حسمت الولاءات الحزبية والشخصية مصير رئاسة العراق ورئاسة وزرائه؛ وذلك باختيار وزير الداخلية في حكومة أقليم كوردستان ريبر أحمد، مساعد رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني رئيسا، وجعفر الصدر أحد أبناء عمومة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رئيس وزراء لينتقل العراق من المحاصصة إلى الاسترضاء.
وقالت مصادر سياسية عراقية إن مقتدى الصدر الذي سعى للتحرر من سيطرة الإطار التنسيقي الممثل للقوى الشيعية الموالية لإيران وجد نفسه تحت سيطرة مسعود بارزاني وقبل بشروطه التي من بينها اختيار مرشحه لمنصب رئاسة العراق بالرغم من كونه شخصية مجهولة للعراقيين، متخليا عن شخصية في حجم برهم صالح وتاريخه وعلاقاته المتينة محليا وخارجيا.
وأشارت هذه المصادر إلى أن الصدر بقبوله أسلوب الترضيات والانحياز إلى ترشيح قريبه لرئاسة الحكومة، بالرغم من أنه شخصية بلا تاريخ سياسي، قد أظهر أنه لا يختلف عن بقية اللاعبين السياسيين الذين استلموا البلاد منذ غزو 2003، وأن شعاراته ضد المحاصصة والمحسوبية و”الأغلبية الوطنية” قد سقطت.
وأضافت أن الصدر نفسه بات رهينة للمحاصصة، وهو لا يقدر على أن يغير أي شيء دون الرجوع إلى مسعود بارزاني والقيادات السنية التي تحالف معها للوصول إلى تشكيل الكتلة الأكبر، متسائلة إن كان سيقدر على الظهور مجددا أمام العراقيين ويحدثهم عن النزاهة والمصداقية ويهاجم المحاصصة؟
وقبل ثلاثة أيام من موعد اختيار رئيس جديد للعراق أعلن التحالف الثلاثي (تحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكوردستاني، والكتلة الصدرية) عن تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان تحت عنوان تحالف “إنقاذ الوطن النيابي”. وأعلن التحالف الجديد رسميا عن ترشيح ريبير أحمد رئيسا للجمهورية ومحمد جعفر الصدر رئيسا للوزراء.
واعتبر الصدر هذا الاختيار الثلاثي “إنجازا فريدا ومهما لإنقاذ الوطن”، متمنيا “تشكيل حكومة أغلبية وطنية بلا تسويف وتأخير”.
وقال في تغريدة له على تويتر “كل أملي أن تكون حكومة قادرة على النهوض بالواقع المرير وببرنامج حكومي واضح وبسقوف زمنية يرتضيها الشعب”.
ومن المنتظر أن يعقد البرلمان العراقي يوم السبت المقبل جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد أن تأجل الأمر مرارا استجابة لخطط بارزاني في تمرير مرشحه بالرغم من فشل مرشحه الأول هوشيار زيباري بسبب تهم فساد ومحسوبية تعلقت به خلال فترة تسلمه حقيبة المالية في 2016.
واعتبر مراقبون عراقيون قبول الصدر بأسلوب الترضيات والخضوع لبارزاني بتمرير شخصية غير معروفة لتكون رئيسا للعراق واختياره هو بنفسه شخصية بلا تاريخ، من شأنه أن يطيح بصورته لدى الشارع العراقي، ولدى شباب انتفاضة تشرين 2019، ويظهره كشخصية تقليدية مثل غيره من منظومة المحاصصة والمحسوبية، ولا يستبعد أن يلجأ إلى إدماج أنصاره من ميليشيا السلام في مؤسسات الدولة.
وكان الصدر أعطى إيحاء للعراقيين بأنه سيعمل على مواجهة المحاصصة من خلال تكوين حكومة “أغلبية وطنية”، وأنه لأجل ذلك يتعرض لضغوط وتهديدات.
وقال في إحدى تغريداته “كفاكم تهديدا ووعيدا فنحن لن نعيد البلد إلى يد الفاسدين ولن نبيع الوطن لمن هم خلف الحدود، فأغلب الشعب مع حكومة الأغلبية الوطنية ولن نقف مكتوفي الأيدي ولن نسمح للإرهاب والفساد أن يتحكما بنا”.
وأشار المراقبون إلى أن الصدر فشل في أن يظهر النزاهة التي طالما رفعها كشعار له، فهو مال في الأخير إلى اختيار أحد أبناء عمومته ممن لا تجربة لهم، بدل أن يختار شخصية عراقية مستقلة لرئاسة الحكومة تكون قادرة على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وتقدر على النأي بالعراق عن ضغوط إيران وميليشياتها.
واعتبروا أن القبول بضغط بارزاني بشأن اختيار شخصية أمنية بلا خبرات سياسية لرئاسة العراق سيمس من صورة العراق خارجيا، ويقلل من رهان قوى إقليمية على أن الصدر يمكن أن يضع العراق على طريق الحياد.
وأكد النائب الكوردي السابق بيستون فائق أن “منصب رئاسة الجمهورية يتطلب ترشيح شخصية معروفة على المستوى العراقي بصورة عامة وللشعب الكوردي بصورة خاصة”، وأن ترشيح ريبير “كان مفاجئا للكورد أولا لكون الغالبية منهم لا تعرف عنه أي شيء سوى أنه تسلم منصب وزارة داخلية الإقليم في الكابينة الوزارية الأخيرة”.
وأضاف “للأسف غالبية المناصب السيادية والسياسية هي ملك عائلي وقرابات وأن الكفاءات دائما بعيدة عن الترشيحات للمناصب التنفيذية ولهذا فإننا… لم نشهد أي تطور للحالة الاقتصادية والاجتماعية”.
ولا يعرف إن كان التحالف البرلماني الجديد قد أمن الأغلبية التي تتيح له تمرير المرشح الكوردي لرئاسة العراق، أم أنه سيراهن على دور المستقلين الذين أرسلوا إشارات تقول إنهم لن يمنحوا الصدر شيكا على بياض وإنهم يريدون أن يلعبوا دور الشريك في اختيار التشكيلة الحكومية.
ورجح رئيس الكتلة الصدرية النائب حسن العذاري أن تكون للنواب المستقلين وقفة في دعم عقد جلسة يوم السبت، وأنهم مع “حكومة الأغلبية الوطنية وأن يوم السادس والعشرين من الشهر الجاري ستكون لهم وقفة من أجل العراق والشعب ولن يغريهم المال السياسي أو التهريب”.
من جانب آخر اعتبر قيس الخزعلي، زعيم فصيل عصائب أهل الحق الشيعية المنضوية في الإطار التنسيقي الشيعي، أن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر “يرغب في الاستحواذ على الحصة الشيعية في الوزارات في الحكومة المقبلة”.
وقال الخزعلي في تصريح متلفز “هناك شعور بالقلق لدى المكون الشيعي بشكل عام وتخوف من ضياع حقوقهم وإن الكتلة الصدرية في التحالف الثلاثي تعتبر أقلية مقارنة بالسنة والكورد ولن نخاطر بالاستحقاق الشيعي لأن ذلك يؤدي إلى ضياعه نهائيا”.