فارس خشّان
كان البعض يترقّب الطريقة التي سوف يعتمدها "محور الممانعة" ليُعبّر بها عن "غضبه" من الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ لدولة الإمارات العربية المتحدّة، فكانت النتيجة أن سارعت طهران إلى الإعلان عن زيارة سيقوم بها وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني رضا فاطمي أمين على رأس وفد اقتصادي كبير الى "أبو ظبي" السابع عشر من فبراير الجاري.
وهذا الإعلان الإيراني لم يكن مفاجأة صارخة في نهج تعاطي "محور الممانعة" مع العلاقة المميّزة التي تقيمها دولة الإمارات العربية مع إسرائيل، في ترجمة لـ"اتفاق إبراهيم" الذي جرى توقيعه بين الدولتين في 13 أغسطس 2020. قبل ذلك، وبعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد ل"أبو ظبي" في 29 يونيو الماضي، حيث افتتح سفارة بلاده، توجّه، وسط "رنّة وطنّة"، وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الى عاصمتين في "محور الممانعة": دمشق وطهران.
لا غرابة يمكن تسجيلها حيال سلوك دولة الإمارات العربية المتّحدة، فهي أدرى بمصالحها وبتطلّعات مواطنيها. الغرابة تكمن في سلوك "محور الممانعة" الذي يعيث في المنطقة حروباً وخراباً وتهجيراً وفقراً تحت شعار العداء الوجودي لإسرائيل، ولكنّه، من أجل مصالحه، لا يتوانى ليس عن غض النظر عن هذه النوعية من العلاقة المميّزة سياسياً وأمنياً ودفاعياً وصناعياً وتجارياً ومالياً واقتصاديا" التي تقيمها دولة خليجية مع إسرائيل، فحسب بل يحاول أن يفيد نفسه منها، أيضاً.
ومن يقارن بين ردّة الفعل العربية والإسلامية القاسية جداً، بعد توقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل وردّة الفعل "الانتهازية" لدى أكثر الدول "جذرية" ضد "الكيان الصهيوني"، بعد البدء بتنفيذ الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، يتساءل، بجدية عالية، عمّا إذا كان العداء لإسرائيل قد انتهى واقعياً ولم تبق منه سوى شعارات لا تهدف في حقيقتها إلّا إلى تبرير هيمنة "محور الممانعة" على الدول الساقطة تحت سطوة أذرع الجمهورية الإسلامية في إيران.
وما من مثل صارخ على ذلك أكثر من المثل اللبناني.
في ردّ مباشر على الورقة الخليجية-العربية-الدولية التي سلّمتها الكويت الى المسؤولين اللبنانيين فقدّموا موقفهم منها، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يشكّل مع "حزب الله" ثنائياً شيعياً، وشارك في كتابة الموقف اللبناني:" طالما أنّ إسرائيل موجودة على شبر من الأراضي اللبنانية وأطماعها موجودة، فالمقاومة وسلاحها سيبقيان يمثّلان حاجة وطنية لكبح جماح الأطماع الصهيونية ".
ماذا يعني هذا الموقف؟
إنّه، في الواقع، يهدف الى "تأبيد" سلاح "حزب الله"، لأنّه يقول، عملياً، إن إزالة الاحتلال الإسرائيلي، بشكل كامل، عن الأراضي المتنازع حول ملكيتها بين لبنان وسوريا، مثل مزارع شبعا، لا تُلغي الحاجة الى "المقاومة" وسلاحها، لأنّ العبرة تكمن في الجزم بانتهاء أطماع إسرائيل.
وإذا كان القرار 1680 الذي طالبت الورقة الخليجية-العربية-الدولية بتنفيذه يوجب ترسيم الحدود اللبنانية-السورية، وتالياً يُحدّد، فعلياً، "آخر شبر" لا تزال إسرائيل تحتلّه في لبنان، فإنّ لا وجود لآلية يمكن من خلالها قياس تأكيد زوال أطماع إسرائيل إلّا زوال إسرائيل نفسها، وتالياً، فإنّ تنفيذ القرار 1559 الذي هو سند قانوني للقرار 1701 مرفوض رفضاً نهائياً.
وتعرف غالبية اللبنانيين كما يؤكّد جميع المعنيين بالشأن اللبناني أنّه لم يعد هناك وجود حقيقي ل"المقاومة" في لبنان، لأنّ المفترض بها أن تكون "مقاومة" تنشط في سوريا واليمن، مثلاً، من دون أن يُسجّل لها أيّ نشاط تحريري يُذكر في أيّ "شبر تحتلّه إسرائيل في لبنان".
الأدهى من ذلك أنّ المسمّاة "مقاومة" تعمل، بلا هوادة، لإحكام سيطرتها الكاملة على لبنان، وهي لا تتوانى من أجل ذلك عن الإكثار من التهديدات وتنفيذ بعضها، إذ كان آخر ما نُسب إليها اغتيال المفكر والمناضل لقمان سليم، وذلك بعد صدور قرار المحكمة الخاصة بلبنان القاضي بتجريم المسؤول الأمني في "حزب الله" سليم عيّاش في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد تسبّبت المسمّاة "مقاومة" بكوارث لبلاد الأرز، وكان آخرها قطع علاقات عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، كلّ علاقاتها مع لبنان، الأمر الذي من شأن استمراريته أن يحول دون مساعدة لبنان على الخروج من الأزمة التي يرزح تحتها.
كلّ هذا لا يعني سوى شيء واحد وهو أنّ العداء لإسرائيل لم يعد، في ضوء طريقة تعاطي "محور الممانعة" مع دولة الإمارات العربية المتّحدة التي تعمّق علاقاتها مع إسرائيل، حقيقة بل أضحى حجّة لتحصين هيمنة ميليشيات هذا المحور على دول كثيرة تتقدّمها الدولة اللبنانية، وقد يكون هذا الواقع وراء تشجيع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وسط ترحيب السفير الأميركي في تل أبيب توماس نايدز، على أن يعرض، للمرّة الرابعة في سنة واحدة، تقديم بلاده مساعدات للبنانيين عموماً وللجيش اللبناني الذي يقول إنّه خسر خمسة آلاف من جنوده، خصوصاً.