Skip to main content

البرنامج الفضائي الإيراني؛ غطاء لبرنامج عسكري وإرهابي

ملالي يشرفون على أطلاق صاروخ فضائي
AvaToday caption
تعلنه إيران بشأن برنامجها الفضائي لا يطابق حقيقة أهدافها، عدد ونوعية الصواريخ التي أطلقتها طهران خلال الفنرة من أغسطس (آب) 2015 حتى يناير (كانون الثاني) 2017
posted onJanuary 30, 2019
nocomment

في واحدة من الملفات الأكثر خطورة على الأمن والاستقرار العالمي، يتكشف الوجه الإيراني المخادع للجميع، وهو ما يتجسد في برنامجها الفضائي والتي تحاول استكماله رغم مزاعمها السابقة التي ظل يرددها المسؤولون الإيرانيون بنفيهم أن يكون لديهم صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، إذ جاء تصريح وزير الدفاع الإيراني الجنرال قاسم تقي زاده في ديسمبر (كانون الأول) الماضى (2018) بأن «إيران سيكون بإمكانها إطلاق ثلاثة أقمار صناعية في المستقبل القريب»، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبیو، في أوائل يناير (كانون الثاني) الحالي لإطلاق تحذير لطهران من مواصلة أنشطتها الصاروخية بعيدة المدى، حيث جاء في بيانه: «إن إيران تخطط لاستخدام نظام صاروخي باليستي بعيد المدى، لإطلاقه في الفضاء، مما سیعزز برنامجها الصاروخي، إذ يعتبر ذلك انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231».

مؤكدا في الوقت ذاته أن «الولايات المتحدة لن تقف متفرجة على سياسات إیران المدمرة والتي تستهدف الأمن والاستقرار الدوليين.. ننصح إيران بتجنب إطلاق الصواريخ ووقف جميع أنشطة الصواريخ الباليستية لمنع تشديد العقوبات الاقتصادية عليها والعزلة الدبلوماسية».

في خضم ما سبق، أضحى من الأهمية بمكان تسليط الضوء على ما يحمله البرنامج الفضائي الإيراني من مخاطر وتهديدات، ليس فقط على مستوى المنطقة وإنما على مستوى أمن العالم واستقراره، وهو ما يستعرضه التقرير من خلال محورين:

 

برنامج صاروخي

 

أولا: البرنامج الفضائي الإيراني... حلقة من حلقات الخداع الإيرانية

لا يزال نهج المراوغة والخداع منهجا دائما ومستمرا في سياسة ملالي إيران في تعاملهم، على مستوى الداخل من خلال خطابات خادعة ومضللة للشعب الإيراني الذي بدأ منذ ثورته الخضراء مع انتخابات عام 2009 يرفض هذا النمط الخادع من السياسة، ولعل المظاهرات التي شهدتها العاصمة طهران ومدن أخرى خلال الربع الأخير من العام الماضي تؤكد على استفاقة الشعب الإيراني من شراك الخداع التي حاول قادته إحاطته به طوال الوقت حتى تتمكن من استكمال منظومة هيمنتها وسيطرتها، وقد تكشفت خططها وانجلت حقيقة سياستهم المراوغة.

الأمر ذاته تكرر على المستوى الخارجي، إذ تكشفت السياسة الإيرانية عن وجهها الحقيقي الخادع لكثير من الشعوب التي ألهمتها شعارات ثورتها الخمينية عام 1979. وأضحت حقائق أطماعها جلية للجميع.

ولكن رغم كل ما تكشف من حقائق وما تجلى من مظاهر عن السياسة الإيرانية الخادعة، لا تزال بعض الأطراف تحاول أن تخدع ذاتها بالثقة فيما تبثه وفيما تدعيه طهران، ولعل الموقف الأوروبي الأخير الذي عارضت فيه بعض البلدان الأوروبية الموقف الأميركي الذي تبنته الإدارة الأميركية الراهنة في رفضها الاتفاق الموقع بشأن البرنامج النووي الإيراني والذي كشفت تطبيقاته فيما بعد صحة الموقف الخليجي وتخوفاته من أنه اتفاق يمنح طهران مزيدا من الوقت لاستكمال برامجها العسكرية والنووية المهددة ليس فقط لأمن المنطقة واستقرار دولها وإنما للأمن العالمي برمته، إذ كان أقصى ما ترتب على هذا الاتفاق هو إضفاء الشرعية على برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، حيث سمح بأعمال البحث والتطوير على مجموعة كاملة من أجهزة الطرد المركزي، كما أن الاتفاق لم يشمل تطوير الصواريخ التي تحمل الأسلحة النووية، فضلاً عن عدم تضمينه بنودًا كافية تتعلق بتفتيش المنشآت غير النووية، حيث تطور إيران برنامجها النووي العسكري.

ولعل ما عانته البلدان الأوروبية في الفترة الأخيرة من تدخلات إيرانية عبر أوكارها الإرهابية المسماة بسفاراتها في أوروبا والتي يتم توظيفها كأوكار للتجسس والتجنيد ودعم الإرهابيين، جعلها تقف على حقيقة السياسة الإيرانية ومخاطرها بما دفع بلدانها بمطالبة بعض ممثلى إيران إلى مغادرة أراضيها بعد كشف أمرهم واتضاح حقيقة مهامهم.

وفي السياق ذاته، يأتي الحديث عن البرنامج الفضائي الإيراني والذي يعد في حقيقته برنامجا عسكريا إرهابيا وليس سلميا كما هو الحال في البرامج الفضائية العربية على غرار البرنامج الفضائي السعودي الذي يعد واحدا من البرامج الفضائية السلمية الهادفة إلى دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التعاون والشراكة مع بقية بلدان المنطقة بل ويهدف إلى دعم الجهود الدولية في مجال التنمية والأمن والاستقرار.

ومن هذا المنطلق، يصبح من الأهمية بمكان إيضاح حقيقة البرنامج الفضائي الإيراني والذي يعد بمثابة حلقة جديدة في مسلسل حلقات الخداع الإيرانية، إذ تأخذ طهران عنوان برنامجها الفضائي الخاص بإطلاق الأقمار الصناعية للتغطية على برنامج صاروخي أكثر خطورة وتهديدا للأمن العالمي، وهو ما أشار إليه سعيد جاسمي نجاد، الباحث الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية، بقوله: «إن إيران من دون شك تستخدم برنامج الأقمار الصناعية للتغطية على برنامج تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات».

ويدلل على صحة هذا الرأي القائل بأن ما تعلنه إيران بشأن برنامجها الفضائي لا يطابق حقيقة أهدافها، عدد ونوعية الصواريخ التي أطلقتها طهران خلال الفنرة من أغسطس (آب) 2015 حتى يناير (كانون الثاني) 2017، والبالغ عددها 14 صاروخا استفزت بهم العالم بأسره، وهو ما يوضحه الجدول التالي:

يكشف هذا الجدول عن حقيقة الادعاءات الإيرانية المضللة فلم تتوقف طهران عن محاولات تطوير برنامج الصواريخ الباليستية حتى بعد توقيعها الاتفاق النووي في منتصف 2015. إذ إنه إضافة إلى هذه الصواريخ كشفت تقارير لأجهزة مخابرات غربية نشرتها صحيفة «دويتشه فيله» الألمانية في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) 2018 تفيد بإجراء طهران اختبارا صاروخيا باليستيا مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، فضلا عن إجرائها لسبعة اختبارات للصواريخ متوسطة المدى (2000كم) وخمسة للصواريخ قصيرة المدى وصواريخ كروز خلال عام 2018.

ويؤكد هذا الخطاب الخداعي الإيراني ما ورد على لسان «أنييس فون ديرمول» المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية في بيان لها في 16 يناير 2019. جاء فيه أن: «البرنامج الباليستي الإيراني مصدر قلق للمجتمع الدولي وفرنسا... ندعو إيران إلى عدم المضي قدما في تجارب صاروخية باليستية جديدة تهدف لحمل أسلحة نووية بما في ذلك منصات الإطلاق للفضاء ونحث إيران على احترام التزاماتها وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي»، وذلك ردا على ما ردده وزير الاتصالات الإيراني، محمود آذري جهرمي، بشأن فشل إيران في إطلاق الصاروخ الحامل للقمر الصناعي (بيام أي الرسالة) في أوائل يناير 2019. حيث صرح بأن: «الصاروخ كان من المقرر أن يُستخدم في أغراض التصوير والاتصالات، وأن مداره على ارتفاع 500 كيلومتر».

 

حسن روحاني

 

ثانيا: البرنامج الفضائي الإيراني وتهديداته للأمن الإقليمي والدولي

لم تكن مقولة وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، التي نشرها على «تويتر» تعليقا على إطلاق إيران لتجربتها الصاروخية الأخيرة (يناير 2019) والتي جاء فيها: «تظهر مرة جديدة أن إيران تسعى للتمتع بقدرات صاروخية متطورة تشكل تهديدا لأوروبا والشرق الأوسط»، إلا صافرة إنذار للجميع لإدراك ما يحمله البرنامج الفضائي الإيراني من تهديدات للأمن العالمي وأمن المنطقة على وجه الخصوص، إذ إن وصول هذه الصواريخ إلى وكلائها في المنطقة مثل ما يسمى «حزب الله» والحوثيين في اليمن وغيرها من شأنه زعزعة الاستقرار الإقليمي على يد هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية.

فضلا عن هذا، يُمكّن استكمال طهران لبرنامجها الصاروخي المتستر بغطاء برنامجها الفضائي من الاستمرار في سياسة الخداع والمراوغة، إذ يُمكنها إنتاج صواريخ ظاهريا ولكن مع تغيير الصواريخ التقليدية لتزويدها برؤوس نووية، وهذا هو ما أشار إليه تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بأن «ثمة أدلة قوية على أن نظام (قدر) الصاروخي الباليستي الإيراني، بالإضافة إلى (شهاب 3)، و(قيام) قد تم تصميمها بالفعل مع الأخذ في الاعتبار وضع حمولة نووية... وإذا كان صحيحا أن هذا التهديد في الوقت الحاضر أكثر بُعدًا وأقل وضوحًا من الخطر الذي تشكله القدرات الإيرانية التقليدية، إلا أنه يجب إعطاء الأولوية للصواريخ التي يمكن استخدامها بشكل واقعي لغرض نووي، إذا ما مضت إيران في المسار النووي المحفوف بالمخاطر».

نهاية القول إن الخداع الإيراني بشأن برنامجها الفضائي يستوجب انتباه المجتمع الدولي وقلقه أيضا من أن يتحول هذا البرنامج الذي يعتمد على تكنولوجيا روسية أو صينية أو كورية شمالية وما تتسم به من بطء في الوصول إلى آماد بعيدة في الوقت الراهن، بما يجعل تهديدها قاصرا على الجوار الجغرافي المباشر لطهران، إلا أن المستقبل قد يحمل مخاطر أكثر حينما تستخدم طهران هذه الدراية المكتسبة في تطوير برامج صاروخية أبعد مدى وأكثر قدرة على بلوغ أهداف خارج جوارها الجغرافي المباشر، الأمر الذي يمثل تهديدا للأمن والسلم العالميين.

ومن ثم، إذا إرادت طهران أن تقيم برنامجا فضائيا سلميا يخدم اقتصادها الوطني الذي بدأ في انهيار حقيقي بسبب عودة العقوبات الغربية بصفة عامة والأميركية على وجه الخصوص مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي حصد مردوداته الإيجابية القادة الإيرانيون فحسب، إذ تدفقت الأموال إثر هذا الاتفاق إلى جيوب رجال الدين وزبانيتهم ولم يستفد منها الشعب الإيراني الذي ازدادت معاناته. فإنه على طهران أن تنشئ برنامجا فضائيا أكثر شفافية وتحت سيطرة مدنية كاملة، وأن تتخلى عن طموحاتها النووية، والعودة إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق شامل يحمي حقوق شعبها في التنمية والأمن والاستقرار، ويحفظ سيادة واستقلالية جوارها الجغرافي، ويصون الأمن والاستقرار العالمي من خلال توقفها عن دعم التنظيمات الإرهابية. وقبل كل ما سبق عليها أن تغير من سلوكها الخارجي المتدخل في شؤون جوارها الخليجي المباشر، لأن هذا الجوار لن يقف صامتا أمام هذه السياسة، وإنما اتجه بالفعل لاتخاذ الخطوات الجادة لردع أي طموحات إيرانية ومواجهة أي سياسات تمددية، فكان تأسيس الإنتربول الخليجي في الإمارات، والقوة البحرية المشتركة في البحرين، والقيادة العسكرية الخليجية الموحدة في الرياض، ودرع الجزيرة، والدرع الصاروخية الخليجية، كلها أنظمة دفاعية في الأساس، تسعى إلى التصدي لأي اعتداء خارجي، وتعمل على التنسيق الأمني الداخلي في منطقة الخليج العربي حفاظا على أمنها واستقرارها وما حققته هذه البلدان من مكتسبات لشعوبها في تنمية حقيقية انعكست على مستويات معيشتهم في مقابل شعب إيراني لا يزال يرضخ تحت ذل الفقر والحاجة والجهل بسبب سياسات قادته التي تهدر مقدراته وموارده على أحلام وأوهام في عودة لهيمنة فارسية على شؤون المنطقة.

ولكن إن ظلت طهران على موقفها وسياستها الراهنة، فعلى المجتمع الدولي برمته أن يضع استراتيجية لاحتواء الأحلام الفارسية والحد من نفوذها في المنطقة حفاظا على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي معا.