كشف مسؤول عراقي رفيع أن الحكومة العراقية تلقت تطمينا أميركيا بشأن تمديد الاستثناء الممنوح لها لاستيراد بعض الكهرباء والغاز من إيران.
وأبلغ المسؤول في تصريحات صحافية "بأن الإدارة الأميركية، أبلغت العراق بأن لا مانع من تمديد مدة الاستثناء ثلاثة أشهر أخرى"، ليكون بمقدور بغداد شراء الكهرباء والغاز الإيرانيين، دون خوف من العقوبات، حتى نهاية العام الجاري.
ويعود آخر استثناء حصل عليه العراق إلى يونيو الماضي، ويسري لثلاثة أشهر.
وينص الاستثناء الأميركي على أن يدفع العراق بدل الطاقة التي يشتريها بأي عملة عدا الدولار.
وتفضل إيران أن تحصل على مستحقاتها من العراق باليورو.
وتسد الطاقة الكهربائية المستوردة من إيران، نحو 5 بالمئة من حاجة البلاد الإجمالية، لكن الاعتماد الأكبر يكون على الغاز الإيراني، الذي يشغّل قطاعا مؤثرا من محطات التوليد العراقية.
وتقول وزارة الكهرباء إن الطاقة الإيرانية لعبت دورا مؤثرا خلال أشهر الصيف الحالي، عندما أسهمت في تغطية احتياجات محافظات جنوبية، تجاوزت في بعضها درجات الحرارة حاجز الخمسين مئوية.
ويعتقد مراقبون أنه بإمكان العراق استيراد الكهرباء والغاز من دول أخرى، وربما بكلفة أقل، ما يؤكد أن العقود المبرمة مع إيران في هذا المجال، تحقق أهدافا سياسية، أبرزها تأثير ضغط العقوبات الأميركية على إيران.
ولا تقتصر المساعدة العراقية لإيران على قطاع الطاقة، إذ تتعداه لتشمل أشكالا مختلفة من التعاون الاقتصادي، حوّلت العراق إلى رئة للاقتصاد الإيراني في الأشهر الأخيرة.
وفي آخر صيحات المناورات الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأميركية، أعلنت طهران عن فتح فرع لبورصتها التجارية داخل العراق.
وكشف رئيس منظمة البورصة الإيرانية شابور محمدي، عن توقيع مذكرة تعاون مع العراق، "من أهم أهدافها إنشاء صناديق استثمارية مشتركة، وتوحيد النظام القانوني لسوق رأس المال الإيراني والعراقي".
موضحا أن "المذكرة تشمل كذلك إنشاء فرع لبورصة السلع الإيرانية في العراق، وإيجاد أرضية تصدير واستيراد السلع عبر هذه البورصة، فضلا عن تقديم الاستشارات القانونية والفنية المتعلقة بسوق رأس المال".
وأكد محمدي أن المذكرة "سوف تُتابع من قبل لجنة مشتركة".
من جهته، قال رئيس هيئة الأوراق المالية العراقية علاء عبدالحسين الساعدي إن "تبادل المعلومات والخبرات مع إيران سيجرى بشكل تخصصي ومتقدم"، لافتا إلى أن "الهيئة تسعى لكسب تجارب إيران بمجال أعمال بورصة الأوراق المالية".
ويقول السفير العراقي في طهران سعد جواد قنديل الذي حضر مراسيم التوقيع، إن "المذكرة خطوة كبيرة باتجاه تعاون البلدين، وستسهم بالتعامل الاقتصادي الثنائي".
وتستهدف هذه المناورة، إغراء التجار العراقيين على الانخراط أكثر في شراء البضائع الإيرانية، من خلال عرض المنتجات عليهم في بلدهم، من دون الحاجة إلى السفر بغرض التعاقد على شرائها، بحسب معنيين في القطاع التجاري.
وبالرغم من أن التجار العراقيين لن يهتموا كثيرا بتفسير أسباب هذا القرار الإيراني، إلا أن الهدف منه مكشوف بالنسبة للمشتغلين في حقل التبادل المالي المصرفي.
ويقول مختصون في شؤون المصارف إن هذه الخطوة الإيرانية ستسمح بفتح اعتمادات بالدولار، بأسماء تجار عراقيين في مصارف محلية، لتغطية كلف شراء بضائع إيرانية مصنفة على أنها بيعت في بورصة داخل العراق، ما يعني إمكانية حمايتها من العقوبات الأميركية.
ويضيف المختصون أن إيران تعوّل على رغبة التجار العراقيين في تقليل كلف البضائع المستوردة، ما يعني أنها ستحقق أهدافها من وراء هذه الخطوة، من خلال الإقبال العراقي عليها.
وتبقى عقبة أخيرة أمام نجاح هذه الاستراتيجية الإيرانية، ممثلة بخضوع جميع المصارف العراقية لضوابط البنك المركزي العراقي، الذي أعلن صراحة التزامه بتنفيذ العقوبات الأميركية على إيران.
لكن شبكة المصارف التي يملكها عراقيون موالون لإيران، ربما تبتكر حلا، لتجاوز العوائق التي تمنع التعامل التجاري بالدولار الأميركي مع إيران.
واستثمر سياسيون عراقيون مقربون من إيران، مبالغ طائلة في تأسيس مصارف خاصة، خلال الأعوام القليلة الماضية، شملت العقوبات الأميركية واحدا منها على الأقل، حتى الآن، هو مصرف البلاد الإسلامي، المملوك لزعيم المؤتمر الوطني آراس حبيب، الذي يشاع أنه على صلة بالحرس الثوري الإيراني.
ويعتقد مراقبون أن الحكومات العراقية أنفقت عبر السنوات الماضية مليارات من الدولارات على مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية وفشلت، وأنه صار واضحا أن ذلك الفشل كان جزءا من استراتيجية إيرانية، عمدت إلى تنفيذها قوى ضالعة في الفساد، كان الهدف منها ربط مصير العراق على مستوى إنتاج الطاقة بإيران.
وقال مراقب سياسي عراقي إن الهدف الأبعد من ذلك يمكن تلخيصه في تجريد العراق من استقلاله الاقتصادي ووضع ثرواته في خدمة عجلة الاقتصاد الإيراني، وهو ما تستفيد منه إيران اليوم في خرقها للعقوبات الأميركية بيسر.
وأضاف المراقب في أن العراق الذي تم نسج شبكة علاقاته الاقتصادية بالخارج بما يحقق أرباحا طائلة للاقتصاد الإيراني لا يمكن أن يستمر في العيش إذا انقطع عن استيراد البضائع الإيرانية وبالأخص على مستوى الطاقة والمواد الغذائية، معتبرا أن تلك خطة ماكرة تم تمريرها لتشكل أساسا لواقع اقتصادي هش، لا تملك الولايات المتحدة أن تغير فيه شيئا حتى في ظل العقوبات.
وأشار إلى أن هناك وضعا إنسانيا في العراق تم تغليبه لغايات سياسية، كانت إيران هي الدولة المستفيدة منها، وهو ما يجعل “الاستثناء من العقوبات” هو القاعدة التي يقوم العراق من خلالها بإنقاذ جزء من الاقتصاد الإيراني.
وليس سرا أن القوى السياسية الفاعلة في العراق تملك كثيرا من الأسباب التي تجعلها تدفع بالعراق إلى موقع التبعية الاقتصادية لإيران، من أجل أن يكون العراق محمية إيرانية لا تملك القدرة على الاستقلال بقرارها السياسي.