تترقب الأوساط الحزبية الشيعية في العراق بقلق، الخطوات السياسية الأولى لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إطار بناء مشروعه الخاص لرسم ملامح مستقبله، سواء من بوابة حزب جديد أو عن طريق كتلة سياسية تستجيب لمطالب الاحتجاجات وتعبر عن الشباب الذي قادها.
ولم يكشف الكاظمي عن نواياه بشأن الدخول في العمل السياسي المباشر حتى الآن.
وتضاربت الأنباء بشأن بدئه فعليا في التواصل مع فعاليات وتيارات اجتماعية لجس نبضها في ما يتعلّق بإمكانية إطلاق مشروع سياسي جديد، للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
ولا يملك الكاظمي تجربة سياسية رغم علاقاته الواسعة بالأحزاب العراقية قبل سنة 2003 وبعدها، لكن ترؤسه لجهاز المخابرات بين 2016 و2020، أتاح له الاطلاع على جميع خفايا السياسة وألاعيبها في البلاد، فضلا عن الخبرة الكبيرة التي اكتسبها في هذه المدة، جراء تكليفه بمهام تضاهي مهام وزير الخارجية، حيث أحيا علاقة العراق بالسعودية، ونظم ملف العلاقات العراقية التركية.
ويمنح منصب رئيس الوزراء في العراق هالة انتخابية كبيرة لشاغله، لاسيما إذا كانت لديه مواصفات الشخصية القوية والحضور المؤثر.
ومع وضع هذه العوامل المعنوية، إلى جانب الإمكانيات المادية الهائلة التي يتيحها المنصب لشاغله، على المستوى الانتخابي، فإن فرص نجاح رئيس الوزراء، ضمن أي سباق انتخابي في العراق، تكون كبيرة للغاية.
وشكل معظم رؤساء الحكومات في العراق بعد 2003 أحزابا أو تيارات جديدة عندما تسلموا المنصب، أو استولوا على موقع القيادة في أحزابهم وتياراتهم التي أوصلتهم إلى السلطة؛ فعلى سبيل المثال شكل إياد علاوي قائمة انتخابية بعد تنصيبه رئيسا للوزراء في 2004، وانشق حيدر العبادي عن حزب الدعوة لقيادة مشروع انتخابي مستقل عندما كان رئيسا للوزراء في 2018.
لكن أفضل من اختبر هذه التجربة، هو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عندما شكل ائتلاف دولة القانون بعد توليه السلطة سنة 2006 محققا نتائج انتخابية “مبهرة” في 2009 و2010. وفي 2014، عندما ظن الجميع أن الناخبين سيعاقبون المالكي على سقوط الموصل في أيدي عناصر داعش، وضياع نحو ثلث أراضي البلاد، حقق ائتلاف دولة القانون المركز الأول، وكاد المالكي يحصل على ولايته الثالثة، لولا تدخل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني.
ولا يمكن توقع أن يحقق الكاظمي أي اختراقات كبيرة في الساحتين الانتخابيتين السنية والكوردية، من دون أن يرتبط بإنجاز كبير على المستوى الوطني؛ لذلك، فإن من يخشى دفع ضريبة التمدد السياسي للكاظمي، في المرحلة المقبلة، هو الأحزاب والتيارات والقوى الشيعية.
ويمكن أن تدفع الأحزاب والتيارات الموالية لطهران، مثل دولة القانون وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر، القسط الأكبر من ضريبة التمدد السياسي للكاظمي، الذي بات مرشحا فوق العادة لاستقطاب جماهيرها، بسبب التراجع الكبير في شعبية إيران داخل العراق.
لكن كتلا شيعية أخرى قد تخسر جزءا من جمهورها لحساب الكاظمي في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مثل كتلة سائرون التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بسبب أدائها المرتبك خلال المرحلة الماضية، وائتلاف النصر بزعامة العبادي، الذي لم يتمكن من السيطرة على مشروعه السياسي بشكل واضح.
ويقول مراقبون إن الكاظمي قد يعول على خلق تيار شعبي من جمهور ساحات الاحتجاج الذي تشكل منذ بدء التظاهرات مطلع أكتوبر الماضي.
ولعل أبرز سمة لدى هذا الجمهور هي نقمته على الأحزاب التابعة لإيران، وسياساتها التي تضع مصالح العراق في المرتبة الثانية دوما، بعد مصالح الجارة الشرقية.
وفي حال تحرك هذا الجمهور فعلا لصالح الكاظمي، فإن الساحة السياسية الشيعية، قد تشهد انقلابا جذريا في أحجام القوى التي تنشط فيها.
ومن السابق لأوانه، بالنسبة إلى المراقبين، الحديث عن توقعات بشأن حجم المشاركة الشعبية في أي اقتراع قادم، لاسيما في ظل الضبابية التي تخيم على مواعيد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وكانت الانتخابات المبكرة أبرز مطالب متظاهري أكتوبر الذين قتلت الأحزاب والميليشيات الخاضعة لإيران قرابة 700 منهم وجرحت نحو 20 ألفا.
ويعتقد مراقبون أن هذه المواجهة الاحتجاجية مع السلطة الخاضعة لإيران، في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، قد تتحول إلى مواجهة انتخابية شرسة بين الجمهور المحتج وحلفاء طهران، ربما تصب نتائجها في مصلحة مشروع الكاظمي السياسي.
ويبث الإعلام العراقي الذي يحركه الحرس الثوري الإيراني، منذ أيام، أخبارا عن حراك حزبي لصالح الكاظمي داخل ساحات الاحتجاج التي بقيت صامدة حتى الآن في العاصمة بغداد ومدينة الناصرية جنوبا.
ويكشف هذا النوع المفتعل من التغطيات عن مخاوف كبيرة تراود أتباع إيران داخل العراق، على المستويين السياسي والانتخابي، بشأن مصيرهم في المرحلة المقبلة.