فارس خشّان
يسارع "حزب الله"، عبر آلياته الدعائية المعهودة، إلى ادراج معارضي نهجه الحربي في خانة "الخونة"، متفنّنا في الصفات السلبية التي يسبغها عليهم.
وينبري المدرجون على "لوائح" الحزب التخوينية في الدفاع عن أنفسهم، واضعين مواقفهم المعارضة والمختلفة، في سياق حرية التعبير.
لكن ماذا لو جرى قلب الأدوار؟ ماذا لو فصّل معارضو سلوكيات الحزب خلفيات مواقفهم، وتاليا ماذا لو اتهموه هم بالخيانة الوطنية من خلال تعريض أمن البلاد والعباد للخطر، كما من خلال مضاعفة العوامل المسببة للانهيار المالي والاقتصادي والتحلل المؤسساتي؟
هذا الامتناع عن "قلب الاتهام" لا يعود إلى نقص في المنطق أو إلى مشكلة في التعبير، إنما، وقبل سبب آخر، إلى الحيطة والحذر، فثمة قناعة رسختها السنون الطويلة أن "حزب الله" قد يلجأ إلى العنف في التعاطي مع من يدرجهم في خانة الخيانة، ولذلك يكثر المخوّنون، في كل مرة يتعرضون فيها للسهام، من الكلام على "هدر دمائهم".
على أي حال، وفي حال أسقطنا "ميزان الرعب" الذي يميل، بشكل حاسم لمصلحة "حزب الله"، ما هي المعطيات التي تسمح بـ "قلب الاتهام"؟
في تخوينه لمعارضيه، يعتمد الحزب معادلة بسيطة جدا، فكل من لا يؤيد سلوكه ضد العدو ومن يصنفهم هو أعداء، يكون خائنا. وفي التجربة الأخيرة، كل من اعتبر أن اقحام لبنان، من خلال "أجندة" الحزب، في حرب مع إسرائيل، خطأ وطنيا، أصبح من "أبواق الصهيونية".
لكن لهؤلاء "الخونة" ما يكفي من معطيات لـ "قلب الاتهام"، ذلك أن "الخائن" هو كل من يقدّم مصلحة الخارج عموما على مصلحة بلاده، فيجر عليها الكوارث والويلات. وصراع "الخونة" مع الحزب له خلفية أكيدة، وهي تقديمه المصلحة الإيرانية، بكل تفاصيلها، على المصلحة اللبنانية، بكل تعقيداتها، وتاليا تحويله لبنان من وطن يلتمس الإنقاذ من انهيار وشيك إلى متراس متقدم لإيران.
سبق للحزب، على لسان أمينه العام حسن نصرالله، أن أعلن، وبالفم الملآن، وضع لبنان الذي يتحكم به عسكريا بتصرف المصلحة الإيرانية في حال تعرضت طهران لأي مكروه حربي.
وتاليا فهو كان قد بدأ التسويق لإمكان جر لبنان إلى حرب مع إسرائيل، بصفته أحد أضلع أي حرب قد تشن على إيران.
وهذا الإعلان الذي لا يعني سوى تذكير من يمكن أن يكون قد نسي بأن الحزب هو ذراع متقدمة لإيران، كان قد سبق التصعيد الأخير بين إسرائيل من جهة وبين حزب الله من جهة أخرى.
وفي نظر الدستور والقوانين وبحسب المنطق الوطني السليم، فإن تعريض البلاد للمخاطر، خدمة لدولة أخرى، هو فعل خيانة مكتمل العناصر، فكيف يصبح، والحالة هذه، خائنا من يعارض هذا التوجه الذي أعلنه نصر الله؟
وفي قرار فتح جبهة عسكرية لبنانية في مواجهة إسرائيل من المناطق المشمولة بالقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أي حيث يمنع على الحزب التواجد عسكريا.
لا تكمن المشكلة في الإسقاط العملي لهذا الاتفاق الذي رعى وقف الأعمال العدائية التي شهدتها حرب تموز 2006، فحسب بل يتعداه إلى إسقاط تعهد لبنان للداخل والخارج، بالنأي بالنفس، أيضا.
لماذا؟ لأن "حزب الله" أسقط أهم ضوابط القرار 1701 الملتزم به لبنان الرسمي، بسبب عملية إسرائيلية استهدفت مقاتلين اثنين للحزب في سوريا التي تشهد "حروبا خاطفة" بين تل أبيب وطهران.
و"حزب الله" موجود في سوريا بناء لطلب إيراني، وخلافا للإرادة اللبنانية التي كانت قد تجلت سابقا في "إعلان بعبدا" ومن ثم في مقولة "النأي بالنفس".
بهذا المعنى، فإن من يستهين بالتزامات لبنان وتعهداته، جارا عليه الويل والثبور وعظائم الأمور، يكون هو الخائن المكتمل المواصفات، وليس من يقف في وجه من يقدم على ذلك.
ثمة قناعة رسختها السنون أن "حزب الله" قد يلجأ إلى العنف في التعاطي مع من يدرجهم في خانة الخيانة والأخطر في هذا المشهد أن "حزب الله" يضع لبنان في فوهة الحرب، في وقت يعاني اقتصاده، باعتراف رسمي، من مخاطر انهيار حقيقية.
أي أن الحزب، وفي إطار وظيفته الإيرانية، يدفع في لبنان الواقف على طرف الحافة إلى الهاوية.
وهذا أيضا فعل خيانة مكتمل المواصفات، خصوصا أنّ تسريع الانهيار اللبناني يترافق مع وضع آمن، نسبيا، لدولة إسرائيل، أي أن العدو يمكنه أن يخوض حربا مستفيدا من هوامش الأمان المالية والاقتصادية التي يتمتع بها في حين أن لبنان يغامر بآخر ما يستند إليه، أي الأمل بالإنقاذ والوعد بالمساعدة.
بناء على هذه النماذج البسيطة، يبدو واضحا أن مهمة "قلب الاتهام" يسيرة، ولكن النقاش، حتى يأخذ مداه ويعطي نتائجه، يحتاج إلى بيئة سليمة ومعافاة.
هذه البيئة كان "حزب الله" قد أجاد في... ضربها.