تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النظام الإيراني تستغل الأنسحاب الأمريكي في سوريا

مقاتلون جرحي من قوات سوريا الديمقراطية
AvaToday caption
كانت طهران تجد صعوبة في التوسع على أكثر من جبهة في سوريا مثلما فعلت في العراق، لكن تواجد القوات الأميركية حد من نفوذها
posted onOctober 9, 2019
noتعليق

بدأ الجيش الإيراني اليوم الأربعاء، تدريبات عسكرية لم يعلن عنها في شمال غرب البلاد على الحدود مع تركيا، بينما تستعد القوات التركية للتوغل في سوريا حليفة طهران، بعد قرار الرئيس الأميركي المفاجئ بسحب قوات بلاده من هناك.

وقالت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية الأربعاء إن التدريبات تشمل وحدات الرد السريع وكتائب متحركة وهجومية وطائرات هليكوبتر من الوحدة الجوية بالقوات البرية في المنطقة العامة لمدينة أرومية مركز محافظة أذربيجان الغربية شمال غرب إيران".

ورحبت طهران أمس الثلاثاء بالانسحاب الأميركي من شمال سوريا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القرار فجأة في خطوة أخلت الساحة أمام تركيا لشن هجوم على القوات الكردية على الحدود السورية.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان أنها "تعتبر تواجد العسكريين الأميركيين في سوريا تواجدا غير مشروع"، مشيرة إلى أن قرار الانسحاب "خطوة كان من المفروض أن تتم قبل هذا الوقت بكثير".

ومع تأهب القوات التركية لدخول شمال سوريا في أعقاب هذا الانسحاب الأميركي المفاجئ، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الثلاثاء، أنقرة إلى ضبط النفس وتجنب أي عمل عسكري في شمال سوريا، مؤكدا على وجوب مغادرة القوات الأميركية المنطقة.

ومع هذا الترحيب أكدت طهران، الداعم الأبرز للنظام بشار الأسد، معارضتها لأي تحرّك عسكري تركي في سوريا يمكن أن يهدد مصالحها التي شكلتها طيلة 8 سنوات من الحرب هناك.

ويحاول النظام الإيراني استغلال الموقف الهش للكورد الذين خذلهم تخلي حليفتهم واشنطن عنهم، بالدعوة إلى التعاون مع الجيش السوري.

ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن روحاني قوله "تركيا لديها كل الحق للقلق بشأن حدودها الجنوبية. نرى أنه ينبغي اتباع مسار سليم لإزالة هذه المخاوف... على القوات الأميركية أن تغادر المنطقة... يتعين على الكورد في سوريا... مساندة الجيش السوري".

لكن القيادي الكوردي صالح مسلم كان قد علق على المطامع الإيرانية أو حتى الروسية بـ"القول للجميع إن إيران وروسيا والنظام السوري متواطئون مع تركيا... نحن لا نتحالف مع طرف ما لمجرد خلافه أو عداوته لطرف آخر لم يلتزم بوعوده معنا... مواقفنا لا تتخذ بهذه الطريقة".

ويحذر خبراء أميركيون وأوروبيون منذ أشهر من أن الانسحاب الأميركي من سوريا سيفسح المجال للطموحات الإيرانية في المنطقة، بشكل معاكس تماما لحملة الضغط التي ينتهجها البيت ضد إيران لكبح تدخلها في بلدان المنطقة وتهديد استقرارها.

وشبه جيسون برودسكي، مدير مركز متحدين ضد إيران النووية، الانسحاب الأميركي من سوريا بـ"الانسحاب السابق لأوانه الذي قامت به إدارة الرئيس الأميركي السابق براك أوباما في 2011، ما أتاح الفرصة أمام النظام الإيراني للانقضاض على العراق المنهك من الحروب ما سهل لطهران عملية التغلغل في سياسته وفرض نفوذها على أراضيه في ظل انتشار الفوضى.

وكانت طهران تجد صعوبة في التوسع على أكثر من جبهة في سوريا مثلما فعلت في العراق، لكن تواجد القوات الأميركية حد من نفوذها خصوصا على الحدود التي يسيطر عليها الكورد شمالا.

وعملت إيران طيلة سنوات الحرب في سوريا منذ 2011 على تعزيز نفوذها في البلاد عبر مساعدة نظام بشار الأسد الذي ساهمت التدخل الروسي في سوريا في انقاذه وصموده في السلطة إلى اليوم، بإرسال الأسلحة والمقاتلين لدعمه.

وحسب تقرير قام به معهد واشنطن عن توسع النفوذ الإيراني في الجنوب والشرق في سوريا، فإن طهران ركزت بعد ضمان معقلها الجديد في دمشق، على ترسيخ جسرها الأرضي عبر سوريا والسيطرة على حدود البلاد مع العراق".

ويقول مراقبون إن الانسحاب الأميركي سيمنح فرصة الفوضى التي طالما انتظرتها طهران، حيث سيتيحها التدخل العسكري التركي في شمال سوريا احتمال فرار نحو 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية حاليًا في حال اضطر مقاتلو المجموعة لمواجهة الجيش التركي.

وبين هؤلاء، نحو ألفي عنصر من "المقاتلين الأجانب" الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولية الإسلامية داعش، بعد أقل من عام على هزيمة التنظيم المتطرف وتفكك "الخلافة" التي أعلنها في أجزاء من سوريا والعراق.

عندها ستتدخل ميليشيات إيران في سوريا بشكل متزايد وعلني مثلما فعلت عندما انتشرت في المدن العراقية عبر ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها من المقاتلين المسلحين الموالين لها، بحجة مكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

ومثلما استفادت إيران من انهيار الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن في جنوب سوريا العام الماضي، ستحاول السيطرة هذه المرة على الحدود السورية مع تركيا ولو بوتيرة أخف.

وقام النظام الإيراني باستغلال التحركات السكانية القسرية التي مارسها نظام بشار الأسد في جنوب سوريا خلال الأشهر الماضية، بإقامة مراكز عسكرية وشبكات أمنية تم نشر أغلبها في محافظات استراتيجية قرب الحدود الأردنية مثل السويداء ودرعا.

كما حرصت إيران ووكلائها من بينهم حزب الله اللبناني على ببناء مراكز دينية شيعية ومدارس دينية لنشر إيديولوجيتها في عدة محافظات سورية لضمان ولاء سكانها.

ويشبه السيناريو الذي تسعى إيران إلى تطبيقه في سوريا إلى حد كبير تجربتها في العراق، عندما ترك انسحاب القوات الأميركية في 2011 منه فراغاً ملأته عدوة واشنطن الأولى طهران.

ولم تردد إيران في استغلال ذلك الفراغ الذي خلّفه انسحاب الجنود الأميركيين، حيث يعاني العراقيون إلى اليوم أثر تلك الخطوة التي سمحت لطهران ببسط نفوذها ونشر تشيعها ما أفضى إلى تغييب دور السنة العرب والأكراد وإلى بروز الانتماء الطائفي بدل الولاء للوطن، وهو ما جعل الحكومات العراقية المتعاقبة تجد إلى اليوم صعوبة في السيطرة على الأوضاع السياسية في البلاد بعد تغلغل الأحزاب الموالية لإيران في قلب السلطة.

وكما كان العراق نقطة العبور الرئيسة التي سهلت المهمة على إيران لبسط نفوذها في سوريا ستكون سوريا ثاني نقطة عبور تفتح للنظام الإيراني المزيد من التغلغل في بلدان المنطقة لإنشاء منطقة نفوذه التي سماها "الهلال الشيعي" الممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت.

وكان المخطط الإيراني في سوريا يعتمد سابقا على مدينتي الموصل وحلب كطريق للوصول إلى المتوسط، لكن طهران غيرت ذلك المسار نظرا للتواجد العسكري الأميركي المتنامي شمال شرقي سوريا.

ترك واشنطن الكورد أمام مصيرهم في مواجهة تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيجعل إيران تواصل حربها بالوكالة لإبقاء سوريا غارقة في حالة حرب مستمرّة مثلما فعلت في العراق، لكن عناصر الميليشيات التي زرعتها في البلاد لن تكون القوّة الأكثر سيطرة على الميدان في ظل التواجد الروسي المهيمن هناك.