Skip to main content

إيران بين سندان الداخل وضغوط الخارج

رئيسي
AvaToday caption
النظام الذي يجد صعوبة للاعتراف بالأثر الذي أحدثه الحراك، وما سمح به للأصوات المعارضة لسياساته بكسر حاجز الصمت والسكوت، لجأ لخطوات تغييرية من دون الإعلان عنها
posted onDecember 29, 2022
nocomment

حسن فحص

لم تكن المنظومة الحاكمة في إيران تتوقع حجم التحديات التي اندلعت بعد مقتل الفتاة الكوردية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، لاعتقادها بإمكانية السيطرة على الشارع بأقل الأضرار والأكلاف الممكنة ومنعه من التمدد والتحول إلى حراك شامل وواسع.

وفي مقارنة سريعة وليست سطحية، فإن حجم الإرباك الذي أصيبت به هذه المنظومة وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، لم يكن بالأمر الذي يمكن العبور عنه وتجاوزه ببساطة، لأن الحراك استهدف الجانب العقائدي والثقافي والهوية الدينية للنظام، وليس من السهل التعامل معه كالتعامل مع الحركة الخضراء عام 2009 والاحتجاجات الاقتصادية عامي 2016 و2019 التي تمت السيطرة عليها من دون أن يكون النظام وقيادته في موقف حرج يفرض عليهم تقديم أي نوع من التنازلات، لا بل ذهب نحو مزيد من التشدد والقمع والمحاصرة بفرض الإقامة الجبرية على زعيمي الحركة الخضراء مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وزج القيادات السياسية الإصلاحية في السجن وقتل نحو مئة متظاهر، في حين لجأت السلطة لاستخدام أقصى درجات العنف في التعامل مع احتجاجات 2019 بهدف حسم الموقف سريعاً خلال أيام بغض النظر عن حجم الخسائر البشرية التي اختلفت الروايات حول أعدادها، أقلها تحدثت عن 350 ضحية وأخرى رفعت الرقم إلى أكثر من 1500.

ما جعل الحراك الأخير الذي بدأ بشعار "المرأة، الحياة، الحرية" أكثر تأثيراً، أنه لم يقف عند حدود الشعار الذي رفعه وما فيه من تحديات، بل توسع نحو التصويب على الإدارة السياسية والاقتصادية للنظام والسلطة التنفيذية التي يتولى رئاستها إبراهيم رئيسي، ولم يقتصر ذلك على الشارع الشعبي الذي يعاني تراجعاً كبيراً في وضعه المعيشي بعد أن انحدرت شرائح كبيرة منه باتجاه الطبقة الفقيرة أو تحت خطر الفقر، وتجاوزت نسبتها 60 في المئة، لتشارك فيه القوى السياسية الموالية والمعارضة للنظام في الداخل والخارج، ما وضع السلطة التنفيذية والحكومة التي كانت غائبة عن تقديم العلاجات وحتى عن الأحداث الحاصلة في الشارع، وتركت عنان التعامل معها إلى القوى والأجهزة الأمنية والعسكرية التي لا تخضع لسلطتها أو تأتمر بأمرها.

النظام الذي يجد صعوبة للاعتراف بالأثر الذي أحدثه الحراك، وما سمح به للأصوات المعارضة لسياساته بكسر حاجز الصمت والسكوت، لجأ لخطوات تغييرية من دون الإعلان عنها، أو الاعتراف بأنها جاءت نتيجة الحالة الجديدة التي تعيشها إيران، وإلا كيف يمكن تفسير الجدل الحاصل داخل الدوائر الضيقة المعنية بالهوية الثقافية والعقائدية للنظام حول مسألة الحجاب، ولماذا ذهب إلى خيار إلغاء شرطة الأخلاق التابعة لجهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تنحصر مرجعيته السياسية والعقائدية والإدارية مع ذراعه التنفيذية بالمرشد الأعلى للنظام، وتحول الحجاب من إجباري إلى اختياري وباتت النساء والفتيات في المدن الكبيرة والصغيرة والأطراف يخرجن من دون خوف سافرات الرأس من دون أن يخشين اعتراضاً أو خوفاً من اعتقال وعقوبة.

وقد يكون النظام لجأ في هذه الخطوة والإجراء إلى سياسة الاستيعاب، ليس من باب الاستجابة للمطالب الداخلية، وإنما تحت تأثير الضغوط الدولية التي بدأت تنهال عليه، وأدخلته في سلسلة ودوامة جديدة من العقوبات تجمع أكثرها تحت عنوان حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات، وهي عقوبات تسهم في مزيد من تعقيد علاقاتها مع المجتمع الدولي المعقدة أساساً، نتيجة تراجع الآمال بإمكانية التوصل إلى حلول على مسار مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع السداسية الدولية.

ومع تصاعد المواقف المتشددة ضد النظام على الساحة الدولية، وتزايد المؤشرات على بدء مسار من الخسارات الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، يبدو أن خيار الحسم السريع في الداخل مع تقديم تنازلات مرحلية وتحمل الإرباك الأيديولوجي الذي ينتج منها، كان الهدف منه التفرغ للتعامل مع الخارج، بخاصة بعد الصدمة التي تعرض لها من حليفه الاستراتيجي الصيني المفترض، الذي وجه له رسالة قاسية بوضوحها في الزيارة التي أجراها الرئيس شي جينبينغ إلى السعودية، بأن إيران لا تشكل شريكاً مطمئناً للدولة الصينية في ظل استمرارها بسياسة عرقلة الاتفاق النووي، فضلاً عن خضوعها للعقوبات الدولية التي تحول تحقيق الهدف الصيني الأول في علاقاته الدولية في الجانب الاقتصادي والاستثماري.

القيادة الإيرانية، كان عليها إعادة النظر في بعض مواقفها المتشددة في كثير من الملفات العالقة على المستويين الإقليمي والدولي، بخاصة بعد أن وجدت نفسها بين سندان الحراك الداخلي وتحدياته المتشعبة والمركبة، ومطرقة الضغوط الدولية التي انفجرت بوجهها ولم تقف عند حدود سلة عقوبات جديدة تتعلق بحقوق الإنسان نتيجة عمليات القمع التي مارستها بحق المحتجين، بل توسعت لتطاول مسألة التعاون الإيراني الروسي في الحرب الأوكرانية، وهي اتهامات أخرجت التعاون المصلحي بين طهران وموسكو إلى دائرة الشراكة الاستراتيجية في الحرب ضد الدول الأوروبية ومصالحها، بالتالي التورط المباشر والدخول في الصراع الروسي الصيني غير المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية الذي يرفع شعار التعددية القطبية مقابل الأحادية الأميركية من أجل بناء مراكز قوى متعددة تكون شريكة في رسم السياسات الدولية، الذي تطمح إيران للعب دور فاعل فيه داخل منطقة غرب آسيا.

من هنا يمكن فهم الإشارة التي صدرت عن رئيس المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية وزير الخارجية السابق كمال خرازي الذي حصر الخلاف مع واشنطن حول الملف النووي بمسألة الضمانات وبناء الثقة، متنازلاً عن أسباب الأزمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول المواقع السرية، التي تلقفها وزير الخارجية الحالي حسين أمير عبد اللهيان ليكشف عن هاجس آخر لا يقل أهمية عن هاجس التعاون مع الوكالة الدولية التي عاودت الانفتاح على التنازل الإيراني، وهو هاجس العلاقة مع المحيط العربي، بخاصة السعودية والدعوة لاستئناف الحوار الثنائي في اللقاء مع نظيره السعودي الأمير فرحان بن صالح، إلى جانب إعادة تفعيل قناة منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للحوار مع واشنطن وتبادل الرسائل على أمل إعادة الحياة والنشاط على مسار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي من دون التوقف عند صيغته القديمة.