حامد الكيلاني
المواطنة لا تحتاج إلى وسيط مثلها مثل الإنسانية، والعراق الذي تطفو على أرضه الأزمات والمصائب يبدو أنه لا يحتاج إلى حكومة ووزارات تبذّر معظم وقتها في البحث عن وزراء بعينهم والمفاضلة بينهم، أو السعي لدراسة البحوث لمعالجة ما يصل إلى مستوى الكوارث الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية، بفساد نوعي ضرب جذوره في العمل السياسي والمجتمعي بأدوات لم تعد مجهولة لكنها تمتلك السلاح والمال والنفوذ لإبقاء الملفات تحت مظلتها بسياسة الانتقاء وتهديد الخصوم أو بتقديم بعض الأضحيات من المجموعات المقحمة والمعروفة بشرهها وجوعها المزمن للمال، وهي ذات طابع استخدام وظيفي مؤقت يتم الاستغناء عنه أو البراءة منه وأحيانا الإيقاع به بعد اكتمال منافعه الرسمية المتعددة.
من يريد البناء والإعمار في وطن مدمّر كالعراق لا تنقصه حتما الدراسات الميدانية. فالطـُّـرق سالكة للطـَّـرق على رأس الملفات الشائكة المحمية بالنظام الحاكم الذي يدور حول نفسه مع الدورات الانتخابية بذات الأحزاب والشخصيات والبرامج، وإن بدت أحيانا في بعض مواضعها تحاول الخروج عن مسارات حركتها الفلكية الثابتة حول مرشدها الإيراني علي خامنئي، وإن حصل شيء من الإفلات الجزئي إلى هذه الجهة أو تلك فذلك لا يعدو أن يكون إلا تنبيها للمصدر وتسويقا لرحلة العودة إلى حضن مشروع ولاية الفقيه واستمرار سلطته في العراق.
العراق رغم أنه بؤرة الحرب العالمية على الإرهاب في الشرق الأوسط لكنه لم يحضر إلى مؤتمر دعت إليه الولايات المتحدة وباهتمام خاص من الرئيس دونالد ترامب في العاصمة البولندية وارسو، وهنا نضع أكثر من علامة استفهام حول الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر تأثيرا في العراق وأمنه ومستقبله، بحكم أنها الدولة العظمى في العالم التي غيّرت وجه التاريخ والجغرافيا والإنسان في وادي الرافدين بعد احتلالها للعراق في أبريل 2003، ولأنها هي من جاءت بهؤلاء الذين يتبجحون دون حياء ويبررون عدم حضورهم المؤتمر، الذي يعني العراقيين أكثر من غيرهم لاهتماماته الجوهرية بالإرهاب الإيراني وتمدده واحتمالات الصراع الواردة على أرض العراق.
تبريرهم هو وجود الوفد الإسرائيلي في المؤتمر وأنهم مع حقوق الشعب الفلسطيني في رسالة صريحة تؤكد أن العراق جزء من المحور الإيراني الذي أسرف في إطلاق تسميات المقاومة والقدس وتحريرها رغم أنه في ظل هذه الشعارات ابتلع عدة عواصم عربية ودمّر العديد من المدن بفتنته المذهبية وسياسته التوسعية الإمبراطورية وارتكب الانتهاكات والتطهير والإذلال والتغيير الديموغرافي الممنهج.
مستشار الأمن القومي في العراق يترأس أيضا هيئة الحشد الشعبي، وهي هيئة أريد لها أن تكون بغطاء رسمي من دولة غائبة أصلا لتضمّ عشرات الميليشيات الإيرانية والميليشيات الجهوية في العراق لإشاعة حق التصرف والاستيلاء وتمكين عملياتهم الإرهابية وتنظيمها بصلاحيات أمنية بمستوى مشروع سياسي وعقائدي وإعلامي بما يدلل تفوقها على صلاحيات وزارة الدفاع، أما وزارة الداخلية فهي الأخرى هدف إيراني عانى من تأخير الموافقة على المرشح الوحيد لمنصب الوزير ونعني به فالح الفياض.
ماذا يعني ذلك في هذه المرحلة الإيرانية التي ترى في العراق ملاذا اقتصاديا يتطلب انغماسا حكوميا وعسكريا وأمنيا في تنفيذ المهمات على صعيد السياسة الخارجية والداخلية، مع الأخذ بنظر الاعتبار الهواجس الواقعية باعتبار إيران الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم وبملحقات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وبحجم العقوبات واحتمالات المواجهة من عدمها.
مشاركة فالح الفياض في المؤتمر الأمني بميونيخ تستنسخ الإرادة الإيرانية وبذات العبارة التي رددها بعد أيام من المؤتمر مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وإعلام السلطة والميليشيات خلال فعاليات المؤتمر الدولي في دورته الرابعة المنعقد في بغداد لمكافحة إعلام داعش وفكره وبحضور خبراء ومستشارين وباحثين وقادة من التحالف الدولي ومنظمات دولية ومراكز أبحاث عالمية، لتكوين شبه إجماع ملخصه “العراق يرفض أن يكون منطلقا للإضرار بالآخرين”.
الحقيقة كامنة في أن كلمة “الآخرين” التي تعني دول الجوار العراقي موجهة للتمويه على مفردة النظام الإيراني. تمويه دأبت عليه القوى العراقية لخلط الأوراق إما إصرارا في الذود عن ولاية الفقيه، وإما خوفا من الاتهام بالطائفية أو بالانحياز إلى العراق العربي، وهي جريمة يعاقب عليها بشواهد المدن المدمرة وقمع كواتم الصوت وتغييب المختطفين وقتل المحتجين الذين ترتفع أصواتهم ضد ولاية الفقيه.
الملالي في إيران ليس لديهم إلا التضليل وهي تجارة فاشلة، لكنهم يتعاملون بها وتحديدا في العراق أملا في الوصول إلى ما يتجاوز رقم الـ20 مليار دولار في حجم الصادرات، وهو سقف رسمي عدا أرقام التجارة الممنوعة دوليا برعاية الفساد والتهريب وتزوير الجودة والمناشئ والبضائع خارج تاريخ الصلاحية، إضافة إلى تزوير العملات والأدوية وصولا إلى التصريح عن المكنونات العملية في غرس أهداف المشروع الإيراني الطائفي علنا وبما يقترب من واجبات تجنيد الجواسيس وكيف تبدأ بالصداقات والمشاريع والمصالح المشتركة ثم بطروحات رمزية ومعلومات عامة، ثم يأتي زمن الإفصاح والمواجهة حيث لا حذر.
حينها تجري الأمور كما في زيارة السفير الإيراني إيرج مسجدي إلى سامراء وعروضه الاستثمارية باستئجار المدينة القديمة لأسباب طائفية، تمهيدا لتطويق سامراء ومدينتي الدجيل وبلد بسياج إداري وبصلاحيات محافظة مقدسة بنسيج مذهبي على الطريقة الإيرانية لدفع الأهالي إلى أتون صراع على غرار الحرب الأهلية بعد تفجير المرقدين في سامراء، أو بزجهم في القتال ضد التواجد الأميركي في حرب بالإنابة سبق وأن مرت بها ثم كوفئت بإدخال تنظيم داعش عليها، وبعدها عمليات التهجير أو النزوح في المخيمات أو الموت تحت أنقاض الحرب لدحر الإرهاب.
يسعى تنظيم داعش، كما يقول الفياض في المؤتمر الدولي لمكافحة إعلام داعش وفكره، وكذلك ما يقوله الآخرون من إعلام إيران وفكرها، إلى الإيهام بقدراته من خلال عمليات تسلل هنا وهناك أو باصطياد البسطاء الهائمين في جزيرة الأنبار الشاسعة ومناطق أخرى بحثا عن نبات الكمأ مع مجاميع من النساء والأطفال أملا في الارتزاق من هذا الموسم الدموي لدفع غائلة الفقر والبطالة وانعدام العيش الكريم.
الإيهام الذي يتحدثون عنه حصد 35 مواطنا، حتى الآن، بين قتيل وجريح ومختطف ودفع إلى الاستعانة بقوات وفصائل مسلحة لملء الفراغ كان من ورائها السعي لإعادة التوازنات الأمنية في كركوك، ولتلك رواية بفصول إيرانية جديدة نختصرها بمعروضات المناطق المتنازع عليها قوميا أو المناطق المتنازع عليها طائفيا، وعلى ذلك تجري إيقاعات مستشاري الأمن الإيرانيين في العراق لمكافحة إعلام وفكر الإرهاب.
كاتب عراقي