Skip to main content

إيران لم تسهل بل عينت

نجيب ميقاتي
AvaToday caption
لم تتوقف الحكومة الجديدة إزاء هذه الوقائع مع أن الرواية العامة تقول إنها جاءت استجابة لمبادرة فرنسية فرضها تحديداً تفجير بيروت، ولم تعلق على تهديد القضاء ولم تتحدث عن محروقات تسيل من تحتها ومن فوقها
posted onSeptember 27, 2021
nocomment

طوني فرنسيس

بات للبنان حكومة تدعمها ثقة أغلبية نيابية واسعة، وحصل ذلك بعد عام وبضعة أسابيع من المماحكات التي أعقبت استقالة حكومة حسان دياب غداة انفجار بيروت، وكانت مفاعيل الانفجار وقبله الانهيار المالي والاقتصادي ينهش جسد اللبنانيين.

في التصنيف السياسي بدت حكومة دياب منذ لحظة تشكيلها حكومة اللون الواحد الذي خطته ريشة "حزب الله"، وقبل الانفجار بكثير بدأت تتآكل من داخلها نتيجة الصراعات الداخلية بين أطراف سلطة تتنازع المكاسب تحت مظلة الحزب الإيراني، وعندما حصل الانفجار المريع لم يعد بإمكانها الاستمرار، فرئيسها الذي قيل إن الحزب المذكور منعه في آخر لحظة من تفقد "نيترات" المرفأ وجد في الانفجار فرصة لن تتاح له مرة أخرى للتملص من قرار تكليفه وترؤسه حكومة فاشلة بكل المقاييس، لكنه مع ذلك استمر في تصريف الحياة اليومية على ما أراد لها "حزب الله" وزعيمه الذي سيفتي عشية ولادة الحكومة الجديدة باستيراد النفط من إيران، شاءت الدولة أم أبت، الذي سيواكب اجتماعها الأول بمواكب من الصهاريج العابرة للحدود المستباحة، ترافقها مسيرات المسلحين الهاتفة بالشكر لإيران وممثليها في لبنان.

مهدت مسيرة حكومة دياب وسياساتها لخرق إيراني جديد للسيادة اللبنانية، لم تفعل الحكومة المولودة حديثاً سوى تجاهله مجتمعة، والتعبير عن "حزن عميق" على لسان رئيسها نجيب ميقاتي في مقابلة صحافية مخصصة للعالم الخارجي، غير أن حزن ميقاتي ما كان يجب أن يقتصر على السيادة المخترقة بـ "المازوت"، ففي الأيام الأولى لولايته ألقى "حزب الله" في وجهه ووجه السيادة إياها قنبلة متفجرة، عبر تهديده المباشر لقاضي التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق بيطار، وهو القاضي الثاني الذي يتولى هذه المهمة بعد إزاحة الأول فادي صوان للأسباب نفسها.

أراد "حزب الله" القول عبر تهريبه "المازوت" الإيراني علناً إلى لبنان أن يمسك بالاقتصاد، وعبر تهديده القضاء أنه يمسك بالسلطة، فعمل القضاء يُختصر في أن نظام فصل السلطات وفعالية الأجهزة الأمنية ودور السلطة التنفيذية ومصير الديمقراطية والحريات العامة بات تحت التهديد الفعلي، ومعه سيضيع التحقيق في انفجار دمر عاصمة وقتل وأصاب عشرات الألوف من أبنائها.

لم تتوقف الحكومة الجديدة إزاء هذه الوقائع مع أن الرواية العامة تقول إنها جاءت استجابة لمبادرة فرنسية فرضها تحديداً تفجير بيروت، ولم تعلق على تهديد القضاء ولم تتحدث عن محروقات تسيل من تحتها ومن فوقها.

كان رئيسها مستعجلاً الذهاب إلى باريس قبل زيارة عائلية إلى لندن، وفي العاصمة الفرنسية استقبله الرئيس إيمانويل ماكرون بلهفة، وكلمته الأولى كانت "وأخيراً …".

وأخيراً تشكلت حكومة سعى إلى مثلها ماكرون منذ أغسطس (آب) 2020 إلا أنها لم تولد إلا بعد ضوء إيراني أخضر، هو اللون المفترض للمازوت المتدفق، وبشروطها الصريحة التي تجسدت في تركيبتها ونوعية وزرائها. لم تكن هي الحكومة التي تحدث عنها ماكرون أملاً في أن تنتجها فصائل السياسة اللبنانية، فتلك الفصائل إياها بزعامة ممثل طهران في لبنان لن يمكنها استحضار تركيبة من غير جنسها وخارج سطوة محور الممانعة الممسك بمواقع السلطة في البلاد.

لا تختلف الحكومة "الميقاتية" كثيراً عن نظيرتها السابقة، مع أن رئيسها مُصر على بث التفاؤل أينما ذهب، ووعده ماكرون بدعم الإصلاحات التي تحدث عنها، وقال له إن على المسؤولين في لبنان أن يتركوا القضاء يعمل لإعلان نتيجة التحقيق حول انفجار المرفأ، وحدثه ميقاتي عن مفاوضات مع صندوق النقد وعن الكهرباء، وطلب دعمه لفتح الباب أمام استعادة ثقة العالم العربي ودول الخليج. وجواب ماكرون كان واضحاً، "لا مساعدات من دون إصلاحات".

لكن السؤال الأساس الذي لم تجب عنه الحكومة ولا محادثات باريس يبقى: من يسيطر على السُلطة في لبنان؟ هل هي الحكومة الشرعية أم الميليشيات؟ وهل تستقيم إصلاحات اقتصادية ومالية وقانونية في نظام دولة داخل الدولة؟

لم يكن لبنان معزولاً عربياً كما هو اليوم، والسبب سياسة الفريق المتسلط عليه، ولن تنقذه من أزماته صهاريج "مازوت" تدخله بطرق غير شرعية.

كان العالم العربي ولا يزال عمق لبنان الحيوي، والدول العربية الخليجية لم تبخل يوماً في دعمه إلى أن قرر حكامه خوض حروب إيران ضدها، ولو كان لبنان في وضعه الطبيعي بلداً ملتزماً بمواثيق جامعة الدول العربية حريصاً على أواصر العلاقة مع الأشقاء لوجد الجميع في مساعدته ودعمه، فالسعودية مثلاً تدعم اليمن بمشتقات نفطية بلغت 300 ألف طن لتشغيل محطات الكهرباء، ويتم ذلك عبر الحكومة الشرعية، ولا ينقص لبنان شيء ليحظى بالرعاية نفسها.

سؤال من يحكم لبنان سيزداد إلحاحاً خلال الأيام والأسابيع المقبلة، ولا يتوقع أن يلقى جواباً على لسان ميقاتي ولا حتى ماكرون، فالأول أمامه ستة شهور لينظّم انتخابات نيابية ستبدل المنظومة السياسية الغالي والنفيس والكريه من أجل الفوز فيها، والثاني لديه أقل من عام لخوض امتحان التجديد في المنصب الفرنسي الأول، وخلال هذا الوقت القصير يصعب انتظار المعجزات.