يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دومًا عن الخطر الإيراني، وكيف تخطط إيران لمحو إسرائيل من الوجود، ويتعامل مع أي تحركاتٍ إيرانية بالقرب من الحدود باعتبارها تحركاتٍ عدائية، لكن هل مسألة تدمير إسرائيل هي غايةٌ يسعى لها الإيرانيون بالفعل، وينشغلون بها من صحوهم إلى نومهم؟
يرى المحلل تسفي بارئيل في مقالٍ نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنَّ هذه القضية موضوع نقاشٍ عام في إيران، وأنَّ هذه الصورة عن الشعب الإيراني الذي تقتصر اهتماماته على الصواريخ الباليستية والنووية ومحو إسرائيل من الوجود هي صورة غير حقيقية.
يشير بارئيل في هذا الصدد إلى مقابلةٍ أجرتها مؤخرًا مجلة «لو بوينت» الفرنسية مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. سألت المجلة ظريف عن عدة أشياء، كان منها نية تدمير إسرائيل في إيران، وسبب نقش كلمات «الموت لإسرائيل» على الصواريخ الباليستية الإيرانية.
بحسب المقال، استنكر ظريف السؤال على الفور، قائلًا "من قال إنَّ إيران ستُدمر إسرائيل؟ اذكر لي شخصًا واحدًا قال هذا". لكنَّ مراسل المجلة رد عليه بالاستشهاد بتصريحٍ كان قد أصدره الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عام 2007، قال فيه "ينبغي لإسرائيل أن تختفي من الوجود". وكان رد ظريف أنَّ «نجاد كان يقتبس كلمات آية الله الخميني، الذي قال إنَّ إسرائيل ستختفي من صفحات التاريخ".
وشرح ظريف أنَّ الخميني لم يكن يقول بهذا إنَّه سيدمر إسرائيل، لكنَّه كان يقصد أنَّ سياسة إسرائيل وسلوكها في المنطقة سيؤديان بها إلى تدمير نفسها.
يوضح بارئيل أنَّ هذه المقابلة أثارت جدلًا كبيرًا في إيران؛ إذ كانت هذه المرة الأولى التي يقول فيها مسؤول إيراني بوضوح إنَّ إيران لا تنوي تدمير إسرائيل، ما يتناقض مع تحليلات استراتيجية إيران في الغرب وفي إسرائيل أيضًا.
جاءت ردود الفعل تجاه المقابلة متباينةً. فبحسب المقال، علَّق بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، قائلًا: إنَّ «تصريحات ظريف متسقةٌ مع السياسة الإيرانية… الخميني وخامنئي قالا بالفعل إنَّ إسرائيل ستختفي من العالم خلال 25 عامًا بسبب سياستها، لكنَّهما لم يقولا إنَّ إيران ستدمرها… إيران لا تهدد بتدمير إسرائيل، إسرائيل هي من تهدد بتدمير إيران».
لكنَّ هذا التفسير لم يرُق للمحللين الإيرانيين؛ إذ اتهمت صحيفة «كيهان» الإيرانية ظريف بتحريف كلمات الخميني والانحراف عن أهداف الثورة الإسلامية، التي تتضمن تدمير إسرائيل بحسب الصحيفة. واستشهد معلقون آخرون بتصريحاتٍ أصدرها قادة إيرانيون تحدثوا فيها عن إسرائيل باعتبارها سرطانًا يجب تدميره، وأشاروا إلى تصريحٍ لخامنئي عام 2012 قال فيه: إنَّ إيران ستساعد أي دولةٍ أو مجموعة تريد مواجهة الدولة الصهيونية.
ووفقًا لبارئيل، لم يخشَ البعض داخل إيران التعبير عن استهجانهم لهذه السياسة الإيرانية المعادية لإسرائيل. من هؤلاء سيد هادي برهاني، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران. ففي مقالٍ نشره بموقع «خبر أونلاين»، كتب برهاني أنَّ إيران تدفع ثمنًا كبيرًا بسبب سياستها؛ لأنَّها تجعل العالم يرى هجمات إسرائيل ضدها مشروعةً، وأنَّ «الهدف الأساسي لسياسة إيران تجاه إسرائيل هو تغيير نظامها العنصري وليس تدميره».
وعلَّق المفكر الإيراني الشهير صادق زيباكلام على «تويتر» قائلًا إنَّ السؤال الأساسي هنا ليس ما إذا كانت إيران ستدمر إسرائيل أم أنَّ إسرائيل ستدمر نفسها، لكنَّ السؤال هنا هو «من كلَّف إيران بمسؤولية تدمير إسرائيل، وهل يؤيد معظم الإيرانيين تدمير إسرائيل أو يرغبون في ذلك؟». ورأي صحفيون إيرانيون آخرون أنَّ تعليقات ظريف تُعد سياسةً إيرانية جديدة جديرة بالملاحظة.
لكنَّ بارئيل يرى أنَّ الأهم من ذلك الجدل المُثار حول دقة نقل كلمات الخميني أو تحليل تصريحات ظريف هو ضرورة أن يكون لذلك الجدل أصداءٌ في إسرائيل، حيثُ لا يوجد أي نقاشٍ عام حول فكرة رغبة إيران في تدمير إسرائيل، والتي تُعد من المسلمات.
ويشير المحلل إلى أنَّ الرأي العام في إسرائيل لا يعلم شيئًا تقريبًا عن المزاج العام في إيران، أو الانتقادات الموجهة للنظام، أو التحليلات السياسية والدبلوماسية التي تُنشر هناك. أو كما أوضح صحافيٌ إيراني لصحيفة «هآرتس»: «نحن نقرأ الصحف الإسرائيلية التي تصدر بالإنجليزية، ونعلم هويات السياسيين الإسرائيليين، ونتابع التحقيقات الجارية بشأن نتنياهو ونحاول فهم المجتمع الإسرائيلي». لكن في إسرائيل، يذكر بارئيل أنَّ عددًا قليلًا من الباحثين ورجال الاستخبارات يقرأون الصحف الإيرانية، رغم أنَّ بعض الصحف المهمة هناك تصدر على الإنترنت بالإنجليزية والعربية.
أمَّا عن الحياة اليومية في إيران، فيوضح بارئيل أنَّ فكرة تدمير إسرائيل لا تشغل بال الإيرانيين بهذا الشكل المتصور، فهم لا يفكرون طوال اليوم في القنابل النووية والصواريخ وإسرائيل وحزب الله والعقوبات. ويشير في ذلك الصدد إلى أنَّ طهران تشهد في الوقت الحالي عرض أوبرا «كارمن» المسرحية، وأيضًا مسرحية «البؤساء» الموسيقية، وتمتلئ المسارح عن آخرها في عروضها، رغم ارتفاع ثمن التذاكر، وحتى خامنئي أشاد بالرواية الأصلية للمسرحية، واصفًا عمل الكاتب فيكتور هوجو بـ«الرائع».
وبينما يؤكد بارئيل أنَّ المسرح والأوبرا لا يجعلان النظام الإيراني أكثر ليبرالية، أو يساعدان في وقف التسلُّح والتهديدات، فإنَّه يرى أنَّ النظام يعلم أنَّه لن يستطيع الفوز بقلوب وطاعة الشعب بالدراسات الدينية فقط.