تحاول إيران استغلال الخلل الدبلوماسي والبرتوكولي في زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قاعدة عين الأسد العسكرية بغرب العراق، لفتح جبهة جديدة في صراع النفوذ الذي تخوضه ضدّ الولايات المتحدة، مدارها هذه المرّة قانوني تشريعي، وأداتها مجلس النواب العراقي.
وتشجّع طهران حلفاءها السياسيين الذين يشكّلون كتلة وازنة في المجلس على سنّ قانون يلزم حكومة بغداد بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.
وعلى قدر ما يبدو الهدف الإيراني من ذلك كبيرا، ومتمثّلا في هزيمة واشنطن في معركة التواجد العسكري، أصالة أو وكالة، على الأراضي العراقية وإمساك الطرق الواصلة بين العراق وسوريا ولبنان، فإنّ المسعى يبدو طوباويا، إذ لن يكون بمقدور الحكومة العراقية الجديدة المتعثّرة أصلا والمتخبطة في متاهة معقّدة من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أن تفتح جبهة صراع جديدة ضد الولايات المتحدة بعد أن توصّلت بجهد جهيد إلى استثناء ظرفي محدّد بثلاثة أشهر من العقوبات الأميركية على إيران والتي كان الالتزام بتنفيذها سيشكّل لها معضلة في توفير الغاز والطاقة الكهربائية.
وبدأ المعسكر السياسي الموالي لطهران في بغداد مساعي لتشريع قانون يلزم القوات الأجنبية بمغادرة البلاد. وبحسب قيادات سياسية عراقية، فإن “جوهر القانون يستهدف طرد القوات الأميركية من العراق”.
ويعتمد ذلك المعسكر على كتلة كبيرة في البرلمان العراقي عمودها الفقري نواب ينتمون إلى اليمين الشيعي يفوق عددهم الخمسين، فضلا عن نحو خمسين نائبا ينتمون إلى أطراف مختلفة بعضها سني. وبحسب القوانين النافذة يمكن لـ25 نائبا أن يقترحوا مشروع قانون على البرلمان.
ومنذ الإعلان عن تحقيق تحالف الفتح القريب من إيران، بزعامة هادي العامري نتيجة مهمة في الانتخابات العراقية العامة التي جرت في مايو الماضي بدأ الحديث عن “تشجيع إيراني لسن قانون نيابي يجبر القوات الأميركية على مغادرة العراق”.
ويحيط الالتباس بالإطار القانوني الذي ينظم العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة والعراق منذ انسحاب الجيش الأميركي من هذا البلد عام 2011. ولا تفصح الولايات المتحدة عما إذا كانت تستند في تعاملاتها العسكرية مع العراق إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وُقّعت إبان الانسحاب الأميركي أم إلى واقع أنها تتزعم جهود التحالف الدولي في الحرب على تنظيم داعش.
ويقول مسؤولون عراقيون إن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي الذي عُرف بصلاته الوثيقة مع واشنطن، منح القوات الأميركية وضعا خاصا في العراق بعدما تبنت جهدا دوليا واسعا لحشد الدعم لبغداد خلال مرحلة الحرب على داعش بين 2014 و2017.
ووفقا لمصادر قريبة من رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي فإن الحكومة الجديدة لا تفكر في تغيير الوضع الخاص، الذي تتحرك بموجبه القوات الأميركية على الأرض العراقية.
وحتى قبل نحو أسبوع مضى لم تكن الجهود التي حرّكها تحالف الفتح لتشريع قانون يلزم القوات الأجنبية بمغادرة العراق، تحظى بالحماسة اللازمة في البرلمان العراقي لكن تداعيات زيارة ترامب إلى قاعدة عين الأسد العسكرية غربي البلاد، من دون ترتيب مسبق مع السلطات العراقية -والأرجح دون علمها- قدمت دفعة معنوية كبيرة لتلك الجهود.
ويحاول تحالف الفتح استمالة كتلة سائرون النيابية التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وتملك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي. وألمح أعضاء في سائرون خلال اليومين الماضيين، إلى إمكانية انخراطهم في جهود تشريع قانون نيابي يلزم القوات الأميركية بمغادرة البلاد.
وتقول مصادر سياسية مواكبة للنقاشات في هذا الملف إن “الأطراف السياسية العراقية الموالية لإيران تريد تشريع قانون يسمح بتقليص الوجود الأجنبي العسكري على أرض العراق إلى حده الأدنى”.
وتجزم المصادر بأن رئيس الحكومة لن يشجع سن مثل هذا القانون الذي يمكن أن يستخدم ذريعة لطرد حلفاء أجانب ويعقّد موقف العراق الدولي.
ويسوّق زعماء ميليشيات شيعية عراقية موالية لإيران، لقدرة الحشد الشعبي على سدّ الفراغ في حال انسحاب القوات الأميركية، وهو ما لا يبدو واقعيا لخبراء الشؤون الأمنية والعسكرية، على اعتبار افتقار الحشد إلى سلاح الطيران وإلى منظومة المراقبة والرصد عالية التقنية والفعالة في متابعة العناصر الإرهابية في امتدادات صحراوية بالغة الاتساع لا يمكن تغطيتها عبر القوات على الأرض مهما كانت أعدادها.
وهاجمت وزارة الخارجية الإيرانية، الجمعة، زيارة الرئيس الأميركي المفاجئة للعراق، واعتبرتها “خارجة عن الأعراف الدبلوماسية وتدل على عدم احترام للسيادة العراقية”.
وورد في بيان لبهرام قاسمي المتحدّث باسم الوزارة القول إنّ “حكومات المنطقة وشعوبها لن تسمح لقوى الاحتلال الأجنبية بخلق خصومات بين دول المنطقة”، مضيفا أنه “عاجلا أم آجلا جميع القوى الأجنبية ستغادر المنطقة”.