تبدو مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن وبوساطة الشركاء الدوليين في الاتفاق النووي للعام 2015 في حالة انتظار بلا جدول زمني واضح للانعقاد مجددا.
وتهيمن حالة الجمود على تلك المفاوضات التي أشاعت مجددا آمالا دولية بنهاية حالة الشدّ والجذب بين الولايات المتحدة وإيران والعودة إلى منطق الحوار لتسوية أزمة الملف النووي بما ينهي التوترات المتفاقمة ويكبح في الوقت ذاته تهديدات إيرانية للأمن الإقليمي والدولي في منطقة شديدة الحساسية وكثيرة التقلبات الجيوسياسية.
وتوحي حالة الجمود والتصريحات شديدة اللهجة الصادرة عن طرفي الأزمة بأن مفاوضات فيينا باتت أشبه بوضع الموت السريري وتحتاج آليات إنعاشها إلى إرادة من جميع الأطراف، بينما لم تبادر إيران إلى الآن بما يؤكد أنها ترغب فعلا في العودة للاتفاق النووي للعام 2015.
وقد التقى دبلوماسيون إيرانيون وأوروبيون الخميس في طهران للبحث في المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسط تشدد في اللهجة الأميركية وتلويح بـ"خيارات أخرى" في حال عدم عودة الجمهورية الإسلامية سريعا لطاولة المباحثات.
وتحض دول غربية أبرزها الولايات المتحدة، إيران على استئناف المباحثات المعلّقة منذ يونيو/حزيران وتهدف إلى إحياء الاتفاق المبرم بين طهران والقوى الكبرى في العام 2015، وانسحبت منه واشنطن بشكل أحادي قبل ثلاثة أعوام.
والتقى الدبلوماسي انريكي مورا منسق الاتحاد الأوروبي لمباحثات فيينا في طهران مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية علي باقري، والذي من المتوقع أن يشرف على فريق التفاوض لدى استئناف المباحثات في العاصمة النمساوية.
وأشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن اللقاء سيبحث "القضايا الثنائية والإقليمية والدولية من بينها العلاقات الإيرانية الأوروبية وموضوع إلغاء الحظر الظالم عن إيران والأوضاع في أفغانستان".
وكان مورا أكد في تغريدة عبر تويتر ليل الأربعاء، أنه سيشدد في مباحثاته في طهران على "الضرورة الملحّة لاستئناف المفاوضات"، معتبرا أن زيارته تأتي في توقيت "دقيق".
وتوصلت إيران وست قوى كبرى هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين إلى اتفاق العام 2015 بشأن برنامج طهران النووي، أتاح رفع الكثير من العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، في مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
إلا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية مذ قررت الولايات المتحدة الانسحاب أحاديا منه في العام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران، فيما قامت الأخيرة بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي بالتراجع تدريجا عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.
وبدأت القوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات في فيينا هذا العام في محاولة لإحيائه بعد إبداء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن استعداده لإعادة بلاده إليه، بشرط عودة إيران لتنفيذ تعهداتها.
وعُقدت ست جولات من المباحثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران، من دون أن يحدد بعد موعد جديد لاستئنافها.
وحضت دول غربية إيران في الآونة الأخيرة، على استئناف المباحثات، فيما أكدت طهران قرب حصول ذلك، لكن من دون تحديد موعد، مشددة على أنه سيكون رهن انجاز حكومة الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الذي تولى مهامه في أغسطس/اب، مراجعة ملف الجولات التي أجريت في عهد سلفه المعتدل حسن روحاني.
وتأتي زيارة مورا غداة تحذير أميركي لإيران من اعتماد مقاربة مختلفة في حال تعثّر المسار الدبلوماسي للتعامل مع برنامجها النووي الذي سبق وأن أثار توترات لأعوام مع الدول الغربية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد، إن الولايات المتحدة تعتبر أن "الحل الدبلوماسي هو السبيل الأفضل".
لكنّه أشار بحزم أكبر من السابق إلى أن واشنطن لن تنتظر فترة طويلة لاستئناف المباحثات المعلّقة، معتبرا أن "الحوار يتطلّب طرفين ولم نلمس في هذه المرحلة نية لدى إيران"، مضيفا "نحن جاهزون للجوء إلى خيارات أخرى إن لم تغيّر إيران مسارها".
من جهته، لوّح لبيد باستخدام القوة حيال الجمهورية الإسلامية، العدو اللدود لإسرائيل في المنطقة. وقال "تحتفظ إسرائيل بحق التحرّك في أي وقت وبأي طريقة".
ويتهم مسؤولون إسرائيليون إيران بشكل متكرر، بالسعي لتطوير سلاح ذرّي وأن تل أبيب لن تسمح بذلك.
من جهتها، تنفي طهران سعيها لتطوير سلاح كهذا، مجددة تأكيدها على سلمية برنامجها النووي. وسبق للجمهورية الإسلامية أن اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف اعتداءات طالت منشآتها النووية واغتيال علماء في هذا المجال.
والأربعاء، تحدث مبعوث إدارة بايدن بشأن إيران روبرت مالي، عن إمكانية أن تختار طهران مسارا مغايرا للعودة الكاملة إلى الاتفاق النووي.
وقال "إننا واقعيون. نحن ندرك أن هناك على الأقل احتمالا كبيرا بأن تختار طهران مسارا مغايرا، وعلينا أن ننسّق مع إسرائيل ومع حلفائنا في المنطقة" في حال حصول ذلك.
وأشار مالي إلى أنه سيزور قريبا السعودية وقطر والإمارات لبحث "الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي" و"الخيارات المتاحة لضبط البرنامج النووي الإيراني في حال فشل تلك الجهود".
وحذّرت إيران عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة، من أي "مغامرة" عسكرية قد تطال برنامجها، خصوصا من إسرائيل.
ونبّه السفير مجيد تخت روانجي إسرائيل من "أي خطأ في الحسابات ومغامرة محتملة ضد إيران ومن ضمن ذلك برنامجها النووي السلمي"، في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي نشرتها وكالة "إرنا" الرسمية.
وأضاف "خلال الأشهر الأخيرة، ازداد عدد وشدة تهديدات الكيان الإسرائيلي الاستفزازية والمغامرة باستمرار إذ بلغ مستوى تحذيريا"، مشددا على ضرورة "التصدي لهذا الكيان لوقف جميع تهديداته وسلوكياته المخزية".