أجرى مركز كارينغي للشرق الأوسط، دراسة بحثية عن " الثورة الإيرانية "، بعد عقدها الرابع و الوعود و التغييرات التي حصلت بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران.
وشارك في الدراسة كل من أندرو سكوت كوبر، مؤلّف كتابين هما (ملوك النفط: كيف قلبت الولايات المتحدة وإيران والسعودية موازين القوى في الشرق الأوسط)، (سقوط الجنة: العائلة البهلوية والأيام الأخيرة للإمبراطورية الإيرانية) (منشورات هنري هولت وشركاه، 2016)، و فاطمة مقدم، أستاذة متقاعدة فخرية في جامعة هوفسترا في نيويورك، ومؤلّفة كتاب (من إصلاح الأرض إلى الثورة: الاقتصاد السياسي للتنمية الزراعية في إيران) ، وأيضاً مالكولم بيرن، نائب رئيس ومدير الأبحاث في منظمة "أرشيف الأمن القومي" غير الحكومية، حيث يتولّى إدارة مشروع العلاقات الأميركية -الإيرانية، وكتابه الأخير يحمل عنوا (إيران-كونترا: فضيحة ريغان وسوء استخدام السلطة الرئاسية).
تطرقوا الثلاثة على إن الثورة الإيرانية هي قصة وعود مكسورة، وفرص ضائعة، وحكومات غير كفوءة، وتشكيك دائم بالقوى الخارجية. ولم تتم تلبية تطلّعات ملايين الإيرانيين الذين أدلوا بأصواتهم في العام 1979، تأييداً للجمهورية الإسلامية وسعياً إلى تحقيق الازدهار والحرية.
فقد حصل الإيرانيون في نهاية المطاف على السلطوية بدلاً من الديمقراطية، وعلى الفساد والمحسوبية بدلاً من حكومة خاضعة إلى المساءلة والمحاسبة. وتمت كذلك التضحية بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات تحت شعار الدين. وبدلاً من السلام، حصل الإيرانيون على الحرب الإيرانية-العراقية المدمّرة التي دامت ثماني سنوات.
أما على مستوى السياسة الخارجية، فقد تم تبذير الأموال التي كان يمكن إنفاقها لتحسين حياة الإيرانيين، على مغامرات غير محسوبة في العراق ولبنان وسورية واليمن. فإيران لاعبٌ أساسي في الشرق الأوسط، بيد أنها لاتملك أي صديق فعلي إقليمياً أو دولياً. وبعد أربعين عاماً على الثورة، لاتزال إيران سجينة خلف قضبان إيديولوجيتها وشعاراتها التأسيسية، التي ينبذها الجيل الشاب، أطفال الثورة الإيرانية.
ويقول أندرو سكوت كوبر "معروفٌ أنه من الصعب مجاراة الثورات. وهذا يبدو واضحاً في إيران اليوم، حيث ثمة دعم شعبي كبير للسلالة البهلوية التي أدّت الإطاحة بها في العام 1979 إلى تأسيس الجمهورية الإسلامية على يد روح الله الخميني".
وأضاف " فقبل عام من كتابة هذه السطور، جابت حشود كبيرة القرى والمدن الإيرانية للمطالبة بإنهاء الحكم الديني في إيران، وإعادة النظام الملكي، وعودة أرملة الشاه، فرح، ونجلهما، رضا، الذي يحظى بأكثر من مليون متابع على وسائل الإعلام الاجتماعي، من المنفى".
حسب كلامهِ "يعمد الشعب الإيراني، من خلال فك ارتباطه بالثورة، التي زعم أنها حدثت باسمه، إلى نبذ النظام الذي أضفت عليه الثورة الشرعية".
مستدركا "ما تُنذر هذه الظاهرة، التي شهدتها إيران مراراً وتكراراً على مدى تاريخها، بتغيير السلالة الحاكمة. لقد انقضت لحظة ثورية، لتولد بعدها ربما لحظة أخرى".
أما فاطمة مقدم تؤكد إن إيران احتلّت المراتب التاسعة والعشرين والثمانية عشرة والسابعة والعشرين في الأعوام 1960 و1977 و2017 تباعاً على قائمة ترتيب دول العالم بحسب الناتج المحلّي الإجمالي.
ونظراً إلى النمو السكاني الكبير الذي شهدته البلاد منذ ثورة العام 1979، كان تراجع حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلّي حادّاً أكثر، إذ تضافرت عوامل عدة مثل سوء الإدارة الاقتصادية، ووجود هيئات اقتصادية غير فعّالة وفسادٍ مُستشرٍ.
كاشفاً " العقوبات التي فُرضت على طهران كانت ساحقة أيضاً. وأُنحيت لائمة هذه العقوبات على كلٍّ من إيديولوجيا إيران الثورية المناهضة للولايات المتحدة والمعادية للصهيونية، وأنشطتها الإقليمية".
وتقول مقدم "مع ذلك، تعاونت إيران مع الولايات المتحدة في أفغانستان عَقِب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2011 التي استهدفت واشنطن ونيويورك، إلا أنه تم إدراجها لاحقاًعلى القائمة السوداء باعتبارها أحد أقطاب محور الشر".
تضيف أن توقيعها على الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافةً إلى ألمانيا، سُرعان ما أعقبه قرار الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات عليها، ثم بطلان الاتفاق جرّاء انسحاب إدارة ترامب منه.
وأردفت مقدم، السؤال الآن هو ما إذا كانت إيران هي التي تقع أسيرة قالب إيديولوجي جامد، أم أن الولايات المتحدة وخصوم طهران الإقليميين هم المتصلّبين في مقاربتهم المعادية لإيران. لماذا ينبغي على إيران السعي إلى إبرام التسويات من دون مقابل؟.
لكن مالكولم بيرن يصف العلاقة بين إيران بالغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، هي المجال الذي كانت فيه الثورة الإيرانية محرّرة ومقيّدة في آن. فقد كان التخلّص من سطوة الإمبريالية هدفاً ثورياً أساسياً لا شكّ أنه كان لديه في مرحلة ما أساس تاريخي.
لكن على مرّ العقود، اتّضح أن هذا التاريخ أكثر تعقيداً. فخطوات الشاه الراحل محمد رضا بهلوي لم تكن تمليها نزوات واشنطن بقدر ما أملتها طموحات الشاه نفسه، كما أن دوافع الرؤساء الأميركيين (باستثناء ريتشارد نيكسون إلى حدٍّ ما) كانت أكثر دقة وتعقيداً مما أقرّ به العديد من منتقدي هذه العلاقة، كما طرحه بيرن.
مؤكداً "أنه بات من الصعب أكثر تحديد أمر إيجابي ما حدث طيلة أربعين عاماً من السياسات غير المدروسة، وسوء التقدير الفادح، والجهل المتعمّد، والخطاب المؤذي – من الطرفين – فيما تمثّلت النتائج الأساسية في سقوط قتلى، وكراهية حادّة، وموارد ضائعة، وبؤرة خصبة للمتطرّفين باختلاف مشاربهم. من المُلفت كم أن التاريخ قادرٌ على تشكيل السرديات وتأجيج المشاعر إلى حدٍّ تحوّل معه العالم في حدّ ذاته إلى سجين.