبق أن تبريد التوتر في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون، قد يشجع الأولى على ممارسة المزيد من الضغوط على الولايات المتحدة عبر إستهداف قواتها في سوريا، ولكن وتيرة هذا التفكير الإيراني تظل مرهونة بحجم وطبيعة رد الفعل الأميركي على كل هجوم إيراني، حيث لا تزال الولايات المتحدة تلتزم في ردودها على الهجمات التي تنفذها الفصائل الموالية لإيران بنطاق محدود، وعلى قدر الحاجة دون القيام بتوجيه ضربات قوية رادعة تحول دون تكرار الهجمات، وهذا الأمر لا يرتبط بفاعلية القوات الأميركية وقدرتها على توجيه ضربات أقوى، بقدر ما يرتبط بفاعلية ودقة الهجمات الإيرانية التي تنفذ بالصواريخ والطائرات المسيّرة، حيث تخشى واشنطن لجوء إيران إلى توسيع نطاق ضرباتها وهجماتها بما يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية ومادية أكبر في القواعد العسكرية الأميركية، ما يضع البيت الأبيض وقتذاك أمام خيارات صعبة لردع إيران سواء بتنفيذ عملية عسكرية إنتقامية كبيرة بكل ما ينطوي عليه ذلك من إحتمالية لتوسيع نطاق القتال مع إيران، أو للصمت وابتلاع الإهانة وهذا هو الخيار الأصعب غير المقبول في التوقيت والظروف الراهنة، حيث تتعرض الولايات المتحدة لإختبارات معقدة وصعبة في العديد من مسارح العمليات ومناطق النفوذ.
الإشكالية فيما سبق أن نجاح الضربات الايرانية المتوالية ضد القواعد العسكرية الأميركية يغري بشن المزيد من الهجمات سواء لإنتزاع تنازلات من الولايات المتحدة في مجمل العلاقة بين طهران وواشنطن، أو لإثبات نجاح سياسة اليد الطولى والحرب بالوكالة التي تنفذها طهران، وهو ما يعني بالتبعية ترسيخ نفوذ إيران في سوريا وغيرها واستمرار الوضع إقليمياً على ماهو عليه من دون تغير يذكر، فضلاً عن أن ذلك سيقود حتماً إلى المزيد من التآكل في العلاقات الأمنية القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها الشرق أوسطيين بسبب إخفاقات واشنطن وانحسار قدرتها على الردع وفشلها في الحفاظ على نفوذها التقليدي في المنطقة.
