Ana içeriğe atla

أحلام أردوغان التوسعية في العراق والمنطقة العربية تصطدم برفض إقليمي ودولي

أردوغان يحاول إعادة أمجاد العثمانية
AvaToday caption
استغلت أنقرة حالة الفراغ الكبير الناتج عن الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد،وعدم تنسيق الحكومة الكردية معها في الكثير من سياستها
posted onSeptember 5, 2020
noyorum

د.سليم الدليمي *

يشكل العدوان التركي على شمال العراق حالة مستحدثّة على الدولة التركية تجاه جيرانها ودول عربية أخرى في المنطقة خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية التي دشنها في العام2002،فخلال سلسلة عمليات استهدفت العراق،بدأت قبل ثلاثة أشهر تقريبًا..وبواقع عملتين انطلقت الأولى تحت مسمى (المخلب- النسر) في 15حزيران/ يونيو والثانية (المخلب -النمر)في 17حزيران/يونيو 2020..وقد نتج عن العمليتين قصف وتدمير عشرات القرى وبيوت السكان وممتلكاتهم ومزارعهم وعلى مساحة كبيرة من إقليم كردستان،دون الأخذ في الأعتبار بالموانع الأخلاقية والسياسية والقانونية الناتجة عن هذا الخرق لحدود دولة ذات سيادة،وبدون التشاور مع المسؤولين فيها.

الأهداف المعلنة للعملية

تدعي الحكومة التركية أن الهدف الرئيسي من العملية هو مطاردة حزب العمال التركي (PKK )والذي يكافح منذ نحو أربعة عقود للحصول على الحقوق القومية للأكراد في تركيا،مثل التعليم باللغة الكردية والإدارة الذاتية للحكم للمناطق الكردية..والذي يمتلك قواعد له في جبل قنديل الواقع في المثلث العراقي-التركي-الإيراني،ويستخدمه الحزب كملاذّ أمن ضد أي هجمات تركية -إيرانية،وقد نجح الحزب ولفترة طويلة في الصمود أمام الهجمات الجوية والصاروخية من كلا الدولتين،وإفشل كل المحاولات السابقة لتدمير هذا الحزب مستفيدًا من الطبيعة الصعبة والمعقدة للمنطقة التي يستخدمها كقواعد له..وتسعى أنقرة من وراء هذه الهجمات منع الحزب المذكور من تهديد أمن تركيا القومي واحتمالية انتقال عملياته العسكرية مجددًا إلى الداخل التركي فيما بعد.

إنشاء قواعد متقدمة داخل العراق

أدى تصاعد النشاط العسكري لحزب العمال الكردستاني(PKK) في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وحتى خروج قيادة الحزب من سوريا 1998، إلى إنشغال تركيا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا بهذا الصراع داخل حدودها في أغلب الأحيان،والذي نجم عنه خسائر كبيرة ومكلفة على كافة الأصعدة،وكانت القوات التركية تتوغل داخل إقليم كردستان العراق في حملات مطاردة لعناصر الحزب بين فترة وأخرى ،حتى خلال عهد الرئيس  العراقي الراحل صدام حسين بموجب إتفاق بين البلدين دون أن تقيم قواعد ثابتة في الإقليم؛لكن الوضع اختلف منذ غزو العراق عام 2003 وإقامة حزب العمال الكردستاني لقواعد ومقرات ثابتة في جبل قنديل.وقد أقر رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم عام 2018 بوجود( 11) قاعدة عسكرية تركية داخل العراق،وأضاف أن تركيا تنوي زيادة عدد قواتها المتمركزة في هذه القواعد رغم احتجاج الحكومة العراقية من حين إلى آخر.

    لكن العدد الحقيقي لهذه القواعد وفقًا لتقديرات استخبارية عراقية وعالمية فأن العدد الحقيقي يصل إلى أكثر من (30) قاعدة عسكرية تركية،يقع بعضها على عمق( 45) كيلومترًا داخل إقليم كردستان العراق،فضلاً عن قاعدة بعشيقة الواقعة على أطراف مدينة الموصل،والتي تعتبر هي الأهم والأعمق مسافة بين القواعد الأخرى،وتبعد أكثر من( 140) كيلومتراً عن الحدود التركية العراقية.. وتضم القاعدة نحو (240)ضابطًا وجنديًا تركيًا وعدد من الدبابات والمدافع ،على الرغم أن المنطقة التي أقيمت فيها القاعدة لا تعتبر منطقة نشاط وساحة عمل لحزب العمال الكردستاني،ورغم معارضة بغداد ومطالبتها الدائمة لأنقرة بسحب قواتها من هناك،إلا أن جميع هذه الدعوات قوبلت بالرفض بشكل يخالف القانون الدولي وقواعد احترام سيادة الدول.

كما أن لتركيا عددًا من المقرات الأمنية يتمركز فيها عناصر من الاستخبارات التركية المعروفة بـ( MIT )دون معرفة عددها بالضبط،وهي تمارس نشاطاتها خارج كل الأعراف والمواثيق الدولية المعتمدة في العلاقات بين الدول وبالتنسيق مع جهاز المخابرات الكردي المعروف بأسم(الباراستن).فضلًا عن وجود تنسيق عسكري وأمني تركي -إيراني ظهر خلال المواجهة القائمة حاليًا بين الجيش التركي والقوات الإيرانية،فقد هاجمت طائرات تركية مواقع ومقرات تابعة لأحزاب كردية معارضة لإيران تتواجد في قضاء كويسنجق التابع لمحافظة السليمانية،فيما قصفت المدفعية والصواريخ الإيرانية مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في نفس المنطقة.

زعزعة الاستقرار

تحاول تركيا زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية وخلق  مشاكل جديدة لدول المنطقة ،عبر دعمها لجهات وفواعل محلية تخوض حروب ومعارك ضد تيارات وحركات وربما جيوش وطنية لهذه الدول،ويتمثل ذلك بوضوح بتواجد جنودها والميليشيات -التي دربتها خلال الحرب السورية- في بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا بالإضافة إلى العراق..وسعيها لإيجاد مواطىء قدم لها في السودان والصومال واليمن.

ويبقى الهدف التركي المعلن من إنشاء قواعد عسكرية شمال العراق هو مواجهة حزب العمال الكردستاني،فقد عمدت تركيا إلى إنشاء العديد من القواعد في جبل خامتير الإستراتيجي ومناطق باتوفان والعمادية وبامرني للسيطرة على منطقتي حفتانين ومتينا في محافظتي دهوك وأربيل،واللتين تعدان من المواقع الاستراتيجية المهمة -للمخطط العسكري التركي- لتنفيذ عمليات عسكرية مستقبلية ضد حزب الـ( (PKK،فضلاً عن القواعد التركية الأخرى في سوريا ومهمتها  المُعلنة منع الأكراد من تحقيق أي نوع من الاستقلال أو الحكم الذاتي في سوريا.

 كان الرئيس التركي رجب طيب أوردغان قد صرح في العام  2016 عن بعض تلك الأهداف غير المعلنة في سياسته التوسعية في المنطقة العربية ومنها قوله: إن "هناك من يريد إقناعنا بأن معاهدة لوزان(1923)انتصار لتركيا وللأتراك..لوّحوا لنا بالموت لنقبل بالعاهة الدائمة"..وقوله إن الحدود بين بلاده وبين دول الجوار "ثقيلة على قلوبنا"،كما أعلن في تصريحات أخرى أن "الموصل كانت لنا، وكركوك كانت لنا".

لقد استغلت أنقرة حالة الفراغ الكبير الناتج عن الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد،وعدم تنسيق الحكومة الكردية معها في الكثير من سياستها، الأمر الذي شكلّ عامل محفزّ ومشجع للسياسة الأوردغانية الجديدة،والحقيقة أن هناك شبه إنفصال في سياسة الإقليم الكردي،المنتشيّ بفرصة الحرية التي حصل عليها بعد غزو الكويت 1991،والتي تعززت بإحتلال العراق،مما دفعه لإتخاذ  سياسات لاتتماشى مع الواقع الجديد  في المنطقة والمتغيرات التي حدثت في تركيا بعد استلام أوردغان الرئاسة وانفراده بالحكم،فضلاً عن المتغيرات التي ترتبت على التدخل الروسيا إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا،وولادة حالة من الإنسجام في المواقف بين إيران وتركيا،خصوصًا مايتعلق بالتحركات الكردية نحو تحقيق حكم ذاتي كامل أو إعلان استقلال،ويبدو لنا ذلك المشهد جليًا في التدخل الإيراني المباشر لقمع عملية الإستفتاء الكردية للإستقلال في سبتمبر 2017،والتي نتج عنها اجتياح القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي بتوجيه إيران وتشجيع كردي لمحافظة كركوك الغنية بالنفط،مما اجهض الحلم الكردي ،وتسبب لاحقًا بحالة شقاق وإنقسام في الصف الكردي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. 

فقد أختار الحزب الديمقراطي الكردستاني تركيا كبديل عن الحكم المركزي وعمل على تعزيز الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية مع أنقرة،الا أنه اصطدم بالرفض والتهديد التركي لخطوة الزعيم الحزبي ورئيس إقليم كردستان-أنذاك- مسعود البارزاني في محاولته إقرار نتائج الإستفتاء الشعبي الكردي المطالبة بإعلان استقلال وإنفصال الكرد عن الدولة المركزية،ولأجل ذلك كانت سياسة الحزب الديمقراطي في أربيل ودهوك تتماهى مع الكثير من الخروقات التركية،بل وتجري في كثير من الأحيان بالتنسيق مع أطراف في الحزب وقياداته الكبيرة،وكان من بينها خوضه معارك إلى جانب القوات التركية ضد حزب العمال الكردستاني،واستعداده لخوض مواجهة مباشرة معه خصوصًا في مناطق انتشاره الجديدة في جبال سنجار على الحدود مع سوريا التي يعتبرها الحزب الديمقراطي نفوذ خالص له،وفي الميدان الاقتصادي تشير معلومات إلى أن مئات الشاحنات التي تنقل النفط العراقي المهرب من حقول عراقية في كركوك وأربيل وصلاح الدين ونينوى تعبر الحدود باتجاه تركيا بتنسيق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والسلطات التركية التي تقوم ببيعه في الأسواق العالمية بمئات الملايين من الدولارات.

بالمقابل نجد أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني انحاز كثيرًا لإيران وسمح لها بنفوذ واسع وكبير على الحزب ومعاقله في محافظتي السليمانية وحلبجة،مقابل رفضه لأي نفوذ تركي في المنطقة.

هذا التناحر والتحالفات المتضادة من أجل تحقيق المصالح الحزبية والمناطقية الضيقة،جعل القوى الخارجية ومنها تركيا تجد المدخل المطلوب للتوغل في الإقليم الكردي ومنها إلى الساحة العراقية بفعل تلك الإنقسامات وحالات الشدّ والجذب والصراع الذي وصل إلى حد المواجهات المسلحة بين الحزبين الكرديين العراقيين الرئيسيين في فترات زمنية مختلفة،رافقها تنازلهما عن حقوق مهمة للأكراد لصالح الدوليتن لتحقيق جزء بسيط من هذه المصالح.

حماية الأقلية التركمانية

تدعي تركيا أنها بهذه القواعد والتواجد في شمال العراق فأنها تحمي كذلك العراقيين من الأصول التركية ،فقد سبق لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو،وأن حذّر  في 25أيلول/سبتمبر 2017 من أن بلاده ستتدخل عسكريًا إذا تم استهداف التركمان في العراق،على الأخص  بعد أن اجرى إقليم كرستان اسفتاءٍ للإنفصال عن الحكم المركزي في بغداد..ولهذا تدعم تركيا وبقوة ماليًا ولوجستيًا الحركة القومية التركية في العراق والممثلة بالجبهة التركمانية والتي تمتلك(10) مقاعد في البرلمان العراقي من أصل (329) مقعدًا،كما أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منح التركمان تمثيلاً في الحكومة بمستوى وزير دولة.

وفي ذات السياق يقول رئيس حزب الحركة القومية التركية ،دولت بهتشلي، الحليف لحزب العدالة والتنمية التركى الحاكم: عندما يحين الوقت وتتغير الشروط وعندما لا يعود التاريخ مناسبًا للجغرافيا الحديثة سيستيقظ الميثاق الوطني .. ستكون كركوك المحافظة التركية الـ82 ،والموصل الـ83 ،ولن تكون هناك قوة قادرة على الوقوف ضد استرجاع هذا الحق.

هجمات متكررة

نفذت تركيا اللآف من الهجمات في شمالي العراق منذ العام 2016 ،بدواعي ملاحقة حزب العمال الكردستاني (PKK) دمرت خلالها قرى وقتلت عشرات من السكان،كما هاجمت في سنجار مقرات تابعة للحزب المذكور ؛القصف التركي الدائم لمناطق كردستان العراق،ولا سيما جبال قنديل وسنجار ومخيم مخمور الواقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية،والذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ومناطق في محافظتي أربيل ودهوك بحجة مكافحة الإرهاب ومحاربة حزب العمال الكردستاني لم يكن سوى غطاء لمقاصد أخرى غير الهدف المعلن، ومايدلل على ذلك أن معظم الضحايا كانوا من المدنيين،وأن مايتبع تلك العمليات مزيد من القواعد والمنشآت العسكرية والأمنية التركية داخل العراق.

بالإضافة إلى موضوع الهجمات العسكرية على العراق  تواصل تركيا سياسة تعطيش العراق من خلال تقليل حصته المائية من نهريّ دجلة والفرات،وتذرعها بشتى المسوغّات لعدم توقيع إتفاق يحدد حصة العراق من مياه هذين النهرين،ومن ثم بدأت بفرض شروط على العراق منها عدم زراعة محصول معين،أو التقليل من حجم المساحات المزروعة من أجل ضمّان بقاء حصة العراق المائية كما هي،فضلاً عن بناءها لعشرات السدود على منابع النهرين المذكورين.

مواقف محلية

هناك جملة متغيرات رافقت العمليات التركية في العراق منها:

المتغير الأول : استنكار حكومة إقليم كردستان،للهجمات التركية الأخيرة داخل اراضي الإقليم،مطالبةً تركيا باحترام سيادة اراضي الإقليم،وقال المتحدث باسم حكومة أربيل جوتيار عادل، في بيان"نراقب ببالغ القلق والأسف أحداث المناطق الحدودية،والتي أدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية للمدنيين وسكان قرى المنطقة". وأضاف أن "حكومة إقليم كردستان تشجب التسبب باستشهاد وإلحاق الأذى بالمواطنين من أي طرف كان ومهما كانت الأسباب". وللمرة الأولى نجد أن الأكراد الذين طالما سايروا قياداتهم في إقليم كردستان يصبّون غضبهم على القيادات الكردية،ويمارسون ضغوط شعبية وحزبية كبيرة لإجبار الإقيلم  على إيقاف التعامل معها ،فقد أثبت هذه الهجمات حتى للموالين من الكرد بأن تركيا دولة محتلة تريد إتباع نفس سياسة إيران التوسعية  في المنطقة.

المتغير الثاني: دعا أعضاء في لجنة الأمن والدفاع النيابية في البرلمان،الحكومة العراقية إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة ضد تركيا على خلفية تكرار عمليات القصف في إقليم كردستان. وقالت إن "لجنة الأمن والدفاع النيابية تطالب الحكومة باتخاذ الأساليب الممكنة،التي تجعل تركيا تتراجع عن هذا الخرق السافر واستخدام القوة تجاه الأراضي العراقية"،داعيةً الحكومة إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة لإثارة هذا الموضوع. وكانت وزارة الخاجية قد استدعت ولثلاث مرات خلال أسبوعين،السفير التركي في العراق وسلمته مذكرات احتجاج شديدة اللهجة على خلفية الانتهاكات الأخيرة.

واجتمع مجلس الأمن الوطني العراقي برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي،أدان خلاله  الأعتداء التركي على الأراضي العراقية واستهداف قادة من الضباط العراقيين،كما دفعت بغداد بتعزيزات عسكرية إلى مواقع حدودية مع تركيا بعد يوم واحد من مقتل الضابطين من حرس الحدود العراقي ،وإلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووفد تركي أخر إلى بغداد،وقد طالبت فعاليات شعبية ورسمية بأن لايكتفي العراق بالإجراءات الدبلوماسية فقط،وعليه أن يتخذ اجراءات عملياتية لردع التدخل التركي.

 المتغير الثالث: خروج متظاهرون في بغداد أمام السفارة التركية رافعين أعلام ولافتات تندد بالعدوان التركي وتدعو إلى مقاطعة البضائع التركية،وإلى ضرورة عدم السكوت على الاعتداءات المتكررة والخروقات للحدود العراقية،وقد أخذت الحملة الخاصة بمقاطعة البضائع التركية بعداً رسمياً عندما هدد المتحدث بأسم الخارجية العراقية احمد الصحاف حين  قال، أن العراق يمتلك ورقة مهمة تتمثل بالتبادل الاقتصادي بين البلدين والذي تميل كفته لصالح تركيا والذي يصل إلى 18 مليار دولار سنويًا..لتركيا حصة الأسد فيه،فضلاً عن وقف عمل عشرات الشركات التركية في العراق،والتلويح بإمكانية اللجوء إلى الأمم المتحدة لبحث هذه الإعتداءات.

المتغير الرابع :دعوة وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والكويت والبحرين إلى ضرورة الوقف  الفوري لأي عمليات عسكرية تركية على الأراضي العراقية،فيما أكد وزراء الخارجية العرب دعمهم الكامل لأمن وسيادة العراق.كذلك أدانت الخارجية الفرنسية العدوان التركي ووصفته بأنه "تطور خطير".

سياسات إستعمارية

المتابع للسياسة التركية تجاه المنطقة العربية منذ 2011،يجد أنها أخذت منحدرًا خطيرًا تمثل في التدخل بالكثير من الأزمات العربية،فمن التدخل فيما سميّ بـ(ثورات الربيع العربي) وقيادته لمشروع حركة الأخوان المسلمين التدميري في مصر وتونس واليمن وليبيا والسودان،إلى التورط المباشر في الحرب في  سوريا لصالح قوى منخرطة في الصراع السوري،القسم الأكبر منها في الحقيقة هي منظمات متطرفة وإرهابية يقف في مقدمتها تنظيم داعش،وهيئة تحرير الشام،وحركة نور الدين الزنكي وغيرها من الحركات والتنظيمات الإرهابية الأخرى،فضلاً عن الجيش السوري الحر،وهو أحد  التشكيلات التي استخدمتها حركة الأخوان المسلمين كغطاء لعملها،وقد كانت هذه الحركات الأداة الطيّعة  التي استغلها أوردغان في مغامراته الخارجية في ليبيا ،وربما سيلجأ لإستخدامها في أماكن أخرى.

وفي نظرة فاحصّة للدور التركي الجديد لمابعد إستيلاء أوردغان وانفراده بالسلطة بعد محاولة الإنقلاب التي جرت منتصف عام 2016،وعمله على أبعاد القيادات من المخضرمين في حزب العدالة والتنمية كعبدالله غلّ،واحمد داود أوغلو وعلي باباجان ومئات أخرين من الكوادر الرئيسية  في الحزب،ثم إعتقاله لعشرات اللآف من الضباط والمحامين والصحفيين ورجال الأعمال بحجة المشاركة في إنقلاب يوليو/تموز 2016،بتوجيه من الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة،ومحاولاته لإسكات ملايين الأتراك الرافضين لطريقة الحكم والسياسة التي ينتهجها في الداخل والخارج وتدخلاته غير المبررة في دول الجوار العربي،ودول في الإقليم..والتي باتت تؤثر على الحياة المعيشية للمواطن التركي،فقد كانت واحدة من نتائج سياسة أوردغان أنهيار العملة التركية خلال الأسابيع الأخيرة حيث لامس سعر صرفها الـ (7.40) مقابل الدولار الأمريكي بعد أن كان لايتجاوز(2) ليرة لكل دولار.

وفي لمحة سريعة على محاولات الرئيس التركي لصياغة عهد تركي جديد يجترّ ماضي تركيا الإمبراطوري وحلمها الإستعماري،نجد أن تركيا سعت للتوسع عبر بناء قواعد لها في عدد من الدول العربية،منها على وجه الخصوص لا الحصر بالإضافة إلى ماذكر عن العراق:

أولآً.  قطر: التي تمتلك تركيا فيها قاعدتين،الأولى تدعى الريان(أو طارق بن زياد)والتي تم افتتاحها عام 2015..ولها قدرة إستيعابية تصل إلى ( 3) آلاف جندي إضافة إلى قوات بحرية وجوية وقوات كوماندوس..وسبق لوزير الدفاع التركي أن صرح العام  2018 إن هذه القاعدة ستلعب دوراً في الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج وغيرها من المناطق.فيما قام الرئيس التركي في شهر نوفمبر/تشرين  2019 بإفتتاح قاعدة ثانية بأسم (خالد بن الوليد).

ثانياً. السودان: حاولت تركيا بناء قاعدة بحرية لها في جزيرة سواكن،لكن السلطات السودانية التي خلفت حكومة عمر البشير ..طلبت من الجانب التركي وقف العمل في الجزيرة بشكل كامل،وكان الإتفاق المبرم يتضمن إقامة قاعدة بحرية فيها لأغراض عسكرية ومدنية وغيرها من الأعمال حسب الاتفاق الموقع بين البلدين عام 2017.

ثالثاً. الصومال:  أقامت تركيا في الصومال قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة مقديشو لتدريب الجنود الصوماليين..بلغت نفقات إقامة القاعدة حوالي (50)مليون دولار حسب بعض المصادر ويمكنها أن تأوي نحو( 1500) جندي وتقديم التدريب والمشورة لهم في وقت واحد.

رابعاً. ليبيا: وهي الدولة التي تشهد تواجدًا تركيًا كبيرًا والسبب هو وجود حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج والتي تتبع حكم حركة الأخوان ..فقد مهّد الاتفاق الأمني والبحري،الذي أبرمته حكومة السراج مع حكومة أنقرة،الطريق الذي سمح لأردوغان باحتلال أجزاء من ليبيا،فقد سمح السراج لأردوغان بنقل بعدد كبير من عناصر وقيادات داعش،ومرتزقة الفصائل السورية،إلى ليبيا للقتال في صفوف ميليشياته ضد الجيش الوطني الليبي،وهو ما صنع بؤرة إرهابية خطيرة في البلاد،أصبحت قادرة على تهديد أمن أوروبا وليس منطقة الشرق الأوسط فقط.

ثم سعيه الحثيث للتجاوز على السيادة للدول المطلة على البحر المتوسط من خلال إرساله بعثات استكشاف واستخراج النفط والغاز في البحر المتوسط،وهو ماعجل من توقيع إتفاق مصري- يوناني قطع الطريق على الأطماع التركية للإستكشاف في المنطقة،وهو الأمر الذي يُمكن مصر واليونان من القيام بكل عمليات البحث والتنقيب كل في منطقته الخالصة،دون مشاكل،وأن تقوم شركات التنقيب العالمية بضخ استثمارات في تلك المناطق بعد أن اكتسبت الصفة القانونية،كما إنه وبعد توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان ،وإتفاق ترسيم الحدود بين اليونان وإيطاليا، لم يعد لتركيا أي مدخل باتجاه ليبيا يمكن أن يتوافق مع قواعد القانون الدولي.

وعلى آثر هذه التطورات تصاعد التوتر بين تركيا واليونان، بعد تخطيط أنقرة للتوسع في المياه البحرية المحيطة بها وإعلانها البدء في التنقيب عن النفط والغاز بالقرب من جزيرة كريت،مما دفع القيادة اليونانية لإتخاذ اقصى درجات الاستعداد،وعلى وقع هذا التطور ارسلت فرنسا طائرات عسكرية وسفينة حربية إلى اليونان لمراقبة التحركات التركية وعمليات التنقيب في المتوسط.

ويؤكد بحث نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية،أن هناك مأزق استراتيجي للعلاقة بين حلف الناتو وتركيا يتمثل بزيادة الانقسام بصورة متزايدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا..وأن هذا المأزق الاستراتيجي راسخ في سياسة تركيا الخارجية والأمنية الإقليمية الجديدة،وهي سياسة ترتكز في جانب منها على أساس عقيدة" الوطن الأزرق" التي تتبناها أنقرة. ويرجع أصل عقيدة "الوطن الأزرق" التركية إلى خطة وضعها الأدميرال التركى جيم غوردنيز في عام 2006، وهى تحدد هدفا طموحًا للقيام من خلال الدبلوماسية والوسائل العسكرية القوية،بتحديد وتوسيع نطاق نفوذ تركيا في البحرالأبيض المتوسط، وبحر إيجه، والبحر الأسود،مع تمكين الوصول إلى مصادر الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى. وتبنى الرئيس رجب طيب أردوغان هذه العقيدة في عام 2015 كجزء لا يتجزأ من استراتيجية وطنية "للدفاع المتقدم" في سياق محاولته المستمرة التي يقوم بها لتأكيد الاستقلال التركي في جميع أوجه السياسة الخارجية لتشمل النفوذ في المناطق المحيطة ببلاده.وقد تم استعراض مظاهر هذه العقيدة بصورة كاملة أثناء "مناورة الوطن الأزرق" في شباط/ فبراير عام 2019، والتي كانت أكبر مناورة قتالية منذ تأسيس البحرية التركية، وتم القيام بها في وقت واحد في بحر إيجه، والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط.

أردوغان يسعى إلى تعبئة قاعدته السياسية من جديد

كان في استطاعة تركيا اعتماد سياسة "صفر مشاكل" مع محيطها، كما كان يقول وزير الخارجية الأسبق احمد داود اوغلو بدل ان تكون دولة ذات سياسات شبيهة بايران، أي دولة تبحث عن المشاكل والصراعات خارج حدودها..ولكن الواقع يشير إلى أنها تسعى وبقوة للعب دور الهيمنة والنفوذ،ومحاولة تجسيد السياسية الإيرانية التوسعية ولكن بنسخة تركية هذه المرة.

ويحاول أردوغان توظيف السياسة الخارجية لبلاده وتسويق صورته كقائد حرب من أجل حشد وتعبئة قاعدته الجماهيرية والسياسية التي تراجعت بسبب الانقسامات التي ظهرت في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم ،ولكن يبدو أن هذا الرهان أصبح صعب المنال للرئيس التركي بسبب المجهود الحربي الذي أصبح يكلف الخزينة التركية أموالاً باهظة وثقيلة على الاقتصاد التركي الذي يعاني اصلًامن الركود جراء أزمة فيروس كورونا وأزمات بنيوية أخرى.

وفي هذا الصدد يمكن النظر إلى الأزمة الداخلية التي يعيشها حزب العدالة والتنمية وخروج قيادات مهمة منه  مثل احمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق  الذي أعلن عن تأسيس حزب المستقبل الذي اتهم أوردغان قائلاً(أنه لم يعد بالإمكان العمل تحت إدارة حزب العدالة والتنمية الحالية التي تصف أي انتقاد داخل الحزب بأنه "خيانة"..وأن ما وصلت إليه تركيا من اقتصاد متدن يعود إلى السياسات الاقتصادية الكارثية التي يتبعها الحزب الحاكم بزعامة الرئيس أردوغان دون أن يكون للأمر أدنى علاقة بتداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن رصيد الميزانية الأولى سجل أرقامًا بالسالب لأول مرة منذ عام 2002،وأضاف متسائلاً عن مصير( 110 )مليار ليرة في الميزانية لا يعلم أحد مصيرها،وانه في العام 2016،عندما كان في موقع المسؤولية،كان عجز الميزانية لـ12 شهرًا سالب( 12) مليار ليرة تركية. والآن يبلغ عجز الـ12 شهرًا سالب( 117) مليار ليرة..والآن لن أتساءل، أين ذهبت الـ(110) مليار ليرة؟ أين ذهب الصندوق الاحتياطي؟ إلى من يتم تحويل موارد الميزانية هذه؟.وذكر في هذا السياق أنّ أردوغان أطاح بطاولة مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردي بعد أن اتجه المواطنون الأكراد إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي بدلًا من حزب العدالة والتنمية.ويرى أوغلو أنّ أردوغان يعتبر "كل من يطالبه بالعودة إلى طاولة مفاوضات السلام الكردي إرهابيا أو داعمًا للإرهاب،ما نتج عنه اعتقال عدد كبير من الأكاديميين  الأتراك والأكراد منذ عام 2015 وحتى اليوم"..وأنه حوّل حزب العدالة والتنمية لتجمع عائلي.

أما علي باباجان نائب رئيس الوزراء الأسبق فقد أعلن عن تأسيس حزب جديد(الديمقراطية والنهضة) معللاً ذلك بالقول "لقد مر ما يقرب من 20 عاما (منذ تأسيس حزب "العدالة والتنمية"). تغيرت تركيا، وللأسف فإن الحزب السياسي الذي كنت عضوًا فيه بدأ في القيام بأشياء تخالف مبادئ تأسيسه..ومتهمًا أوردغان وحزبه الحاكم بأنّه "غير قادر على تلبية تطلعات الشعب،حيث لا حرية ديمقراطية داخلية فكيف يعطي الحرية والديمقراطية للشعب،وهو يستخدم لغة الاستبعاد والتهديد والحساب على موضوع البقاء،والاستقطاب في الحكم باستبعاد شريحة، والتأثير بالديمقراطية،في ظل غياب المؤسسات والتركيز على الحكم الفردي والقوانين الكيفية؟".

وقد قرر الأثنان(أوغلو وباباجان) تحدي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة،وهو مايشكل معضلة بالنسبة لأوردغان كون المذكوران كانا من القيادات الأساسية في الحزب،وانهما يمتلكان مفاتيح واسرار كثيرة للحكم التركي في فترة حزب العدالة والتنمية.

كما ان استطلاعات الرأي تشير إلى أن رئيس بلدية اسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم أوغلو يتمتع بموقع متقدم في الاستطلاعات على الرئيس الحالي رجب طيب أوردغان،وبنسب تصل إلى (6)نقاط،فيما تتقارب نتائج أوردغان مع رئيس بلدية أنقرة  منصور يافاش وهو ايضًا ينتمي لحزب الشعب الجمهوري.

هذه الوضع يجعل من أوردغان يبحث في اتخاذ سياسة خارجية عدوانية أكثر تمنحه الغطاء لإسكات الأصوات المعارضة له،وتقديم مايؤكد أنه يسعى لخير تركيا عبر البحث عن منابع النفط والغاز في سوريا والعراق وليبيا والبحر المتوسط.

وختامًا فأن الواقع يشير إلى أن تركيا استفادت كثيرًا من توظيف حركة الأخوان المسلمين وعناصر التنظيمات المتطرفة التي استثمرتها  في حربها في سوريا وليبيا،فضلًا عن أطراف كردية وعربية في العراق مشاركة في الحكم بإقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد،وإمارة قطر وحكومة فايز السراج في ليبيا لتحقيق جزء من مشروعها التوسعي في المنطقة..وهي تحاول عبر عملياتها المتكررة في شمال العراق إلى تحقيق غايات توسعية استعمارية لاتخلو من منافع اقتصادية فجبل قنديل الذي تجري حوله المعارك يعتبر من أغنى الجبال بثرواته الطبيعية،فضلاً عن موقعه الاستراتيجي.

كما تسعى حكومة أوردغان لتوظيف تحركاتها الدبلوماسية والعسكرية من أجل  استثمار الثروات النفطية في العراق وسوريا وليبيا وشرق المتوسط والاستفادة من الثروة القطرية الضخمة لدعم الاقتصاد التركي عبر القروض التي قدمها أمير قطر تميم بن حمد لدعم الاقتصاد التركي وحجم الاستثمارات الهائل في الداخل التركي،فالأمر يتجاوز فكرة الدفاع الاستراتيجي  ضد حزب العمال الكردستاني سواء بنسخته في العراق أو سوريا إلى أهداف استراتجية أهم وأكبر.

باحث في شؤون إيران والخليج