يتوقع على نطاق واسع أن تكون سيناريوهات تولي رئيس جديد لإيران من خلفية عسكرية قابلة للتنفيذ في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك في وقت تزايدت فيه الأزمات السياسية والاقتصادية العاصفة بأركان النظام الديني القائم على الحكم المطلق للمرشد الأعلى علي خامنئي.
ويتطلع الإيرانيون إلى التغيير الحقيقي في نظام الحكم القائم منذ 1979، لكن صعوبة تركيبة النظام الديني واعتماده بشكل جنوني على العسكر عقدت وصعبت أي عملية تغيير في بلدهم الواقع تحت سطوة المتشددين.
ولا ينظر إلى النظام الإيراني على أنه صاحب تجارب ديمقراطية “فائقة” لا مثيل لها في منطقة الشرق الأوسط، فهو المتهم الأول برعاية الإرهاب في العالم، ويمتلك سجلا حافلا بالتجارب القمعية التي جعلت البلاد مجرد ساحة لمعارك أيديولوجية في الداخل والخارج.
ويضع المتشددون نصب أعينهم إمكانية تولي “شخصية عسكرية” رئاسة البلاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وينظر إلى تلك الخطوة على أنها تبعث برسائل إلى الخارج بأن طهران قادرة على الصمود والدخول في حرب إذا اضطرت إلى ذلك بناء على الضغوطات القصوى التي يتعرض لها النظام.
وشكلت السلطات الواسعة غير المحدودة التي يمتلكها خامنئي إحدى العقبات الرئيسية في طريق أي رئيس جديد للبلاد سواء أكان من خلفية عسكرية أو رئيسا مدنيا على غرار الرئيس “الإصلاحي” حسن روحاني.
فمن المتصور أن يكون الرئيس القادم للجمهورية الإيرانية آخر رئيس يتعامل مع خامنئي
وتدور نقاشات واسعة في إيران حول ضرورة تولي رئيس جديد للبلاد من العسكر، ويقول المتشددون إن ذلك يمكن أن يقلب البلاد بحكم “روحه الجهادية” و”كاريزمته العسكرية”، وتبدو تلك الفكرة جذابة للبعض في طهران، لكنها تواجه عوائق هيكلية حيث سلطة المرشد الأعلى ستكون عقبة كبيرة في طريق أي شخصية عسكرية تأمل في الوصول إلى الرئاسة في المدى القريب.
وبرزت أسماء لشخصيات عسكرية يتوقع أنها ستتنافس على الانتخابات الرئاسية المقبلة من بينها المستشار العسكري لخامنئي حسين دهقان، والرئيس السابق لمقر بناء خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري رستم قاسمي، والقائد العام للحرس الثوري محسن رضائي، وسكرتير مجلس الأمن القومي علي شمخاني.
ويسود اعتقاد واسع في إيران أن الرئيس المقبل للبلاد سيكون من الشخصيات العسكرية وسط تنامي النقاشات الداخلية حول ضرورة وجود رئيس عسكري يكون قادرا على إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية.
سلطة مطلقة
يرى خبراء ومتابعون للشأن الإيراني أن أبرز العقد الرئيسية في طريق أي رئيس جديد سواء من خلفية عسكرية أو مدنية ستبقى صلاحيات خامنئي غير المحدودة، والذي يتحكم بكل كبيرة وصغيرة في إيران ويبسط سيطرته على كامل أركان النظام ومؤسساته المختلفة، ولا يسمح بتجاوز خطوطه الحمراء الداخلية والخارجية مهما كلف الأمر.
ويقول الباحثان السياسيان فرهاد رضائي وجيسون برودسكي، في تقرير نشره مركز بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية، إن الوضع القائم على رأس النظام “يمكن أن يتغير إذا أصبح خامنئي عاجزا أو توفي”.
وسادت في الآونة الأخيرة شائعات حول تدهور الوضع الصحي لخامنئي، على الرغم من نفي النظام ذلك والذي اضطر لإخراج المرشد للمشاركة في خطب سياسية جديدة.
ويعتبر الباحثان أن “الجدل الدائر حول وجود شخصية عسكرية على كرسي الرئاسة يبقى جزءا من معركة أكبر على الخلافة”، وهي المسألة الأكثر تركيزا في الداخل الإيراني وخارجه خاصة مع كبر سن المرشد الحالي خامنئي.
ويوضح الباحثان أنه “نظرا إلى أنه يبلغ من العمر 81 عاما فمن المتصور أن يكون الرئيس القادم للجمهورية الإيرانية آخر رئيس يتعامل مع خامنئي”.
ويتحكم المرشد الأعلى في سلطات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية واسعة النطاق في إيران، وهو الذي يضع أسس السياسة الخارجية وخاصة في العلاقات مع الولايات المتحدة والأذرع الإيرانية المختلفة وأنشطتها في بلدان العالم.
ويعتمد خامنئي في بسط حكمه على مؤسسات عسكرية وأمنية قوية في الداخل على غرار جهاز الحرس الثوري الإيراني، الذي ينفذ تعليمات المرشد الأعلى بكل حذافيرها دون أي نقصان.
وكان أغلب المتنافسين على كرسي الرئاسة من خريجي مؤسسة الحرس الثوري، وهي القوة النافذة في إيران ويد المرشد الطولى في الداخل والخارج.
وينظر إلى انتخابات يوم الثامن عشر من يونيو المقبل على أنها واحدة من أكثر الاختبارات على صعيد التغيير في منهج رئاسة إيران وخلافة المرشد الأعلى.
يعتبر المتشددون أن رجلا عسكريا سيكون قادرا على وضع حد فوري للصراع بين هذه المؤسسات وسيتمتع بالقدرة على كسب ثقة المؤسسات الثورية
ويرى الباحثان السياسيان في مركز بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية، أن الرئيس القادم “قد يكون قادرا على بناء إجماع بشكل أكثر فعالية، لكنه سيظل خاضعا لسلطة المرشد الأعلى، وطالما بقي خامنئي في منصبه ستبقى معادلة القوة على حالها”.
رئيس عسكري
لا تنظر إيران إلى تولي رئيس ذي خلفية عسكرية على أنه لأهداف تتعلق بفتح جبهات حرب خارجية، فالنظام الإيراني يتّكل أكثر لتنفيذ مخططاته وأجندته السياسية والدينية على أذرعه المنتشرة في بلدان عربية. فمسألة تولي عسكري الرئاسة في إيران لها علاقة مباشرة بطبيعة النظام وإمكانية التنازع بين مؤسساته العسكرية والدينية، والتهيؤ أكثر لمرحلة ما بعد خامنئي.
ويرى الباحثان فرهاد رضائي وجيسون برودسكي أن احتمالات انتخاب شخصية عسكرية “مرتفعة” نظرا إلى أن غالبية الإيرانيين قد لا يصوتون لأنهم لم يعودوا يعتقدون أن بطاقات اقتراعهم تحدث أي فرق، خاصة أن انخفاض نسبة التصويت سيؤدي إلى إنشاء معسكر للمحافظين لتحقيق مكاسب كبيرة.
وأشار الباحثان إلى أن الانتخابات البرلمانية الماضية التي شهدت أقل نسبة مشاركة منذ 1979 وحقق فيها المتشددون فوزا كبيرا وأصبح عضو سابق من كبار ضباط الحرس الثوري رئيسا للبرلمان.
ويتوقع أن يحاول المحافظون تخريب أي محاولة يبذلها الرئيس حسن روحاني للتفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أو تأخير هذه المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
ويعتبر كل من رضائي وبرودسكي أن “الحفاظ على الوضع الراهن في العلاقة مع الولايات المتحدة في مصلحة المحافظين لأن تخفيف الضغط الأميركي على إيران قد يقدم دفعة للبراغماتيين في الانتخابات”.
ويقولان في هذا الصدد إنه “مع نيل محمد باقر قاليباف ورئيس السلطة القضائية المتشدد إبراهيم رئيسي مقاعد في مجلس الأمن القومي، هناك احتمال أن يكون الرئيس حسن روحاني محاصرا في أي محاولة لإحياء الاتفاق النووي. وهذا لأن قاليباف قد يكون أقل تساهلا من رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني”.
ويرى الباحثان أن مسألة الانجذاب إلى فكرة تولي رجل عسكري الرئاسة تعود إلى اعتقاد أن لها فوائد على البلاد حيث “الأزمات الخطيرة من بينها نقص الكفاءة والتنسيق بين المنظمات الحكومية وشبه الحكومية”.
ويعتبر المتشددون أن رجلا عسكريا سيكون قادرا على وضع حد فوري للصراع بين هذه المؤسسات وسيتمتع بالقدرة على كسب ثقة المؤسسات الثورية الكبيرة التي تتنافس مع الرئيس وتنشط خارج سيطرة الحكومة.
ويعدد الباحثان فوائد تلك الفكرة من وجهة النظر الداعمة لمسألة تولي رجل عسكري الرئاسة. ويقولان إن المسألة لها علاقة أيضاً بـ”التعامل مع إدارة بايدن التي لا تزال مهتمة بتوسيع خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال معالجة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وشبكة الوكلاء الإقليمية”.
ويرى المتشددون أنه من شأن وجود شخصية عسكرية في القيادة أن ينقذ البلاد من مشاكل في المستقبل، وينظر إلى الرئيس العسكري على أنه “رمز للقوة والسلطة” يمكنه إرسال إشارة قوية بأن الأمة مستعدة للحرب، وهناك العديد من الشخصيات في المؤسسات السياسية الإيرانية يعتقدون أن الحرب بين إيران والولايات المتحدة أمر لا مفر منه وأن على البلاد الاستعداد لها.
ويعتبر آخرون أن النظام فقد شرعيته ولا يمكن إلا لشخصية عسكرية إعادة بناء ثقة الأمة في النظام بعد أن شوهت صورته جراء العقوبات والفساد بين النخبة السياسية.
وتجادل عناصر متشددة محافظة علانية بأن إيران بحاجة إلى دكتاتور خيّر على رأس البلاد لإصلاح مشاكلها والقضاء على الفقر. ويُنقل عن إبراهيم فياض، وهو يعتبر لسان أيديولوجيا المحافظين، “يجب أن نتحرك نحو السلطوية وإلا فإننا سننهار. اليوم، تتآكل شرعيتنا، وتتقوض كفاءتنا، ويتعرض تماسك نظامنا للاضطراب. ولا يستطيع إصلاح هذا النظام إلا دكتاتور خيّر، رجل عسكري أو شخص ذو انضباط عسكري”.
كما يجادل البراغماتيون في النظام بأنه نظرا إلى أن مشكلة البلاد الرئيسية تكمن في اقتصادها المتعثر، فمن الأفضل أن يكون الرئيس ذا خبرة اقتصادية. ووفقا لهذا، يعني انتخاب رئيس عسكري أن الجمهورية الإيرانية وصلت إلى طريق مسدود وأصبحت غير قادرة على إيجاد حلول لمشاكل الأمة الأكثر عمقا.